بعدما رفضها عباس.. هل تصبح «صفقة القرن» طريق دحلان لرئاسة السلطة الفلسطينية؟

 

يدرك الفلسطينيون في قطاع غزة حجم نفوذ محمد دحلان، مؤسس «فرق الموت» الذي حول حياتهم إلى رعب، إذ تعاظم نفوذه مع كل منصب من المناصب المهمة التي كان يتولاها؛ سواء في حركة «فتح» أوفي مؤسسات السلطة الفلسطينية، فوزير الأمن الداخلي في الحكومة الفلسطينية الأولى التي شكلها محمود عباس في 2005 ومدير الأمن الوقائي في غزة منذ 1994 حتى 2003، يمضى حتى الآن مصرًا على أن يصل بنفوذه حتى يصبح «الرئيس الفلسطيني» مدعومًا الآن بجهد إماراتي كبير له مآرب عدة.

كما أيقن قادة حركة «فتح» مبكرًا حقيقة إصرار دحلان على أن يكون الأعلى في هرم الرئاسة الفلسطينية، هذا الحلم الذي ولد لديه في عهد الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، الذي أوكل إليه مهمة إنشاء «جهاز الأمن الوقائي»، تلك المؤسسة التي خلقت لتشديد القبضة الأمنية بعد وصول السلطة للأراضي الفلسطينية في عام 1994، وبالتأكيد كان من بين هؤلاء القادة لحركة «فتح» عرفات نفسه، فقد لمس أبو عمار الرغبة القوية لدى دحلان بأن يرثه سياسيًا، حين كان لا يكف عن نقد سياسات عرفات بالقول: «انها غير محكمة لانها منحت حركة حماس مساحة واسعة للانتشار في الداخل الفلسطيني».

كان دحلان ينتقد عرفات ويشيع استبداده بالحكم، وهو ماض في جمع ملايين الدولارات تحت بند المساعدات لجهاز الأمن الوقائي الذي دُعم من عدة أطراف إسرائيلية ودولية، للقضاء على حركات المقاومة الفلسطينية، كما كان الجهاز مضخة للأموال الطائلة التي جناها دحلان من فرض الضرائب على الشاحنات التي تدخل للقطاع، بمباركة إسرائيلية ناجمة عن علاقات دحلان مع أجهزة الاستخبارات، وخاصة جهاز الأمن الداخلي في إسرائيل «الشين بيت».

ولم يصمت دحلان عن نقد عرفات إلا بعد وفاة الأخير، وتوليه وزارة الدولة للشؤون المدنية عام 2005، تحت رئاسة محمود عباس الذي اختير خلفًا لعرفات، فإذا ما حلت انتخابات «المجلس التشريعي الفلسطيني» لعام 2006، وئد حلم دحلان بأن تستمر حركة «فتح» في قيادة السلطة بسبب اكتساح حركة «حماس»، لتلك الانتخابات بـ 76 مقعدًا مقابل 43 لحركة «فتح».

وبرغم «المصاب الجلل» الذي منيت به حركة «فتح» نتيجة سيطرة حركة «حماس» على قطاع غزة عام 2007؛ إلا أن دحلان سرعان ما وضع نصب عينيه معركة جديدة مع خصمه في قيادة حركة «فتح»، محمود عباس، فواصل صعوده في سلم القيادة الفلسطينية، ليتمّ انتخابه عام 2009 عضوًا في اللجنة المركزية لحركة «فتح»، وهي العضوية التي يجب الحصول عليها لكل من يصبو للرئاسة.

في عام 2010، كان دحلان قد تمكن من تعزيز نفوذه بالأجهزة الأمنية والوزارات في الضفة الغربية، ومضى يتدخل في كل شيء، مثل ملف تشكيل الحكومة الجديدة بقيادة سلام فياض، وكذلك اجتهد في تحريض قيادات بعينها في حركة «فتح» على أنها الأحق من عباس في رئاسة السلطة الفلسطينية، وتحديدًا ابن شقيق الرئيس الراحل ياسر عرفات، ناصر القدوة، وكذلك فياض نفسه، لكن عباس الذي أيقن أهداف دحلان الساخر دومًا من الحرس القديم في منظمة التحرير الفلسطينية؛ كان قد تنبه لتمهيد دحلان للانقلاب عليه، فاتخذ خطوات فعلية لتقويضه، أهمها قرار فصله من حركة «فتح»، وإحالة القضايا التي تخصه، سواء كانت جنائية أو مالية إلى القضاء في يونيو (حزيران) 2011، وانتهج عباس سياسة محاربة كل المحسوبين والمؤيدين لدحلان، وعمد أيضًا إلى فصل عدد من القيادات من الحركة بتهمة «التجنح»، وقطع رواتب العشرات من مؤيديه.

 التطلع للحكم يجمع بين دحلان وابن زايد

في عام 1993، وخلال إحدى زيارات الراحل عرفات إلى الإمارات والتي اصطحب فيها مستشاره للأمن القومي محمد دحلان، التقى دحلان لأول مرة بالحاكم الفعلي للإمارات محمد بن زايد، والذي كان حينها طيّارًا مقاتلًا.

في هذا اللقاء ظهرت بوادر توافق كبير بين طموحات الرجلين، فابن زايد يحلم بأن يصبح وريثًا لأخيه غير الشقيق خليفة بن زايد الذي ورث الحكم عن والده الشيخ زايد، ودحلان يحلم بأن يكون الرئيس الفلسطيني، ثم تكررت بعد ذلك اللقاءات بين المتعطشين للسلطة؛ حتى وصفت علاقتهما بالصداقة الوطيدة، وهي الصداقة التي جعلت الإمارات وجهة دحلان بعد طرده من الأردن عام 2011.

في الإمارات احتضن ابن زايد، الصديق الحميم دحلان، الذي أصبح مستشارًا مقربًا له، إذ رأي فيه كنزًا لا يمكن الاستغناء عنه، باعتباره سياسيًا ذا حنكة أمنية واستخباراتية كبيرة، فأصبح دحلان الوسيط المالي في توسيع استثمارات دولة الإمارات التجارية والعسكرية، داخل الدول الأوروبية الواقعة بمنطقة أوروبا الشرقية وغيرها.

وبفضل الدعم السياسي والمالي الذي مُنح من الإمارات لدحلان؛ أضحى أبو فادي (كما يلقبه أنصاره) لاعبًا في حلبة الكبار، يعامل كشيخ من الأسرة الحاكمة، بل يتلقى «معاملة تفوق تلك التي تخصص للوزراء، ففي باريس مثلًا، تفتح له السفارة الإماراتية قاعة الشرف في المطار ويستقبل بسيارات الليموزين»، حسب صحيفة «لوموند» الفرنسية.

المهمة الأهم التي أوكلت لدحلان كانت بعد عام 2011، عام ثورات الربيع العربي، حين وظفت الإمارات دحلان لوأد الثورات ودعم الثورات المضادة في مصر وليبيا وتونس واليمن، حتى أن اسمه بات يذكر في كل أزمة من أزمات المنطقة التي تخلق لتحقيق مصالح الإمارات والسعودية.

واستحقاقًا وأكثر لجهد دحلان مع الفاعلين الرئيسيين مصر والإمارات والسعودية؛ انصبت جهود هذه الجهات نحو العمل على استعادة قطاع غزة المنهك بالحصار والعدوان الإسرائيلي المتكرر على حركة «حماس»، ودعمت أبوظبي دحلان بشكل مطلق ماديًا وسياسيًا ولوجستيًا من أجل تهيئته لقيادة الفلسطينيين عبر استقطاب المنشقين عن حركة «فتح»، وإغداق الأموال على قطاع غزة تحت مسمى المساعدات الإنسانية، كما استغلت الخلاف الداخلي بين حركة «فتح» بقيادة عباس وحركة «حماس».

وكشف النقاب في مارس (آذار) 2018، عن حصول دحلان على موافقة رسمية من الإمارات، على تشكيل حزب سياسي رسمي يمثله داخل الأراضي الفلسطينية وخارجها، يدخل فيه منافسة الانتخابات القادمة، في حال توصلت حركتا «فتح» و«حماس» لاتفاق بشأنها، وبرغم أن دحلان الذي يحاول منذ عام 2014 إخراج حزبه للنور، إلا أن هذا لا يمنع أن يُحسب الآن على حركة «فتح» تياران، أحدهما تيار دحلان والآخر تيار عباس.

وتواصل الإمارات عملها لتقوية نفوذ دحلان في حركة «فتح» للاستحواذ على الحركة ورئاسة السلطة، وكذلك دفعت السعودية ومصر نحو تصديره على الساحة الفلسطينية بديلًا عن عباس، وهو التحرك الذي يشعر عباس دومًا بالخطر، إذ قال في اجتماع اللجنة المركزية الذي عقد في يناير (كانون الثاني) 2018 أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، يحاول الضغط للقبول بدحلان وعودته لقيادة حركة «فتح» مقابل زيادة الدعم السعودي والإماراتي للسلطة، كما تسعى الإمارات والسعودية الآن للضغط على عباس، من أجل  القبول بعودة دحلان، ويدرك عباس احتمالية استبداله في ظل رفضه لما يسمى «صفقة القرن» التي تدعمها السعودية.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى