من اجل مصنع للاسمنت.. جنبلاط يُجرد “مزارع شبعا” من هويتها اللبنانية

مجددا ومرّة اخرى، يعتقد زعيم الحزب التقدّمي الاشتراكي الوليد بن جنبلاط بأنه يفجّر قنبلة من العيار الثقيل بتصريحه أن مزارع شبعا اللبنانية المحتلة من قبل الكيان الإسرائيلي ليست لبنانية.

لا شكّ أن الموقف الجديد يعدّ تحوّلاً نوعياً في مواقفه من المزارع، لكنّه في الوقت عينه يأتي في صلب استراتيجية جنبلاط الماكيفليّة “الغاية تبرّر الوسيلة” والانقلاب نبطله بانقلاب آخر.

قفزة جنبلاط النوعيّة فيما يخص هذا الملف السيادي للبنان يعيدنا إلى قفزاته السابقة التي وصلت إلى البيت الأبيض عندما التقى الرئيس الأمريكي جورج بوش، هو قال حينها، وبعد أن أعلن توبته من المشروع الأمريكي، والعودة “بشكل مؤقت” إلى المقاومة أنه كان يعتقد أن الأسطول السادس سيصبح في يده، لكنّ شيئاً ما لم يحصل.

واصل جنبلاط تقلّباته، بدءً من الهجوم القاسي جدّاً على الرئيس السوري بشار الأسد، والتلفظ بألفاظ نابيه تجاهه، ثم محاولته الاعتذار مجدّداً، لكن السوري لم يترّقب عودته بل عزّز دور القيادات الدرزية مثل الوزير طلال أرسلان والوزير السابق وئام وهاب.

مع انطلاق الأزمة السوريّة، رجّح جنبلاط خيار سقوط النظام، وكلّما كان يشتدّ وطيس الحرب السوري، كان جنبلاط يرفع من سقف هجومه على النظام السوري، علّه يكون أحد الرابحين في “سوريا الجديدة”.

فشل رهان جنبلاط مجدّداً، وخسر دروز سوريا والكثير من دروز لبنان، ليلتزم الصمت الحذر الذي تخرقه بعض التصريحات ضد النظام، ولكن هذه المرّة لغايات اقتصاديّة أكثر من سياسيّة.

في الشقّ اللبناني، لم يكن تصريح جنبلاط عن هذا الأمر ببعيد، بل حاول في سيناريو مزارع شبعا الهجوم على المقاومة من جهة وسوريا من جهة أخرى، فقد قال جنبلاط: إن ضباطاً لبنانيين بعد تحرير الجنوب عبثوا بالخرائط بالاشتراك مع السوريين، فاحتلينا نظرياً مزارع شبعا ووادي العسل، لكي تبقى الذرائع السورية وغير السورية من أجل تحريرها بشتى الوسائل، وهكذا كان.

تأتي تصريحات جنبلاط اليوم في ظل توقيت إقليمي ودولي حساس وسط الحديث عن صفقة القرن، وبعد قرار الرئيس الأمريكي بضم الجولان السوري المحتلّ إلى الكيان الإسرائيل، إلا أنها في الحقيقة هي تصريحات اقتصاديّة أكثر منها سياسيّة، فما الذي يريده جنبلاط من هذه التصريحات؟ في الإجابة على هذا السؤال تجدر الإشارة إلى التالي:

أوّلاً: يأتي موقف جنبلاط بعد فشله منع معمل الإسمنت في عين داره، يملك جنبلاط أحد أكبر معامل الإسمنت في لبنان “سبلين”، وبالتالي فإن معامل عين داره “الأرز” التي يملكها آل فتوش ستكون البديل لمعمل جنبلاط في الكثير من المشاريع اللبنانيّة وكذلك إعادة إعمار سوريا.

جنبلاط وبعد استلامه وزارة الصناعة، سارع وزيرها وائل أبو فاعور لوقف الترخيص الذي منح لشركة فتّوش من قبل الوزير السابق، وزير حزب الله حسين الحاج حسن، وهذا أحد أسباب غضب جنبلاط الذي فجّره في مزارع شبعا.

ثانياً: لكن مجلس شورى الدولة، اتخذ قراراً بوقف تنفيذ قرار وزير الصناعة وائل أبو فاعور، بشأن معمل الإسمنت في عين داره، والعودة إلى القرارات التي اتخذها الوزير الحاج حسن، بتفعيل المعمل وقانونية عمله، لاسيّما أنه يراعي أعلى المعايير الدوليّة المطلوبة، لذلك وإضافةً إلى تفعيل جنبلاط للتحرّكات السياسيّة وتحرّكات الشارع في عين داره، عمد للعب على وتر مزارع شبعا، اعتقاداً منه بأن هذا التصريح سيشكّل ورقة ضغط كبرى على حزب الله، وبالتالي يمكن الحصول منه على بعض المكاسب، مقابل تغيير موقفه من المزارع لاحقاً، والتصريح بأنها لبنانيّة، والاعتذار عن التصاريح السابقة، وهو الأمر الذي لا يلاقي فيه جنبلاط أي حرج.

ثالثاً: لم يكتفِ جنبلاط بتصريح مزارع شبعاً بل عمد إلى تحريك الشارع عبر افتعال حادثة إطلاق النار في عين دارة تمت أثناء محاولة العمال الوصول إلى معمل الإسمنت، حيث اعترض بعض المسلحين من الحزب “التقدمي الاشتراكي” وبعض المشايخ، طريق العاملين، وطلبوا منهم المغادرة تحت تهديد السلاح.

يوضح رجل الأعمال ​بيار فتوش​ أن “جنبلاط يريد حصة من المعمل ونحن وضعنا قانوني 100 بالمئة”.

رابعاً: ولكن لماذا يهاجم جنبلاط سوريا؟ لأنها وضعت فيتو على إسمنت معمل سبيلن الذي يملكه في إعادة إعمار سوريا، وبالتالي فإن معمل الأرز الجديد في عين داره هو البديل.

هنا يسأل النائب السابق اميل لحود، النائب السابق وليد جنبلاط قائلاً: “لو كنت تملك معمل عين داره، أو حصّةً فيه، ولو كنت تستطيع تصريف إنتاجه الى سوريا للمساهمة في إعادة الإعمار، هل كان المعمل سيصبح بيئيّاً (مع العلم أن هذه الذريعة من جنبلاط غير صحيحة كون المعمل يرعي المواصفات الدولية التي لا يراعيها معمل جنبلاط حتّى)، وهل كانت سوريا ستصبح شقيقةً من جديد، وهل كانت مزارع شبعا وتلال كفر شوبا عادت لبنانيّة، على عكس ما تدّعي اليوم؟.

في الحقيقة، اعتاد جنبلاط على محاولات كسر الخطوط الحمراء، لكنّه أخطأ الرهان في كثير من الأحيان، اليوم يخطئ الرهان مجدداً ويبدو أنه سيسقط عن الحبال التي كان يحاول القفز بينها، فهل سنكون أمام استدارة نوعيّة لجنبلاط في حال فشل مشروعه في وقف معمل عين داره، لا نعتقد أن الاستدارة ستكون مقنعة لسوريا بوقف الفيتو عن إسمنت معمل سبلين في إعادة إعمار سوريا، وبالتالي ربّما يكون الخيار هو انسحاب جنبلاط من السياسة بشكل نهائي، وتسليم الأمر لنجله تيمور الذي قد يكون قادراً على المناورة بهامش أكبر في هذا الشقّ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى