التخيل الحضاري وسيناريوهات المستقبل !

تجديد الحديث عن القومية بمعانيها المتطورة والمشروع القومي النهضوي بآفاقه المفتوحة على التجسد والتداول والترهين والوحدة العربية الآتية باستشعارات تاريخية وليس باستحضار رغائبي لا تتأسس في عقلنا على ضوء وحافز نوستالجي – حنين إلى الماضي – مجرد ، أو ماضوية باهتة فاقدة لمعناها وصورة رمزية لمستقبل غامض بقدر ماهي تخيل قومي حضاري يتأسس على وعي مستقبلي استنهاضي حافز يدرك أهمية هذه العناوين والأفكار في تحديد المستقبل العربي ويسعى إلى وضعها بصورة فكرية ناقدة ومتجددة أمام العقل العربي لتكون أفقاً مفتوحاً ومتاحاً لبناء التصورات الواقعية التي يمكن أن تغير زوايا النظر نحو عملية بناء الواقع العربي بصورة نهضوية تعيد الحياة والحيوية لهذه الأفكار الكبرى التي حركت حياتنا العربية طوال الفترات الماضية وكانت دافعا لبقاء الأمة داخل تاريخها وإن اعتورها بعض الهوان والتراجع  والارتداد في لحظات معينة .

وإبقاء الأفكار الكبرى الجامعة والحافزة أمام عقل الأمة هو من متطلبات الرد التاريخي على عمليات تفكيك المرجعيات الكبرى وإزاحة يقينات ومسلمات وبداهات وجود الأمة  وعناصر قوتها وتحويل واقعها ووجودها إلى مختبر لكل ألوان  الشرذمة  والتفكيكات ومن أجل الوصول إلى متطلبات الأمركة المستبيحة للعقول والماهيات والهويات والأفكار الجامعة النبيلة والأمركة المتوحشة الراهنة  والمتعجلة في إشاعة شريعة الغاب والاغتراب  وتذرير الشعوب ومطاردة أحلامها القومية ووضعها في عراء اجتماعي وسياسي وثقافي بائس أو إبادتها إذا تطلبت الأمورذلك!

ولا يراد من دعوة الأمة العربية وأبنائها إلى التمسك بأفكارها الجامعة والكبرى لأن  تغط في الأحلام الوردية وتسكن في أخيلتها وهي بمواجهة هذا التوحش العولمي  والتجليات  الفاشية  والمتفاقمة للكيان العنصري في فلسطين ، كما لايراد للأفكار التي نجدد فيها الحديث عن هويتنا وقوميتنا أن تؤخر الفعل الممكن والمتاح واشتقاق البدائل والممكنات والحلول المرحلية لواقعنا المتداعي وترتيب الأولويات من داخل هذا الأفق الحضاري الذي تؤشر عليه العناوين القومية النهضوية التي نطرحها وندافع عنها ونجدد الحديث عنها في كل الأوقات .

وكون الأمة العربية تواجه تحديات كبرى وكارثية تهدد حاضرها ومستقبلها ويتعذر مواجهتها مواجهة حقيقية ومؤثرة وتمر بأزمات تعيق وحدتها وكل ألوان تفاهمها وتماسكها واجتماعها وترابطها فلا عجب ولا ضرر من أن تتمسك – وإن رمزياً ومعنوياً – بأفكارها الجامعة الكبرى حتى وإن استحال تحققها في المرحلة الراهنة أو إن  بدت لأصحاب الواقعية البائسة واليائسة عصية على التحقق وذلك لكي تستطيع مواجهة حملة الإفناء والإزاحات والتفكيكات المنتظرة  ولا خسارة في ذلك لأحد سواء كانوا نظما أو شعوباً ذلك أن التمسك بالهوية والقومية واستظهار مشروع للأمة هي من عوامل المحافظة على الذات أولا  وهي عنوان وتخيل حضاري قد يستنهض ذات الشعوب في كل قطر عربي ويحركها لتغيير حاضرها وبناء مستقبلها.

وبقاء الدول العربية مفككة مضطربة منزوعة الهوية مقسمة المجتمعات( أو بمثابة  جغرافيا وسكان بلا هوية ) غير قادرة على التنمية وحماية الحدود والسيادة  لن تحلم بهذه المثابة بمستقبلات بديلة  ممكنة  إلا  بعودتها إلى اكتشاف حقيقتها التاريخية والحضارية وتعريف ذاتها وهويتها وقوميتها وحينئذ تكون في صميم وعيها التاريخي والحضاري مستجيبة لتغيرات وتحولات ومعطيات العصر ، وتبقي ذاتها على مبعدة من التبعية والانسحاق والتوظيف الأداتي المذل .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى