لماذا نكتب ؟

 

من الأسئلة التي يطرحها كلّ كاتب في نفسه، لماذا نكتب ؟ أكلّ هذا يستحقّ الكتابة ؟… فمنهم من تبقى ساكنة في داخله المفعم بالمشاعر ومنهم من تخرج بموعد أو بلا موعد ليشارك في تقييمها الآخرون. ،نعم إنّها الفكرة التي قد تذهب وتأكلها الأحداث الجديدة في الحياة وتصبح نسيا منسيا. إنّها اللحظة التي نشعر فيها بأنّ الفكرة يجب أن ندونها لأنّ ضياعها ضياع لقيمة اللحظة التي ساهمت في صنعها.

لماذا نكتب ؟ لأنّ كلّ ما يروادنا يذهب في سبيل حاله ليترك المكان شاغرا لماهو قادم سواء تشابه أم إختلف. فالذاكرة تتجدّد  مثلما يقوم الحاسوب بتنظيف نفسه عند الإمتلاء حتّى يستقبل المستكشف الحديث. فالكتابة تبقى عسيرة على من لم يتعوّد تسجيل الأحداث المهمّة والتفاصيل التي تبدو أحيانا مملّة في حياته، والملاذ المفرح بالنسبة لمن تخذله التجارب الحياتية المختلفة إيمانا بأنّ لحظة الإنتصار قد تأتي ويصبح للذكرى معنى ودرس يدرّس للآخرين.

إنّها الكتابة يا أصدقاء المعركة المعرفيّة أينما نعيش ، إنّها التضحية وليست بالشيء اليسير لتصل المكانة التي تستحقّها. لكنهّا تبقى سيّدة الحاضر والمجد للناظر ماضيا.

للكتابة هويّة إنسانيّة ، فنكتب لنريح أنفسنا شقاء لحظة “الآن” التي يتصارع فيها “ العقل والوجدان”.

نكتب لنستقبل اليوم المقبل بوجه مبتهج وسعادة إستثنائيّة تجوب ما إندثر. نكتب لأنّ الرأي مهما تعدّد ، فإنّه يستحقّ أن يخلّد بين الدفاترالكثيرة ، ما أكثر الآراء والتجارب التي تنام في سكون على رفوف المكتبات. نكتب لأنّ سخافة الواقع قد تنكر ما تمّ نسجه في ما سبق وتبرّمت الأيادي من أجل أن يصبح جزءا من ذلك الواقع ربّما. إنّها أحسن ميراث يتصارع عليه الأبناء. فما فائدة أن تملك شيئا ولا تستطيع أن تغوص في طرقه المتشعبة.

كلّ شيء يستحقّ أن يكتب لأنّ الإنسان سميّ إنسانا لكثرة نسيانه كما يقال ولا أستبعد هذا لأنّ ذاكرة البشر قويّة ومنيعة، لكنّها تغفل عن تذكّر التفاصيل عندما تقتضي الضرورة. فلو لا قليل من تفصيلة صغيرة ، ما أصبحت كتب التاريخ مراجع نبني عليها صحّة ما نتداوله. نكتب ونكتب مرارا وتكرارا لرغبة تحوز في النفس لتخليد التجارب والمقارنة بينها وبين أخريات ، حتّى نشعر بأنّنا نقوم بوضيفتنا الإنسانيّة كبشر.

نكتب لأنّ الموت المبكّر فالحياة والعين مازالت مفتوحة، تجعل الأيّام سواسية، لا يزيد يوم عن يوم آخر بتجربة أو إنجاز تشكرنا عليه البشريّة.

فالفكرة كالشمس تشرق في وقت وتغرب في وقت آخر. فكما أنّ بعض الحشرات تزعجنا وتفسد علينا متعة التفكّر في الليل ، فإنّ الفكرة تزعجنا وتحرمنا النوم إذا لم نتخلص منها في مفكرتنا.

نكتب لأنّنا نتحلّى بالشجاعة وما أندر من يتحلّى بالشجاعة اليوم بعدما أختزلت في  أشياء لا صلة لها بالمفهوم. فنخوض يوميا صراعا مع ذواتنا من أجل إستنباط ما يجول في الأعماق من خواطر.

نكتب لأنّ صفاء الذهن مؤقّت وتشويش الأفكار المتراكمة علينا يفسد علينا متعة ممارستنا للأشياء التّي طالما كانت تسرّنا ومازالت كذلك.

نكتب للأجيال القادمة لأنّ لها حقّ علينا في معرفة ما يجول في عصرنا. فالظلام الحالك درس مستفاد، حتّى لا يلدغ الإنسان من جحر مرّتين ونور ساطع ليعلم الإنسان أنّه لا شيء يبقى على حال. مهما طال زمن الظلام الدامس فإنّ االمصير مصيره النّور.

نكتب لأنّ الرحلة قد تقصر وقد تطول وفقا لما نشعر به. حاملين معنا أمالنا المعلّقة بين قلم جاف وورقة أفسد بياضها الناصع تقلّب الأحوال.

فالإنسان لم يترك شيئا في حاله طالته يده سواء الطبيعيّة أم الإصطناعيّة.

أكتب ، نكتب ، يكتب… إختلفت الضمائر لكنّ الهدف واحد ألا وهو تحقيق معنى ودافع مهمّ في الحياة، يجعل فارق واضحا بيننا وبين الحيوان. فالحالة النرجسيّة التي تميّزنا ككتّاب تجعل لهذه المهمة النبيلة سقفا نعيش تحته ومكانا يملكنا ونملكه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى