غزة وإعادة الانتخابات في “إسرائيل”

منذ أن تعنت ليبرمان ورفضه أي حلول وسط في موضوع التجنيد، كان التساؤل، لماذا يرفض ليبرمان هذه الحلول، وهل بالفعل علاقته مع المتدينين وحرصه على قانون التجنيد هو الذي أوصل “إسرائيل” إلى هذه المحطة؟، التي فشل فيها اليمين من تشكيل ائتلاف حكومي، دافعاً الكرة مرة أخرى إلى انتخابات جديدة.

وفق المُعلن فإنّ تصريحات ليبرمان ما قبل الانتخابات وما بعدها بأيام، انصبت حول ملف غزة، ورغبته أخذ صلاحيات كاملة في وزارة الجيش، بل وكرر هذه المسألة عشرات المرات، وأكد أنّه بدون تلك الصلاحيات ودون إطلاق يده للعمل في غزة دون معيقات فإنّه لن يدخل الحكومة. هنا منحه نتنياهو ما أراد، فقد أوكله المهمة شريطة التشاور الدائم مع المؤسسة الأمنية، التي بطبيعة الحال ستكون أكثر تقييداً لليبرمان.

فجأة خرج ليبرمان، والذي كان في وقت سابق قد وافق على قانون التجنيد، مطالباً بتعديل صيغة القانون تعديلاً جوهرياً، الأمر الذي أعاد تشكيل الحكومة إلى المربع الأول من حيث اصطدامها بواقع ليس بالسهل، الأمر الذي تطلب جولات مكوكية من المداولات حتى الدقيقة الأخيرة قبل حل الكنيست الإسرائيلي.

وإن كان قانون التجنيد بصيغته الحالية غير مرضٍ لغالبية الصهاينة، حيث يسمح لشباب الحريديم بعدم التجنيد للجيش، هذا القانون كان منذ تأسيس الدولة العبرية، لكن وقتها كانت نسبة الحريديم 1.5%، أمّا اليوم فتجاوزت 10%، وترتفع أكثر عند أخذ عينة الجيل الشاب فقط، الأمر الذي جعل توزيع الأعباء غير عادل، فمن وجهة النظر الإسرائيلية، لا يجوز أن يُقتل بعض الشباب في المعارك، فيما شباب الحريديم يقرأون التوراة في كُنسهم، عوضاً عن تقديم النفس.

وللتذكير فإنّ تركيز الأحزاب والمجتمع الصهيوني على هذه القضية، ارتفع مع الحروب الأخيرة في غزة، تحديداً الحرب في العام 2014، والتي تراجعت فيها “إسرائيل” كثيراً أمام المقاومة في غزة، بل وأعلن وزير جيشها في ذلك الوقت موشيه يعلون، أنّ حرب برية على غزة تعني عودة آلاف من الجنود إلى دولتهم محملين في أكفان.

هُنا تكمن معادلة غزة!، ففي الوقت الذي أراد ليبرمان تعقيد تشكيل الائتلاف لمسح صورته الانهزامية أمام غزة، وحين أدرك أنّه سقط في الفخ مرة أخرى بعد موافقة نتنياهو له على الحقيبة، أراد أن يعقد الأمور مرة أخرى، فهو يعي أنّ ملف وزارة الجيش سيكون محرقة له، وفي نفس الوقت أراد الظهور بأنّه الأحرص على تعديل قانون التجنيد، الذي فعلته الحروب على غزة منذ العام 2008.

حيث في ظل حقيقة أنّ دولة الكيان التي تمتلك تكنولوجيا مهولة، وعتاد عسكري منقطع النظير في الإقليم كمّاً ونوعاً، أقرت من خلال مؤسستها الأمنية، ومحلليها العسكريين والاستراتيجيين، بأنّ دولتهم تفتقد إلى الجندي المقاتل على الأرض، حيث وفقهم لم تعد الدولة العبرية تتقبل لا هي ولا جيشها، أن يكون هناك خسائر بشرية كبيرة، الأمر الذي وضع الاحتلال تحت مسمى، جيش بري لا يرد القتال.

وإن كانت “إسرائيل” تعتبر أنّ جيلها الجديد لا يُريد القتال بالمقارنة مع الجيل القديم، فإنّ هذا الادعاء لا يُمكن اثباته، حيث أنّ الكيان لم يواجه حرباً حقيقية منذ تأسيسه، سوى المواجهات الأخيرة مع المقاومة اللبنانية والفلسطينية. حيث أنّ الصمود الأسطوري لها وقدرتها على مفاجئة الاحتلال وايقاع خسائر بشرية في جنوده، دفع الكثير منهم للتهرب من الخدمة البرية وسلاح المدرعات، وهذا ما زج بالمئات منهم في السجون، بسبب تهربهم من الخدمة، والأبعد من ذلك أنّ غالبية النخبويين من الجيش الإسرائيلي، يذهبون للوحدات التكنولوجية والسايبر، الأمر الذي جعل جودة الجندي البري هي الأقل في دولة الكيان.

لذلك غزة كانت الحاضر الأبرز في نقاشات تشكيل الحكومة، وإن كان ليبرمان تمنى أن يفشل نتنياهو في تشكيل الحكومة على وقع مطالبه بشأن غزة، فقد التف ليبرمان وأفشل الحكومة من خلال قانون التجنيد، الذي بالأصل عنوانه المقاومة ومواجهتها، فوفق الشرائح الإسرائيلية المختلفة، ليس من المنطقي أن يُقدم العلمانيين والمتدينين القوميين، وبقية الشرائح أنفسهم في سبيل دولتهم، فيما يحتسي الحريديم القهوة إلى جانب التوراة، معتبرين أنّ ذلك هو الذي يحمي الدولة.

* مدير مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى