لا أعلم ماذا بقي للعمال من حقوق غير ما يمكن أن نقول الرمق أو اقل الحقوق بالقطارة ، فهناك تغّول امبريالي فج على العمال وحقوقهم وما اكتسبوه بعرقهم وكفاحهم، ساعدهم في ذلك ظروف وموازين دولية خاصة في فترة الحرب الباردة.
أما اليوم فقد أصبحت حتى جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابقة تتسابق لاعتماد نظام السوق وشريعة الغاب، إذا لم تكن هناك ضوابط وموازين، وهي بالطبع لا تتوفر عادة في النظام الرأسمالي .
ومن المفارقات أن الدول التي عادت الاتحاد السوفيتي لأسباب دينية أصبحت اليوم، وان لم تعلن، تترحم على عصر التوازنات الدولية ، ولعل الممالك والمشيخات في الجزيرة العربية أكبر دليل على ما أقول ، فقد كانوا يدفعون بسخاء لمحاربة ما يسمونه بالإلحاد الشيوعي ، واليوم هم يضاعفون الدفع لامريكا وبسخاء أكثر وكرم حاتمي بالخاوة المفروضة عليهم، بدل حماية من شعوبهم وليس غيرها، بعد أن اختفى الخطر المزعوم، بل وزاد الدفع وأصبح أكثر ابتزازاً لدرجة الوقاحة السياسية لأنظمة هي بالأصل من الماضي وتجاوزها الزمن وأصبح وجودها كأنه خارج سياق حركة التاريخ الإنساني .
وقد عبر هنري كيسنجر وزير خارجية أمريكا الأشهر عن ذلك بصراحة حين قال ( أن سر قوة أمريكا لأنها تبحث عن الخونة في الوطن وتقتلهم، وتبحث عن الخونة في الدول الأخرى وتستعملهم حتى تنتهي صلاحيتهم ) .
لقد استخدمت أمريكا عملاءها بذكاء، وحاربت بهم كل الأنظمة التقدمية في الوطن العربي والمنطقة من الزعيم جمال عبد الناصر وصولا لجمهورية إيران الإسلامية .
بالأمس كان الابتزاز لحماية تلك الأنظمة من خطر الشيوعية المزعوم، واليوم لحمايتهم من الخطر الإيراني الذي لا يوجد إلا في عقول أمريكا وأتباعها .
في هذه الظروف يمر علينا كل عام الأول من أيار، يوم العمال وعيدهم الذي أجمعت عليه كل أمم الأرض وشعوبها باستثناء النظام السعودي، ليكون يوما لتكريم هذه الطبقة التي هي كالجندي المجهول يقاتل ويدافع ويحمي ويبني الأوطان وعندما يموت لا يعرفه أحد وكأنه بلا اسم .
فماذا بقي اليوم من الأول من أيار غير أن الجميع يحتفل ويرتاح ويطلق الخطب والشعارات الطبشورية والعمال وحدهم من يعملون في يوم عيدهم ، واذكر ذلك الرسم الكاريكاتيري المعبر عن الآلام العمال الذي نشرته جريدة العربي الناصري أو الأهالي في مصر حيث يقول مع رسومات ساخرة : في عيد العمال الجميع يرتاح إلا العمال، أبناء اللصوص المستغلين لعرق العمال يشربون المشروبات وأبناء العمال يلمون الفارغ منها من أجل رغيف الخبز ، وعن أي عيد عمال نحتفل ونتحدث .
الأول من أيار أصبح يوما بلا مضمون وحتى الأحزاب التي تدعي الدفاع عن حقوق العمال خاصة الأحزاب الشيوعية منها فقد أصبحت ديكورات وأحزاباً غورباتشوفيه أكثر مما هي شيوعية .
أما حقيقة النقابات العمالية الراهنة فيكفي أن نأخذ المثال في وطننا الاردني، ونظرة لواقع العمال كافية لنقول أن الكثير من تلك النقابات جاء بما يشبه التعيين والتأبيد، والا ففي اي بلد بالدنيا يمكن لشخص ما في نقابة أو اتحاد عمالي المكوث أكثر من ثلاثين عاماً؟ ، ولعل غير الاردن ليس أفضل حالا منه .
لذلك لا نراهن إلا على صحوة حقيقية للشارع العربي والأممي الذي أغلبيته من العمال، تعيد لهذا اليوم التاريخي والإنساني معناه ووجه الحقيقيين .
الأول من أيار يعني ثورة عمالية، يعني انتفاضة، يعني أن ننفض غبار السنين ونتحرك لإبراز ممثلين حقيقين للعمال وليس لجلاديهم، كما هو الحال المتمثل بالتحالف الطبقي بين السلطة ورأس المال الذي أفرز كل هذه الآفات على العمال وحقوقهم المشروعة .
وباختصار الأول من أيار ليس يوم احتفالات لمن ليس لهم علاقة بالعمال، ولكنه يوم للتذكير بحقوق من أقاموا وصنعوا تاريخ الأمم والشعوب وحضارتها الإنسانية .
عاش الأول من أيار .. نعم لإفراز نقابات عمالية تمثل العمال ولا تمثل عليهم .
ولا عزاء للصامتين ….