يقولون إن الفلسطينيين دائما يرفضون

تتردد في أوساط الأعداء الصهاينة ومن والاهم من أنظمة العرب السياسية بخاصة أنظمة الخليج مقولة أن الفلسطينيين رفضوا كل الحلول التي تم تقديمها لهم لإحلال سلام في المنطقة وإقامة كيان لهم يتمتع بالاستقلال، وهم يتحملون مسؤولية هذا الرفض الذي يؤدي إلى مزيد من المعاناة والأحزان لهم، واستمرار تشردهم. وكان أبو منشار (محمد بن سلمان) آخر من تفوه بهذا الكلام وهو في الولايات المتحدة وكأنه يعرف بالتاريخ.

أقوالهم غير منطقية وغير صحيحة. بداية أطرح السؤال: من هو الذي لديه الاستعداد للمساومة على وطنه، والتنازل عن أي جزء منه؟ الحقيقة التاريخية واضحة أن الصهاينة هم الذين غزونا في عقر دارنا فلسطين بمساعدة بريطانيا المجرمة.  تكالب أهل الغرب علينا وقدموا كل أنواع الدعم للصهاينة وانتزعوا منا أرضنا وشردوا شعبنا، وبالتعاون مع عصبة الأمم بداية والأمم المتحدة فيما بعد. وإذا كان هناك من يقول إن لليهود حقا في فلسطين، فإن عليه أن يعيد ترتيب العالم وفق الأساطير القديمة التي تميزت بحركة الشعوب وتنقلها من منطقة إلى أخرى. ثم أن اليهود مروا في فلسطين لفترات متقطعة، ولم يكونوا أبدا سكانها الأصليين. والرومان (أهل الغرب) هم الذين طردوا اليهود نهائيا من فلسطين وحرّموها عليهم.

لم يكن من حق الحاج أمين الحسيني، قائد الفلسطينيين قبل عام 1948 أن يتنازل عن أي جزء من فلسطيني ولم يكن لديه الاستعداد للقيام بذلك. ولم يكن لدى الشعب الفلسطيني الاستعداد للتنازل والاعتراف بحق غير الفلسطينيين بأي جزء من بلادهم. هكذا كان الموقف الفلسطيني حتى جاءت منظمة التحرير الفلسطينية لتغدر الشعب وتقدم التنازلات التي أثمرت المزيد من الأحزان والآلام للشعب الفلسطيني.

الأنظمة العربية غدرت الشعب الفلسطيني عام 1948 وأثناء الحرب. تقدمت الجيوش العربية في بداية الحرب، وتراجع جيش الصهاينة على الرغم من أن عدده وعدته كانت تفوق عدد وعدة الجيوش العربية. تقدم الجيش المصري في جنوب فلسطين، والتقى الجيش الأردني في منطقة بيت لحم، واندفع الجيش العراقي نحو حيفا. وحرر الجيشان اللبناني والسوري بعض مناطق شمال فلسطين. فهرع أهل الغرب وأملوا على الحكام العرب وقف القتال لمدة شهر لفسح المجال “للتفاهم”. زود أهل الغرب أثناء هدنة الشهر الصهاينة بمزيد من الأدوات القتالية، وحذروا الأنظمة العربية من التقدم، وأصروا على انكفاء الجيوش العربية. زود الملك فاروق الجيش المصري بأسلحة فاسدة وتمكن الصهاينة من حصار الجيش المصري في الفالوجة، وتسلمت قيادات الجيوش العربية، وفق ما كان يقوله الضباط العراقيون للسكان، خرائط جديدة تحدد خطوط وقف إطلاق النار. وبناء على ذلك، تراجع الجيش الأردني وسلم اللد والرملة وغرب القدس  للصهاينة، والذي سلم بعد ذلك منطقة المثلث للكيان الصهيوني، وتراجع الجيش العراقي من مناطق حيفا وطولكرم، لكنه تمكن من المحافظة على مدينة جنين التي حاول الصهاينة احتلالها.

قررت الأمم المتحدة بغير وجه حق، وبدون نصوص خاصة بتقسيم أوطان، تقسيم فلسطين إلى دولتين: عربية ويهودية وذلك وفق القرار رقم 181 لعام 1947. خصصت الأمم المتحدة 53% من المساحة للأقلية اليهودية في فلسطين، و 44% للأغلبية الفلسطينية، وأبقت على منطقة القدس وبيت لحم منطقة مدوّلة.

بعد الحرب، استولى الصهاينة على حوالي 77% من مساحة فلسطين الانتدابية (أي التي صنعها الانتداب البريطاني المشؤوم) وتجزأ الباقي إلى الضفة الغربية وقطاع غزة ومنطقة صغيرة ثالثة اسمها الحمة والتي بقيت جزءا من سوريا الصغرى واحتلها الصهاينة عام 1967. تجاوز الصهاينة قرار الأمم المتحدة الذي دعمته الدول الكبرى في حينه مثل أمريكا والاتحاد السوفييتي، ولم يرفع أحد صوته ضد هذا التجاوز، ما يشير إلى تآمر الجميع على فلسطين وشعبها، وكان الصهاينة قد أعدوا لطرد الفلسطينيين من وطنهم وذلك بالقيام بمجازر ضد بعض القرى والمدن لكي يرتعب الناس فيغادرون خوفا من القتل. قتلوا الناس في دير ياسين وحيفا والدوايمة والطنطورة ومسجد دهمش في اللد وغير ذلك، فهرب الناس وتشردوا ليصبحوا لاجئين في أراضي بلاد الشام المجاورة . وماذا فعل العالم لإعادة اللاجئين إلى وطنهم؟ اتخذت الأمم المتحدة قرارا هزيلا عام 1948 يدعو الكيان الصهيوني إلى السماح للفلسطينيين بالعودة في أقرب وقت ممكن. الصهاينة لم يسمحوا، وأقرب وقت ممكن لم يأت بعد والعالم لم يتصرف. يحظى كل اللاجئين في العالم بتأييد الدول لعودتهم إلى بيوتهم وممتلكاتهم إلا اللاجئين الفلسطينيين. أغلب الدول تتجاوز حقهم في العودة، وتنهمك بالبحث عن حل على حساب اللاجئين. ودول العالم تنشغل بالحفاظ على أمن الكيان الصهيوني بمن فيها روسيا، ولا تعير انتباها للأمن الفلسطيني.

ما هي الحلول التي طرحها العالم وتحافظ على حقوق الشعب الفلسطيني؟ لا يوجد إطلاقا. كل الحلول التي تم طرحها كانت على حساب الشعب الفلسطيني، فكيف يقبل الفلسطينيون؟ تجرأت منظمة التحرير على الحقوق الفلسطينية واعترفت بالكيان الصهيوني وجندت نفسها دفاعا عن الكيان، وعلى ماذا حصلت في المقابل؟ حصلت على الإهانات والإذلال مقابل بعض المال لربانها. استمر الصهاينة بالاستيلاء على المزيد من الأراضي وبناء المستوطنات وملاحقة الفلسطينيين أينما ثقفوا وبمساعدة الدول الغربية.

(لو) كان للفلسطينيين أن يقبلوا طروحات أهل الغرب، لما توقفوا هم والصهاينة عن الاستمرار في الزحف على كامل التراب الفلسطيني. وأكبر دليل على ذلك أن الفلسطينيين لم يحصلوا على أي جزء من حقوقهم التاريخية الثابتة على الرغم من أن منظمة التحرير قد قدمت كل التنازلات المطلوبة أمريكيا وإسرائيليا فألغت الميثاق الوطني الفلسطينية واعترفت بالكيان الصهيوني وأخذت تدافع عن الأمن الصهيوني. إنكار حق اللاجئين ما زال مستمرا، وكذلك مصادرة الأراضي وبناء المستوطنات، وملاحقة الفلسطينيين على كافة المستويات.

والأهم أن الفلسطينيين لم يتأخروا في إعلان استقلالهم وتشكيل حكومتهم بعد هزيمة عام 1948، لكن مصر بقيادة الملك فاروق احتجزت الحاج أمين الحسيني قائد الفلسطينيين حينئذ، وأرسلت قوات مصرية إلى قطاع غزة واعتقلت أعضاء الحكومة الفلسطينية، وقضت على الاستقلال الفلسطيني. والآن وبسبب أن الحكومات العربية أكثر انحطاطا وسفاهة من تلك التي كانت في أواخر الأربعينات والخمسينات، ستدمر الاستقلال الفلسطيني إن حصل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى