تصدر قريباً عن «المركز القومي للترجمة» بمصر النسخة العربية من رواية «دون طريق بلا أثر»، تأليف الروائي الروسي دينيس نيكالايفيتش جوتسكو، ترجمها الكاتب الدكتور أحمد صلاح الدين، وهي واحدة من الأعمال الأدبية التي تنتمي للأدب الروسي الحديث، وتعتبر العمل الأول الذي يظهر باللغة العربية لجوتسكو، وقد حصل بمقتضاها على «جائزة البوكر» الروسية عام 2005.
وتتمحور أحداث الرواية حول مواطن سوفياتي يجد فجأة، ودون أي مقدمات، أن عالمه الذي يعرفه ينهار أمام عينيه، وأن الدولة التي نشأ داخل حدودها، صارت أثراً بعد عين، وقد ترتب على ذلك شعوره أن «هويته ضاعت، وأنه صار غريباً». وكان لزاماً عليه أن يخوض معركة تمتد بطول الحدث الروائي من أجل الحصول على جواز سفر دولة هو بالأساس أحد مواطنيها، لكنها ترفض الاعتراف بذلك، فقد تغير كل شيء على الأرض، ولم تعد موجودة تلك البلاد التي عرفها وتربى فيها. صارت ذات وجه آخر. وقد ظل خط السرد الأساسي يعود باستمرار إلى محاولة حل معضلة الحصول على الجنسية، وفي لحظات أخرى يتحول إلى حوارات تتميز بنثر شديد الثراء.
وكان هذا المواطن قد ولد في مدينة تبيليسي، عاصمة جورجيا الآن، وأكبر مدنها على ضفاف نهر كورا، التي كانت تابعة للاتحاد السوفياتي. انتهى من خدمته العسكرية، لكن عند عودته لمسقط رأسه، تبيليسي، وجد نفسه وقد صار بلا وطن، فيما تحول أبناء البلد الكبير القديم من السوفيات إلى أعداء. لا يعرف هذا الشاب سوى اللغة الروسية، فهي لغته الأم. كانت هناك حشود تابعة للحركة القومية تجوب الشوارع بحثاً عن «المحتلين الروس»، كانوا يصرخون فيهم «اخرجوا من تبيليسي… جورجيا للجورجيين».
فوجئ الفتى بما يراه، وقرر الرحيل إلى مدينة روستوف الروسية على نهر الدون. وهناك تواجهه أزمة حقيقية، فهو في حاجة إلى استخراج جواز سفر جديد بعد أن اكتشف أنه يحيا على أرض دولة نشأت فجأة، وأن لا أحد يعترف به على الأرض الروسية، بعدما ظهر هناك قانون جديد يحول بينه وبين تحقيق رغبته.
لقد أصبح «روحاً ميتة»، حسب تعبير الناقدة الروسية يوليا يوشتينا، لأن «الأرواح الميتة ربما تكون حية، لكنّها حياة كالموت – إنها حولنا، لكن ببساطة لا أحد يراها، أو هكذا يفضلون. فعندما اختفى الاتحاد السوفياتي من الوجود، ظهرت الكثير من الأرواح الميتة، ألقي بها تحت رحمة القدر. بالأمس كانت جزءاً من دولة واحدة، صارت في اليوم التالي مشردة على اتساع أراضيه، ليس كجزء منه، إنما وحدات مستقلة، غير مرغوب فيها، لذا أصبحت أشبه بالأرواح الميتة».
كتب جوتسكو مقدمة صغيرة للطبعة العربية أشار خلالها إلى «أن الحكم على القيمة الفنية لروايته أمر يرجع للقارئ. لكنه يثق في شيء واحد هو أنه بالتأكيد سيعثر أي شخص من العالم العربي فيها على صدى لأفكاره ومشاعره، سوف يتساءل إلى أي مدى تؤثر البيئة المحيطة، التي ننشأ فيها، في تشكيل هويتنا الشخصية! وسوف يدرك أن قراراتنا ومصائرنا هي من طرح المجتمع الذي نحن فيه. كيف يمكن أن نصون المشاعر التي نسميها (الوطن)، حال اجتياح آلة الدولة الجهنمية العمياء سكينة المهد، حاضن الثقافة، بوحشية؟».
مؤلف الرواية دينيس جوتسكو ذو اللكنة الجورجية، ولد عام 1969 في تيبليسي بجورجيا، ولم يسبق لكاتب شاب أن فاز بـ«جائزة البوكر» الروسية قبل دينيس، لأن الجائزة تعتبر بمثابة تتويج لتاريخ الكاتب الأدبي. ولكن في حالة جوتسكو، فقد فعلت الظروف التي مر بها فعلتها، من خلال معاناته وتجاربه في النفي الإجباري، ليتحول الكاتب الشاب لرجل يافع يحمل سنوات على كتفيه جعلته يتجاوز عمره الحقيقي. أنهى دينيس دراسته الجامعية متخصصاً في علوم «البيئة والكيمياء الجيولوجية التطبيقية»، من «جامعة رستوف» الحكومية، بعدها استقر ومنذ عام 2000 في مدينة رستوف على نهر الدون. نشر في عدة جرائد ومجلات، منها مجلة «زناميا» الشهيرة، والجريدة الأدبية. صار عضواً في «منتدى الأدباء الشبان الروس». خدم جوتسكو في الجيش السوفياتي في منطقة القوقاز، وعمل على مدار 10 سنوات حارس أمن في أحد البنوك، حيث انتهك كل التعليمات أثناء العمل، لأنه كان يمارس الكتابة، ونتيجة لهذه الانتهاكات كتب روايته.