معلومة.. الفنان البريطاني الشهير شارلي شابلن ناصر الفلسطينين وعارض الصهاينة

 

كيف استطاع شارلي شابلن، ابن لندن البكر والأشهر اجتياز آلاف الأميال حتى يصل إلى ما وصل إليه من شهرة مدوية في كل أنحاء الدنيا، ليستحوذ على انتباه المريدين بعدما يرتدي واحد من مريديه ملابسه الرثة ويطوف في أرجاء العالم يوزع الفرحة على الكبار والصغار، مقتسماً القفشات والنكات مع هؤلاء البسطاء الذين يعرفونه جيداً؟!
إنها ببساطة العبقرية التي لا تصنعها جغرافيا معتدلة، أو تلفّقها سطوة جائرة، إنها الضحكة التي تدخل القلب فتزيل تجعيدة القهر وتضمد جراح الحاجة وتزيح غبار الوجع.
قبل شارلي شابلن لم يكن الضحك موجوداً بوفرة على الأرض، ربما شهد حالات من الكساد بين الحين والحين، وندرة متقطّعة في أحايين أخرى، حتى انتظمت دورته مع ميلاده، وبدأت أولى قطرات المطر تسقط، وسرعان ما اتسعت وتشعبّت وتدفقت هنا وهناك، وأزعم أن الضحكات قبل ميلاده لم تكن تصاحبها أصوات، وأغلب الظن أنها كانت مكتومة، لقد نجح (شارلي) في أن يجعل للضحكات صوتاً عالياً وقهقهة تخترق القلوب وتقترب من الترنُّح والتمايل حتى يظن البعض أنها بدايات لوثة.
وُلد شارلي شابلن في السادس عشر من أبريل سنة 1889 م، وهو العام نفسه الذي أقبل فيه مبدعون من كل بقاع الدنيا، أصلحوا من حالها وأسهموا في نهضتها ورُقيّها، أمثال: آنا أخماتوفا الشاعرة الروسية، ألفريد ليشتنشتاين الأديب الألماني، أوسكار ما وروس فونتانه الكاتب النمساوي، إثيين دريوتون عالم المصريات الفرنسي، إدغار دوغلاس أدريان المخترع البريطاني، أنطونيو سالازار الزعيم البرتغالي، إدموند هوسل الفيلسوف الألماني، جواهر لال نهرو الزعيم الهندي، جان كوكتو الأديب الفرنسي.. وغيرهم، ومن عظماء الشرق: أحمد حسنين باشا، إبراهيم عبدالقادر المازني، إيليا أبوماضي، طه حسين، عباس محمود العقاد، عبدالرحمن الرافعي، عبدالحميد بن باديس، ميخائيل نعيمة، نجيب الريحاني.
وليس غريباً أن يبدأ أول بثّ لاسلكي من سفينة في عرض البحر عام 1889، وصاحبه بثّ آخر بدأ ما بين الضحك والبشرية تمثّل في ولادة شابلن الذي تجاوزت شهرته حدّ الوصف، فكُتب عنه أكثر من ألف كتاب ومقال، وتُرجمت إلى أكثر من أربعين لغة، وبلغ عدد مشاهدي كل فيلم من الأفلام التي قدّمها بين عامي 1918 و1931، وهي من أفلامه الصامتة الطويلة، أكثر من 300 مليون مشاهد، ناهيك عن الملايين التي شاهدت أعماله بعد تلك الفترة وما زالت تحتل المرتبة الأولى في المشاهدة. نحن بصدد فنان خارج التصنيفات المعتادة، فقد كان ممثلاً كوميدياً قديراً كما كان يُخرج أفلامه وينتجها ويكتب قصصها ويقوم بعمل المونتاج لها وكثيراً ما كان يضع الموسيقى لكثير منها..
إن أيادي شارلي البيضاء على السينما الأمريكية لعبت دوراً محورياً ومهماً في التطور الفني لصناعة السينما. في العشرينات من القرن الماضي كانت كلمة النجاح تقترن باسمه، وليس هناك دليل على ذلك سوى أن نذكر بقليل من التواضع أن اثنين من الأستديوهات السينمائية أعلنا إفلاسهما بعد أن تركهما شابلن ليعمل مع أستوديو آخر، ولعل في ذلك مؤشراً واضحاً على أهمية الدور الذي كانت تلعبه أفلامه في الإيرادات والجماهيرية التي كانت تُحقّقها.
أيام الفقر والتشرّد
والحكاية أن شابلن وُلد في الشارع الشرقي بحي والورث بلندن، أشد مناطق لندن فقراً وبؤساً لأب يُدعى تشارلز سبنسر تشابلين يعمل في جوقة موسيقية، وأم تُدعى هانا تشابلين كانت تُعرف باسم ليلي هارلي تعمل في مسرح متواضع بلندن.
ارتبط شابلن بأمه ارتباطاً روحياً فاق ارتباطه بأبيه كثيراً، حيث تكشف الصفحات الأولى من مذكراته عن سطور دلّلت عن هذا الارتباط عندما يقول عنها: (مخلوقة لطيفة تقارب الثلاثين من العمر مع بشرة صافية وعينين زرقاوين بنفسجيتين، وشعر كستنائي طويل يمكنها الجلوس فوقه، وقيل لي فيما بعد ممن سبق أن عرفوها إنها كانت رقيقة وساحرة، وإن الفتنة كان تفيض منها، كانت تناضل ضد ظروف معيشية مريعة في ذلك العصر الفيكتوري). لكن الأمر يختلف عندما تطالعنا كلماته الأولى عن والده: (أما أبي فبالكاد كنت أعرف أن لي أباً، وأنا لا أتذكر أنه عاش معنا يوماً ما، هو أيضاً كان ممثلاً في مسرح المنوعات، رجل صامت وكئيب، عيناه قائمتان… كانت أمه تقول إنه يشبه نابليون، كان لديه صوت باريتون خفيف، وكان الناس يعتبرونه فناناً مرموقاً، لكن المأساة أنه كان مدمناً على الشرب، وذلك كان السبب وراء الانفصال بينه وبين أمي حسبما كانت تقول). ويُضيف في موقع آخر من سيرته أنه التقى والده مرتين قبل أن يُقيم معه بعد إصابة أمه بالجنون: (المرة الأولى على المسرح، والثانية عندما كان يجتاز حديقة منزل مع إحدى السيدات فاقتربتُ منه، ولما سألني عن اسمي أجبت مصطنعاً البراءة (شارلي شابلن) فأعطاني نصف كورون).
ورغم أن شابلن عاش مع أمه ويلات الفقر التي سبّبها انفصال والده عنها، لكنه لم يُضمر له الكراهية ولم يذكره بسوء في مذكراته، وتكشف المصادمات بين شابلن وأخيه غير الشقيق سيدني من زوجة الأب من ناحية أخرى أن والده كان ينتصر لهما ويساندهما، فشابلن لم يُخفِ إعجابه به حتى وإن رجحت كفة أمه، وتمثّل هذا الإعجاب عندما يصرّح بوضوح: (كان يسحرني، فخلال الطعام كنت أراقب كل حركاته وطريقته في الأكل، وفي الإمساك بسكينه لقطع اللحم كما لو كان قلم حبر وبقيت أُقلّده على مدى سنوات). وأُصيبت أُم شارلي شابلن بالجنون وأُرسلت إلى مأوى المجانين في كاين هيل، وقرّرت المحكمة أن يتولّى أبوه رعايته وإخوته.. نعم، عاش شابلن مع أمه بعد الانفصال عن أبيه وعانى معها ويلات الفقر والحاجة وكانت تبيع أغراضها لسدّ الرمق، عاش حياة قاسية مع أُمه وأخيه سيدني وصلت حدّ الإملاق الشديد الذي ترك آثاراً ظلت تلاحقه وتثير فيه الشجون والألم.
ربما كان الشيء الوحيد الذي اتفق عليه والدا شابلن بعد انفصالهما هو دفع الابن ناحية الفن وتدعيمه، فلم ينسيا في ذروة القطيعة هوسهما الفني الذي لمحا إشارات واضحة له في طفلهما الصغير، لقد ساهمت الأُم بالنصيب الأكبر في إعداده، لكن الأب رغم المسافات التي أبعدت بينه وبين شابلن ساهم في الوقوف بجانبه عندما اقترح على أمه إلحاقه بفرقة فتيان لانكشاير الثمانية eight Lancashire lads التي كان يديرها مستر جاكسون صديق والده الذي نجح في إقناع مطلقته بانضمام شارلي شابلن مدعماً مبرراته بأن ما سيحصل عليه سيكون عوناً لها في مواجهة متطلبات الحياة شارحاً مزايا أُخرى تتمثّل في الإقامة والطعام، وافقت الأم بعد إجراء مقابلة مع مستر جاكسون الذي أخبرها بأن الأجر سيكون نصف كورون أسبوعياً وأنه سيهتم به.
معجزة الزمان والقمة
تأثّر شارلي شابلن بعد ذلك بشخوص ديكنز الروائي العظيم، ووجد فيها ثراء جعله يقوم بمحاكاتها، وفطن مستر جاكسون لذلك وقام بدفعه إلى المسرح لتقديمها، وللأسف قوبلت بالفشل من قبل الجمهور، وماتت المحاولة في يوم ولادتها ولم ييأس، وحملت معظم مشاهد شابلن السينمائية خصائص ديكنزية، وقطعت نوبة ربو قاسية خيط الأحلام من الامتداد بعد أن أصيب به شابلن ومكث في البيت شهوراً طويلة يتنفس بصعوبة، وبعد أن تعافى تبخرت أحلام العودة مرة أخرى للفرقة فعاد يعاني البؤس والشقاء مع أُمه فتدهورت صحته وساءت حالة والده ولفظ أنفاسه الأخيرة ليصبح شابلن يتيم الأب فقير الحال.. وألحقت أمه بالمستشفى واسودت الدنيا أمام عينيه ليبدأ رحلة التسكّع والتشرّد وعمل خادماً وبقي وحيداً يتصعلك في ضواحي لندن بحثاً عن العمل أو بعض لقيمات يسدّ بها جوعه حتى عمل في فرقة مسرحية ثم في سيرك لتقديم فقرات تمثيلية لكسب قوته وتأليف اسكتشات تمثيلية، ومع تزايد ليالي العرض كانت شعبية شابلن تزداد يوماً بعد يوم. واستجابت السماء لدعوات شارلي بعرض للذهاب إلى أمريكا، فالحلم يبدأ هناك… فاكتشف أن للجمهور الأمريكي مزاجاً خاصاً يتفق مع إيقاع الحياة السريعة هناك، فهضم المجتمع الأمريكي وحقّق نجاحاً ليعود ثانية إلى إنجلترا بشخصية شارلو الصعلوك والمتشرّد واستطاع أن يديرها بحرفية عالية، وبدأت العجلة تدور وتنتقل إلى أماكن أكثر رحابة وتوهجاً، واصطفت الجماهير هنا وهناك يلوّحون بأياديهم لمعجزة الزمان الذي أصبح ملء الأسماع وتوالت نجاحاته وعاش حياة المشاهير بانطلاقة سينمائية شهدت 34 فيلماً في عام 1914م ساهمت في انتشاره وصقل موهبته وأصبح معلماً من معالم هوليود وطافت شهرته كل أرجاء الكون وسجّل أجره رقماً قياسياً لم يقترب منه نجم، وهو الأمر الذي جعل سيدة تتبرّع بعشرين ألف دولار آنذاك للصليب الأحمر لتحصل على مقعد بالقرب منه في عشاء خيري.

وقد تبنّى شابلن موقفاً مؤيّداً للفلسطينيين ضد الكيان اليهودي وضد الحضارة البريطانية القائمة على الاحتلال وعلى ما فعلوه في فلسطين من عار تحكي عنه البشرية مدى الحياة… وفي الخامس والعشرين من ديسمبر سنة 1977 توقف قلبه ليستريح للأبد.
أفلام شارلي شابلن
من أفلامه التي ساهمت في شهرته:
كسب العيش، سباق الأطفال في فينيس، مأزق مابل الغريب، تحت المظلة، قسوة الحب، مابل على عجلة القيادة، 20 دقيقة حب، المطرقة المميتة، خروج المغلوب، غاز الضحك، المتشرّد، الكونت، رجل المطافئ، المغامر، السندات، حياة كلب، السيرك، الحاج، أضواء المدينة، الأزمنة الحديثة، الديكتاتور، ملك في نيويورك، كونتيسة من هونج كونج، أضواء المسرح، ومستر فيردو.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى