إذا كان الجيش العربي السوري وحلفاؤه يخوض الحرب ضد التنظيمات الإرهابية والتكفيرية، على جبهة إدلب، فإنّ الحرب الأخرى ضد قوات سورية الديمقراطية “قسد” تبدو مؤجلة في الوقت الحاضر.
علمًا أنّ “قسد” أصبحت تشكل قوة عسكرية كبيرة وتأتي في المرتبة الثانية بعد القوات الحكومية السورية ، وتسيطر على أكثر من 25% من أراضي الجمهورية العربية السورية ،ويبلغ عدد مقاتليها نحو 60 ألفاً، بحسب إحصاءات متقاطعة، وهي مزودة بأسلحة ثقيلة تلقتها من الولايات المتحدة الأمريكية ، من بينها ناقلات جنود ومدافع هاون ورشاشات.
لماذا الدعم الأمريكي لأكراد سورية؟
منذ بداية الحرب الإرهابية الكونية على سورية،كانت هناك رغبة أمريكية واضحة في إيجاد حلفاء جدد داخل سورية لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية”داعش”، لا سيما بعد فشل تنظيمات المعارضة السورية على اختلاف مسمياتهافي القضاء عليه طيلة السنوات الماضية.ومادفع الولايات المتحدة الأمريكية على تقديم الدعم العسكري لوحدات الشعب الكردية كحليف جديد لأمريكا داخل سورية ، تنامي سيطرة تنظيم جبهة فتح الشام”النصرة سابقا “في الداخل السوري.وتبرّر الولايات المتحدة الأمريكية دعمها لأكراد سورية،بأنّهم ليسوا مدرجين على قوائم الإرهاب في أمريكا، ومن ثم فلا حرج في التعامل معهم ودعمهم خاصة إن كان لهم دور كبير في القضاء على تنظيم “داعش” الإرهابي ومحاصرته داخل سورية.
وينبع الدعم الأمريكي لأكراد سورية،كون قوات سورية الديمقراطية “قسد” نجحت في إلحاق العديد من الهزائم بـ”داعش” خلال السنوات الماضية ،ما لفت أنظار العديد من القوى الدولية على رأسها الولايات المتحدة، وهو ما دفعها إلى دعمها عسكريًا وسياسيًا، لا سيما في وقت كانت تحتاج فيه واشنطن إلى دعم فصائل مسلحة من داخل سورية ضد التدخل العسكري الروسي الذي بدأ يحقق نجاحات في القضاء على التنظيمات الإرهابية التي تناصب العداء للدولة الوطنية السورية .
كما أن مساعي روسيا لتقليص حلفاء واشنطن داخل سورية كان أبرز الدوافع التي دفعت أمريكا لدعم قوات سوريا الديمقراطية وهو ما كشف عنه الباحث الأمريكي المتخصص في الشؤون العربية والإسلامية، بارك بارفي، الباحث في مؤسسة أمريكا الجديدة.
بارفي في تقرير نشره على الموقع الرسمي لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدني، دعا الولايات المتحدة إلى دعم “وحدات الحماية الشعبية”، الأمر الذي من شأنه تعزيز المصالح الأمريكية، وتحقيق أهدافها السياسية، مبررًا هذا الدعم بأنّه “في حين تركز روسيا حاليًا على تقليص تهديدات حلفاء واشنطن السوريين، وبالتالي إلحاق الهزيمة بهم، تحتاج الولايات المتحدة إلى حشد أكبر عدد ممكن من المتعاونين في معركتها ضد تنظيم الدولة، وبما أن وحدات الحماية الشعبية تتصدر هذه المعركة داخل سوريا، فإن دعم قواتها من شأنه أن يعزز المصالح الأمريكية إلى حد كبير”.
ورغم إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انسحاب القوات الأمريكية من سورية يوم18ديسمبر 2018،فإنّ هذه القوات الأمريكية(2000عسكري ) لا تزال تحتل الأراضي السورية ،وتعتمدبشكل كبيرعلى قوات سورية الديمقراطية”قسد”، بسبب دورها القتالي ضد تنظيم “داعش” الإرهابي ،حيث أعلنت الانتصار عليه في شرق الفرات.
وتُعَدُّ قوات سورية الديموقراطية، وذراعها العسكري وحدات حماية الشعب الكردية، إحدى أبرزالقوى التي حاربت تنظيم “داعش” في سورية. وأعلنت في 23 أذار /مارس2019 القضاء على “الخلافة” المزعومة بعد سيطرتها على آخر جيب للجهاديين في شرق سورية.وفيما كان الخبراء و المحللون يعتقدون أن هزيمة تنظيم “داعش” ، سيترتب عنه تقليصًا في الدعم العسكري والمالي من جانب الولايات المتحدة الأمريكية للميليشيات الكردية “قسد”، فإنّ ما يحصل على الأرض يشير إلى زيادة في الدعم الأمريكي ،أو تواصله على الأقل وفق الوتيرة نفسها للفترة الماضية.ففي الربيع الماضي أرسلت الولايات المتحدة إلى مناطق سيطرة “قسد” نحو 100 شاحنة محمّلة بعربات مصفحة وسيارات رباعية الدفع إلى جانب شاحنات مغلقة وصهاريج وقود، حيث دخلت هذه الشاحنات سورية عبر معبر سيمالكا الحدودي مع العراق، وتوجهت إلى قاعدة خراب عشك العسكرية، التي تتجمّع فيها المساعدات لتوزيعها على عناصر هذه القوات.
كما أعلنت الولايات المتحدة في وقت سابق أنها “خصصت في ميزانية عام 2020 مبلغ 300 مليون دولار لدعم قسد، تحت بند التدريب ودعم الأسلحة”. وقال مسؤولون أميركيون إنّه “ما زالت هناك حاجة لمثل هذا الدعم وذلك لضمان الهزيمة الدائمة لتنظيم داعش، بالتزامن مع بقاء أعداد محدودة من القوات الأميركية للغرض نفسه، وأغراض أخرى”.وكانت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) صرفت نفس الموازنة ل”قسد”خلال العام الماضي.
لقد اعتمدت الإمبريالية الأمريكية على ميليشيات”قسد” في الحرب التي تخوضها ضد سورية، على الرغم من المخاوف الأمنية لحلف الناتو من ردّ الفعل التركي ، بسبب التوتر الذي خلقته علاقة “الشراكة بين أمريكا و “قسد”.فقد قدّمت أمريكا شاحنات محمّلة بالأسلحة إلى الجماعات الإرهابية هناك، وقامت بتسليم نحو 22000 حمولة شاحنة من الأسلحة والذخيرة إلى وحدات “قسد” حتى الآن، وبعض تلك الأسلحة تشمل صواريخ كروز وصواريخ موجهة مضادة للدبابات (ATGM) وصواريخ أرض جو تطلق على الكتف (منظومات الدفاع الجوي المحمولة).
لقد بدأ تسليم الأسلحة والمعدات إلى “قسد”، التي لا تزال تسمّم العلاقات الثنائية بين تركيا والولايات المتحدة منذ عام 2014 واشتدت في السنوات اللاحقة. وكان وجود هذه الأسلحة مصدر قلق لأنقرة، حيث هدّد استقرار المناطق الشمالية السورية التي تحرّرت من “داعش” خلال عملية “درع الفرات” وعملية “غصن الزيتون”.
“قسد” ومحاكمة الإرهابيين الأجانب
خلال خمس سنوات من المعارك ضد تنظيم “داعش” الإرهابي ،اعتقلت قوات سورية الديمقراطية”قسد”الآلاف من المشتبه بانتمائهم إلى التنظيم، بينهم نحو ألف مقاتل أجنبي من عشرات الجنسيات،الأسيوية والأوروبية والعربية.وباتت سجون القوات الكردية مكتظة إلى حد كبير. ورغم بدء الميلشيات الكردية محاكمة الإرهابيين السوريين في محاكمها المحلية، لكن مصير الأجانب لا يزال غامضاً.
ومع رفض الدول الأوروبية استعادة مواطنيها خصوصاً الإرهابيين منهم، طالبت الميلشيات الكردية بعد انتهاء آخر المعارك بتشكيل محكمة دولية على أراضيها، بدعم من المجتمع الدولي، الذي طالبته كذلك بمساعدتها على تأهيل السجون أو بناء أخرى جديدة.
ويقول مسؤول دائرة العلاقات الخارجية فيما يسمى ” الإدارة الذاتية الكردية”عبد الكريم عمر: “هذا الموضوع جدي واستراتيجي بالنسبة إلينا،وسنعمل على تشكيل هذه المحكمة هنا”.ويضيف: “كيفية تشكيل هذه المحكمة وشكلها هو موضوع تبادل وجهات النظر بيننا وبين المجتمع الدولي” اليوم، مضيفاً:” أجرينا أكثر من لقاء مع عدد من الدول المهمة” مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وغيرها، وفي “كل لقاءاتنا لم نر أي طرف يعارض ضرورة تشكيل هذه المحكمة أو ضرورة محاكمة هؤلاء المجرمين”.
وتحتفظ ما يسمى بالإدارة الذاتية الكردية بتمسكها بمطالبة الدول المعنية باستعادة 12 ألفاً من نساء وأطفال الجهاديين الأجانب. لكن الإستجابة تبقى محدودة جداً، مع استعادة 13 دولة فقط 300 منهم على الأقل.ويواجه إرهابيوتنظيم”داعش” تهم ارتكاب جملة من الفظاعات كالإعدام الجماعي والاغتصاب والخطف والعقوبات الوحشية في مناطق سيطرته، عدا عن تنفيذ هجمات دامية حول العالم.
“قسد”واستباحة ثروات الشعب السوري
فبعد أن تحولت ميليشيات “قسد” إلى قوة احتلالية وأداة تنفذ مخططات الإمبريالية الأمريكية والكيان الصهيوني في الأراضي العربية السورية، تكشف الحقائق يوماً بعد آخر النقاب عن تورط ميليشيا “قسد” بسرقة ثروات الشعب السوري وارتباطها المفضوح بالكيان الصهيوني . في الحرب على سورية التي اتضحت أهدافها منذ اللحظات الأولى وكل يوم تتكشف الأهداف الاكثر خبثا في هذه الحرب المجنونة ،نعرف أن الثروات والمقدرات السورية كانت ولا تزال محط اطماع الإمبريالية الأمريكية و الكيان الصهيوني من النفط و الغاز إلى القمح وغيرهما كثير..وما الاحتلال الأميركي لبعض الجغرافيا السورية ودعمه المجموعات الإرهابية”قسد” الا دليل على ذلك..
فقد تم الكشف مؤخرًا عن وثيقة موجهة من ميليشيا “قسد” إلى سمسار صهيوني تفوضه من خلالها ببيع النفط الموجود في المناطق التي تسيطر عليها تلك الميليشيا بإشراف أميركي. وتتضمن هذه الوثيقة كتاباً من متزعمي مرتزقة “قسد” الى السمسار الصهيوني تفوضه فيها بتمثيلها في جميع الأمور المتعلقة ببيع النفط السوري في المناطق التي تسيطر عليها وتحتلها ما تسمى “قوات سوريا الديمقراطية”. ويشغل السمسار الصهيوني منصب رئيس جمعية “عماليا”، التي حاولت الابتزاز لتتمكن من إقامة ما يسمى “منطقة آمنة” في الجنوب السوري تنفيذاً لأجندة استخباراتية صهيونية ، وذلك عبر نسج علاقات ودية مع الجماعات الإرهابية التي كانت مسيطرة هناك، ولدى الجمعية المزعومة مشاريع تخريبية استعمارية أيضاً في محافظة إدلب.
وأفادت مصادر مطلعة بأن هذا الكتاب هو بمنزلة رسالة رسمية تؤكّد القبول بأن تمثّل شركة السمسار الصهيوني المجلس المزعوم في جميع الأمور المتعلقة ببيع النفط السوري الموجود في المناطق التي يسيطرون عليها، وذلك بموافقة مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية. كما يؤكد هذا الكتاب على أن ميليشيا قسد تحولت إلى قوة احتلالية من خلال تصرفها على أنها قوة مستقلة عميلة وتابعة للولايات المتحدة الأميركية.
تركيا وحسم مصير منطقة شرقي نهر الفرات السورية
أسهم الدعم العسكري الأمريكي لأكراد سورية في تسميم العلاقات التركية-الأمريكية ، لا سيما أنّ أكثر ما تخشاه تركيا الآن، والذي تعتبره تهديدات خطيرة وأخرى محتملة لها، هو تزايد الدعم العسكري الأمريكي لقوات سورية الديمقراطية “قسد”، وخوف أنقرة من إمكانية نقل تلك الأسلحة الأمريكية الصنع إلى جنوب شرق تركيا عبر الحدود التي تسيطر عليها “قسد” لاستخدامها ضد الجيش التركي.
وتسيطر المليشيا الكردية على العديد من القرى في ريف حلب الشمالي ومدينة منبج في منطقة غرب الفرات، بينما تسيطر على تل أبيض ومعظم المدن والقرى والبلدات في منطقة شرق الفرات شمال شرق سورية على طول الحدود السورية التركية.وكان التنظيم الإرهابي “الجيش السوري الحر” الموالي لتركيا قد سيطر على نواحي عفرين في مارس/آذار 2018عقب طرد “وحدات حماية الشعب”الكردية إثر عملية عسكرية تمت بدعم من الجيش التركي تحت مسمى “غصن الزيتون”.
تشعر تركيا بخيبة أمل مضاعفة من الدعم العسكري الأمريكي للميلشيات الكردية ، فمن جهة تخلّت أمريكا عن أهم حليف لها في الشرق الأوسط، تركيا، بعد أن جرّتها إلى الفخ ووضعتها بين فكي كماشة، ومن جهة ثانية قامت بتسليح ألد أعداء تركيا بدعم مالي من السعودية والإمارات في رسالة واضحة أن الحماية الأمريكية هي فقط للمشروع الوهابي، وأن المشروع “الإخواني” خارج الحسابات الأمريكية!!.
ضمن هذا السياق ، يأتي تجدد مدفعية الجيش التركي يوم الإثنين 15تموز الجاري،قصفها على مواقع مليشيا “وحدات حماية الشعب”الكردية ،في محوري بلدة منغ وقرية عين دقنة في ناحية تل رفعت بريف حلب الشمالي،فيما سيَر التحالف الدولي ضد “داعش” بقيادة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية دوريات في محيط مدينة منبج خلال الأيام الماضية وذلك عقب تصريحات من الرئيس التركي حول المنطقة الآمنة في شمال سورية.فقد سارت الدوريات التي ترفع الأعلام الأميركية على طول خط نهر الساجور الفاصل بين المناطق الخاضعة لسيطرة “قوات سورية الديمقراطية” والمناطق الخاضعة لسيطرة “الجيش السوري الحر” والجيش التركي في شمال شرق محافظة حلب.
وجاء تسيير الدوريات الأخيرة عقب تصريحات أدلى بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن نية بلاده اتخاذ خطوات في منطقتي تل أبيض وتل رفعت شمالي سورية بهدف تحويل ما سمّاه بـ”الحزام الإرهابي” إلى منطقة آمنة، بحسب ما نقلته وكالة الأناضول يوم الأحد14تموز2019.وقال أردوغان إن الولايات المتحدة لم تف بوعودها المتعلقة بإخراج المليشيات الكردية من منطقة منبج، مبيّنا أن العرب هم أصحاب منبج، وليست “التنظيمات الإرهابية”.
تؤكد التقارير الواردة من الحدود التركية-السورية، زيادة أنقرة من انتشارها العسكري بالقرب من الحدود السورية، بما في ذلك الأسلحة الثقيلة والمركبات المدرّعة والدبابات.فقد تمّ نشر أكثر من 50 دبابة وبطارية مدفعية على مدار الأيام الماضية بالقرب من تل أبيض، وبالقرب من منطقة أكشاكالي الحدودية التركية،في مؤشر واضح على أن المنطقة مُقبلة على تطورات من شأنها تغيير معادلة الصراع في شمال شرقي سورية.
وبالمقابل أكدت نفس التقارير، أنّ قوات سورية الديمقراطية “قسد”، التي تشكّل الوحدات الكردية ثقلها الرئيسي، “استقدمت تعزيزات عسكرية إلى مدينة تل أبيض في ريف الرقة الشمالي”، مشيرة إلى أن “قسد” اتخذت عدة منازل داخل المدينة كمقرات لعناصرها، ونشرت عناصرها في الخنادق التي حفرتها مسبقاً على الحدود الفاصلة بين مدينة أقجة قلعة ومدينة تل أبيض في ريف الرقة الشمالي.
ومن الواضح أن الأتراك يستعجلون حسم مصير منطقة شرقي نهر الفرات، سلماً أو حرباً. سلماً عن طريق نسج خيوط تفاهم مع الجانب الأميركي، الداعم الأبرز للأكراد السوريين، يقضي بانسحاب الوحدات الكردية من الحدود السورية التركية، أو حرباً عن طريق عملية عسكرية واسعة لا تنتهي إلا مع القضاء على خطر الوحدات الكردية على الأمن القومي التركي. وكانت وزارة الدفاع التركية قالت، السبت الماضي، إن “وزير الدفاع خلوصي أكار اتفق مع القائم بأعمال وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر على ضرورة إرسال فريق عسكري أميركي إلى أنقرة، لبحث إقامة منطقة آمنة في سورية”.
وكان الطرفان قد اتفقا من حيث المبدأ على إنشاء منطقة آمنة في منطقة شرقي نهر الفرات في مايو/أيار الماضي، لكنها لم تُطبّق على أرض الواقع بسبب خلافات على التفاصيل. وسبق أن ذكرت مصادر مطلعة، في حينه، أن “تركيا تعمل على إنشاء منطقة آمنة على طول حدودها مع سورية بعمق( 20 ميلاً 32 كيلومتراً) في عمق الأراضي السورية، ما يعني عملياً السيطرة على مدن عين العرب (كوباني) وتل أبيض ورأس العين والقامشلي”. كما تريد أنقرة طرد المسلحين الأكراد من مناطق ما زالوا يسيطرون عليها في ريف حلب الشمالي، إضافة إلى مدينة منبج الهامة ذات الغالبية العربية من السكان، التي حال الأمريكيون أكثر من مرة دون دخول الجيش التركي إليها.
لماذا لم تعد تركيا تثق بأمريكا؟
في مقال نشره الباحث الأمريكي نك دانفورث ، في مجلة فورين بوليسي، وقامت صحيفة عربي 21بترجمته ونشره بتاريخ 17تموز2019، يشير دانفورث في مقاله هذا ، “بالنسبة لبلد (ويقصد به تركيا)كان يعتقد بأن طريقه للقوة والازدهار تمر عبر الناتو والاتحاد الأوروبي، فإنّ هذا يمثل انتقالا كبيرا، فيبدو أن قيادة البلد تعتقد اليوم أن مواجهة أمريكا وأوروبا مباشرة هي الطريق الأفضل لخدمة مصالحها”.
ويلفت الباحث إلى أن “تركيا بقيت خلال الحرب الباردة غاضبة لكونها الشريك الصغير لواشنطن، لكنها تحملت ذلك لحمايتها من الاتحاد السوفييتي، ونتيجة لذلك كانت المشاعر ضد أمريكا واسعة الانتشار عندما صعد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزبه، العدالة والتنمية، للسلطة في نهاية عام 2002، فالحزب الإسلامي بنمطه الخاص لديه تشكك تجاه الغرب”.
ويفيد الباحث بأنه “مع بداية الربيع العربي في أواخر عام 2010 تزايدت طموحات تركيا، ففجأة ووسط الفوضى رأى داود أوغلو وأردوغان فرصة في ما قد يمكن تسميته سياسة خارجية (إسلامية)، بمساعدة القوى المتحالفة مع الإخوان المسلمين للوصول إلى السلطة في الشرق الأوسط، حتى لو عنى ذلك صداما مع نظام بشار الأسد في سوريا ومع إيران، لكن هنا أيضا بقيت أهداف تركيا الأيديولوجية متماشية بما فيه الكفاية مع توقعات واشنطن الليبرالية، حيث يمكن للإسلاميين المعتدلين الوصول للسلطة عن طريق الانتخابات، مع أن بعض المحللين كانوا متفائلين بخصوص (النموذج التركي)، ويبدو أنه من الواضح بالنظر للوراء أن بلدانا مثل مصر وليبيا وسوريا، كانت ستكون محظوظة لو صارت مثل تركيا”.
ويستدرك دانفورث بأنه “بدلا من ذلك، فإن فشل الربيع العربي أدى في المحصلة إلى توسيع الفروق الاستراتيجية بين واشنطن وأنقرة، في الوقت الذي أكدت فيه لأردوغان بعض أسوأ ظنونه في الغرب، ومن هذه النقطة بدأت تواجه حكومة أردوغان معارضة داخلية أشد، فالانتقادات الغربية والمقاومة الإقليمية اجتمعتا لخلق شعور بالحصار”.
ويقول دانفورث إن “الوضع في سورية أدى على مدى العام الذي اتبع ذلك دوره المدمر الخاص، ففي الوقت الذي زاد فيه قلق واشنطن من الدعم التركي لمجموعات متطرفة مرتبطة بتنظيم القاعدة، قلقت تركيا بشأن قوة الأكراد السوريين المرتبطين بحزب العمال الكردستاني، ورأت في المجموعات الإسلامية ثقلا موازنا، وما زاد من الطين بلة أن احتجاجات منتزه غيزي تبعها خلاف علني بين أردوغان وفتح الله غولن، فعندما كانت حليفة لأردوغان ساعدت حركة غولن على تلميع سمعته في واشنطن، لكن عندما انقلبت الحركة ضده في الوقت ذاته الذي تغير فيه الرأي الغربي سارع الكثير في تركيا إلى اعتبار أن هناك مؤامرة”.
ويشير دانفورث إلى أنه “بعد الانقلاب في مصر بقيت أنقرة معارضة بشدة للسيسي، حتى عندما قررت السعودية والإمارات والكيان الصهيوني دعمه، هذا الموقف تحول إلى شرخ إقليمي، ووجدت تركيا نفسها مصطفة ضد تلك البلدان في عدة قضايا، تمتد من ليبيا إلى القرن الأفريقي، وعندما قامت السعودية والإمارات بدعم من واشنطن على ما يبدو بفرض حصار على قطر عام 2017، سارع أردوغان إلى دعم قطر، مقتنعا بأنه أيضا سيكون يوما مستهدفا منهم، والآن في شرق البحر الأبيض المتوسط يتسبب التعاون اليوناني القبرصي المصري الصهيوني ي بشعور أنقرة بالحصار محليا”.
ويقول دانفورث: “في عالم فوضوي وخطير تضع أنقرة ثقتها في القوة، ففي بدايات عام 2018 مثلا عندما تحركت واشنطن لتقوية وحدات حماية الشعب الكردية في شمال شرق سوريا، شنت تركيا اجتياحا لعفرين، التي كانت تسيطر عليها تلك القوات، وأعلن المعلقون الأتراك أن استعراض القوة ذاك يثبت أنه لا يمكن إهمال تركيا، وأعلنوا أن ذلك ثبت عندما أعلن ترامب عن نيته الانسحاب من سوريا لاحقا، والآن تقوم تركيا باتخاذ الخطوات ذاتها للحصول على نصيب من مصادر الطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط، حيث أرسلت سفنا حربية لإعاقة أعمال التنقيب القبرصية عن الغاز الطبيعي، بينما تقوم هي بالتنقيب، وكما قال أردوغان: (كما أننا علمنا الإرهابيين درسا في سوريا فلن نتنازل للصوص في البحر”).
ويختم الباحث مقاله بالقول إن “المشكلة لصناع القرار الغربيين، بما فيهم صناع القرار في واشنطن، هي تقرير مدى حدة العقوبات التي يجب فرضها على تركيا بسبب شرائها لنظام S-400، فإن رد فعل قاسيا سيؤكد اعتقاد تركيا بأن أمريكا معادية، في حين أن رد فعل ضعيفا سيعزز اعتقادها بأن ما تقوم به يحقق نتائج، بالإضافة إلى أن تركيا تواجه مشكلة أكبر، فقد تؤدي التحركات المستفزة إلى إيقاف بعض السياسات المزعجة على المدى القصير، لكنها ستعمق العدوانية والحصار الذي تخشاه أنقرة، وباختصار فإن لكل من الطرفين أسبابه لإيجاد فرصة تقارب، والخشية من أنه مع غياب ذلك ستصبح العلاقات أكثر مواجهة”.
الخاتمة
في عَصْر العولمة الليبرالية المتوحشة، تستخدم الإمبريالية الأميركية استراتيجية التفكيك للدول الوطنية العربية،ولاسيما منها سورية ،من خلال إثارة و تغذية الصراعات العرقية أوالاثنية أوالقومية بين العرب والأكراد وبين العرب والأتراك وبين العرب والفُرْس.وكانت السياسة الأميركية-الصهيونية اعتادت اللعب على النَّعَرَات الطائفية والمذهبية و العشائرية والقبلية والعرقية ،ولاتزال ،بهدف ابتزاز جميع من تتعامل معهم، حكومات أو أحزاب أو مُنَظَّمات، لِتَخْتَصِمَ كل الأطراف مع بعضها وتُحَقِّقَ الاستراتيجية الأميركية هدفها المعلن ألاوهو تعميم “الفوضى الخلاقة”وخلق دويلات صغيرة على أساس طائفي ومذهبي وعرقي،لا تَمْلِكُ مُقَوِّمات الحياة، ويُمْكِنُ للولايات المتحدة التَّحَكُّمُ فيها بِسُهُولةٍ، بِذَرِيعة “حمايتِها” من جيرانها الذين يُصْبِحُون الأعْدَاء الرَّئِيسِيِّين، فيما تُصْبِحُ الإمبريالية “حامية الأقَلِّيات وحقوق الإنسان والنساء والأطفال…” لكن خارج حدودها.
لم يعرف السوريون من قبل أي شيء عن الطرح الانفصالي الكردي ،الذي أصبحت الميليشيات الكردية متمثلة بقوات “قسد” أداة الإمبريالية الأمريكية والكيان الصهيوني تطرحه اليوم، بوصفه العنوان السياسي و التاريخي للمرحلة الجديدة التي دخلت فيها سورية ، والمتمثلة في عملية تقسيمها ،وفق استراتيجية التفكيك الأميركية التي بدأتها منذ حرب الخليج الثانية عام 1991،بهدف تمزيق الكيانات العربية القائمة على أرضية التقسيم الكولونيالي الموروث من إتفاقيات سايكس بيكو الأولى في سنة 1916،وإعادة إنتاج إتفاقيات سايكس بيكو جديدة لاستيلاد كيانات تقوم على عصبيات جديدة مادون الوطنية والقومية ،أي عصبيات القبيلة والعشيرة والطائفة والمذهب الديني،والعرق، والتي تخدم في المحصلة النهائية المشروع الصهيوني المرتبط بالمخططات الإمبريالية الأميركية، والذي يعمل دائما على إثارة التناقضات المذهبية والدينية والعرقية في المجتمعات العربية كلها، حتى لا تتحد، ولا تصبح سوقًا موحدة، و حتى لا تبني زراعاتها وصناعاتها، وتعود إلى الوراء.
ويشكل مشروع قوات سورية الديمقراطية”قسد”مشروعًا انفصاليًا تقسيميًا لأنه يطرح في سورية، البلد الذي يعيش أزمة كبيرة تتداخل فيها العوامل الداخلية والإقليمية والدولية ،وهوبذلك وصفة انفصال أكثر منها شيء آخر.فالأكراد السوريون اعتقدوا أنّ التحالف مع الإمبريالية الأمريكية و الكيان الصهيوني سيؤمن لهم حلمهم في تأسيس “كيان انفصالي “في شرق سورية، وأن ّ الوقت أصبح يسير في صالح تحقيق هذا الحلم , من خلال التحالف مع الولايات المتحدة الأميركية، والاعتقاد أن ترتيبات ما بعد الحرب ستسهم في تحقيق الهدف المعلن وهو الفيدرالية ,بينما يكون الهدف الحقيقي هو السير في اتجاه إقامة الدولة. ويطالب الحزب الديمقراطي الكردي الذي أصبح بفضل تحالفه مع الولايات المتحدة الأميركية يسيطر على ربع مساحة الجمهورية العربية السورية، من المعارضة السورية ،الاعتراف منذ الآن بحق الأكراد في سورية بإقامة كيان مستقل ضمن سورية موحدة، ورفض لإعلان سورية كدولة عربية الهوية.
فتشكيل كيان كردي في شمال سورية سيقوي عمليات المطالبة في إيران وتركيا. وإقامة منطقة حكم ذاتي في إطار دولة فيدرالية سورية ستصبح مرجعًا يستند إليه.وهذا ما تخشاه في الحقيقة تركيا التي تدعي لنفسها الحق في النظر في تصور الدولة السورية الجديدة.أما الولايات المتحدة الأميركية فما يهمها هو السيطرة على منابع النفط بوصفها مصلحة إستراتيجية,وحماية أمن الكيان الصهيوني ،أما السعي نحو الديمقراطية فهو الوهم الذي يعزز لدى الأكراد الأمل في ألا يتم التخلي عنهم هذه المرة وسط المعمعة. وبعد أن عرفنا معنى الفيدرالية والذي يراد منها،فإنّ قضية الفيدرالية التي يطرحها أكراد سورية ستؤدي في حال قيامها إلى تقسيم سورية و تجزئتها إلى دويلات متعددة :دويلات عرقية وطائفية.
المراجع المعتمدة لكتابةهذا المقال:
1-صحيفة الثورة السورية بتاريخ 16تموز2019
2-صحيفة البعث السورية بتاريخ 16تموز2019
3-صحيفة العربي الجديد بتاريخ 17تموز2019
4-صحيفة عربي 21بتاريخ 17تموز2019
في ذكرى رحيله الـ ٥٣ .. قراءة في حيثيات “العروة الوثقى” بين عبد الناصر وجماهير الشعب العربي
بعض الناس يشبهون الوطن، إن غابوا عنا شعرنا بالغربة (نجيب مح... إقرأ المقال