سؤال الحراك الجزائري في جمعته العاشرة: هل تطول المرحلة الانتقالية؟

امس نزل الجزائريون للجمعة العاشرة على التوالي إلى الشوارع في مسيرات شعبية تؤكد مواصلة حراكهم السلمي المطالب برحيل بقايا نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وفي مقدمتهم رئيس الدولة المؤقت عبد القادر بن صالح، ووزيره الأول نور الدين بدوي، وعدم الحيدة عن هذا المسعى الذي قد تربكه تطورات أسبوع مليء بالأحداث، خاصة ما تعلق ببدء حملة محاربة كبار المفسدين، وجدل حول موقف الجيش الذي يبدو ضبابيًا عند البعض وواضحًا عند البعض الآخر.

وبعد مرور أكثر من شهرين من انطلاق الحراك الجزائري في 22 فبراير/ شباط الماضي، يتساءل الجميع في البلاد هل مازلنا نعيش مشروع الولاية الخامسة للرئيس السابق في صورة جديدة مثلما قال رئيس الحكومة الأسبق أحمد بن بيتور، أم أن كل خطط نظام الرئيس المستقيل قد سقطت أو على وشك السقوط في الماء؟

الشهر الثالث

دخل حراك الجزائر هذا الأسبوع شهره الثالث، وبذلك تعد مسيرة هذه الجمعة الأولى فيه، والتي لن يختلف عنوان مطالبها عما كان في الجمعة السابقة، وهو رحيل النظام ورموزه، خاصة بقايا نظام بوتفليقة الذي أصبح يقاوم بطريقة جديدة رغم عدم تواني الجزائريين في التأكيد على ضرورة رحيله تحت شعار#ترحلوا_يعني_ترحلوا.

ورغم أنه يأتي على رأس قائمة المطالبين بالرحيل من طرف الشعب، إلا أن رئيس الدولة المؤقت عبد القادر بن صالح يصر على الظهور في أنه على قدر المنصب الذي يشغله دون المبالاة بالرفض الموجه لشخصه، وذلك من خلال حجم القرارات والتعيينات التي اتخذها منذ تعيينه في منصب رئيس الدولة في 9 أبريل/ نيسان الجاري.

ورغم أن مدة وصوله إلى قصر المرادية تختصر في أسبوعين، إلا أن بن صالح أقال رئيس مجمع سونطراك أكبر شركة للمحروقات في البلاد وفي إفريقيا، ومدير إقامة الدولة الذي بقي في منصبه طيلة 25 سنة، وأجرى حركة في سلك الولاة مست عميدهم عبد القادر زوخ والي العاصمة الرجل المقرب من السعيد بوتفليقة شقيق الرئيس السابق، إضافة إلى العديد من المسؤولين في عدة قطاعات حساسة.

لكن رغم هذه القرارات التي حاول بن صالح أن يظهر بها في صورة الرجل القوي الحازم، لم يستطع أن يمحو ما رسمه الجزائريون حوله، خاصة بعد أن لقيت المشاورات التي دعا إليها فشلًا ذريعًا جعلته حتى هو يغيب عن أشغالها.

وهذا الفشل الذريع لبن صالح وحكومته التي يقودها نور الدين بدوي صار دافعًا يشحن الجزائريين بجرعات نضال متواصلة جعلتهم لا يتراجعون عن تحقيق هدفهم في تغيير النظام، وبناء جزائر جديدة أساسها الحرية والعدل والمساواة والعيش الكريم.

غير أن هذا الإصرار أصبح يتطلب بعد مرور شهرين من انطلاق شرارة الحراك تأطيرًا وتنظيمًا من قبل قادة يدافعون عنه، ويتصدون لكل محاولات الاختراق وما أكثرها، لأنه بعد مرور هذه المدة يمكن للتعب أن يتسلل إلى البعض، خاصة وأن عرابي الثورة المضادة لا يضيعون أي وقت أو فرصة لإجهاض حالة التغيير التي يعيشها الجزائريون اليوم، والتي تمكنت من تحرير الجميع وفي مختلف القطاعات.

حملة

تأتي مسيرة الجمعة العاشرة بعد أسبوع حافل بالأحداث التي عرفها قطاع العدالة عبر حملة الأيادي النظيفة التي طالت من يسمون بـ “رؤوس الفساد” في نظام الرئيس السابق.

وبدأت الحملة في مؤسسة الجيش بعد أن أعلنت محكمة الاستئناف للقضاء العسكري إيداع  اللواء السعيد باي القائد السابق للناحية العسكرية الثانية، الحبس المؤقت والقبض على اللواء شنتوف حبيب القائد السابق للناحية العسكرية الأولى بتهم تبديد أسلحة وذخيرة حربية ومخالفة التعليمات العامة العسكرية، وهما من المقربين من محيط الرئيس السابق أو ما صار يعرف في البلاد بـ” القوى غير الدستورية”.

أما في المجال الاقتصادي، فبعد حبس رجل الأعمال علي حداد والذي اعتقل وهو فار على الحدود مع تونس، واصلت العدالة حملتها لباقي الأثرياء الذين صدرت في حقهم سابقًا أوامر بالمنع من السفر، ويتعلق الأمر برجل الأعمال الأثرى في الجزائر إيسعد ربراب الذي تبلغ ثرواته قرابة 4 ملايير دولار، حسب آخر إحصاء لمجلة فوربس، ولحق الرجل بحداد في سجن الحراش بتهم تضخيم فواتير الاستيراد.

وأمر قاضي التحقيق لمحكمة سيدي امحمد بالعاصمة التي أصبحت تحت الأضواء هذه الأيام أيضًا بإيداع الإخوة كونيناف المعروفين بالفوز بصفقات في مجال الطاقة بطرق غير قانونية الحبس المؤقت، وأدخلوا بدورهم إلى سجن الحراش، وهم الذين كانوا إلى وقت قريب رغم عملهم في الخفاء يحسب لهم ألف حساب، فهذه العائلة هي من كانت تعين وتقيل الوزراء والولاة والمسؤولين السامين في المؤسسات العمومية الأساسية في الدولة.

وتوسع عمل القضاء الذي بدأ يأخذ جزءا من حريته بعد حراك 22 فبراير/شباط ليعيد فتح الملفات السابقة، فقد أحيل ملف وزير الطاقة والمناجم الأسبق شكيب خليل بسبب أفعال تتعلق بمخالفة القانون الخاص بالصرف وحركة رؤوس الأموال من وإلى  الخارج و إبرام شركة سوناطراك النفطية لصفقتين بكيفية مخالفة للقانون مع شركتين أجنبيتين.

لكن النيابة العامة لمجلس قضاء الجزائر الذي يقف وراء تحرك هذه الدعاوى أكد الخميس في بيان أنها حريصة على استقلاليتها، ولم تتلق أي إيعاز لفتح ملفات الفساد.

وعقب إيداع رجل الأعمال ايسعد ربراب تحركت الآلة الاعلامية التي يقف وراءها أصحاب المواقف القريبة من النظرة الفرنسية، وشككت في قرارات العدالة، واعتبرت ربراب بريئا، مستندة في ذلك على مسيرات منعزلة نظمت في بعض الولايات للمطالبة بالإفراج عن بارون تجارة السكر والزيت في الجزائر.

وأوضحت النيابة العامة أن مكافحة الفساد تعد من “أولويات  السياسة الجزائية التي تسهر على تنفيذها، ولا تنتظر أي إيعاز من أي جهة كانت كي تقوم بواجبها  المهني في مكافحة الفساد بمختلف أشكاله بهدوء و رزانة و احترافية”.

وشددت النيابة العامة على “عدم الخوض فيما يؤدي إلى تغليط الرأي العام أو التشويش على القضاة و إحباط عزائمهم في إنجاز المهام المسندة لهم وفقا للقانون”.

ولفتت النيابة إلى أنها “تلقت في الفترة الأخيرة العديد من البلاغات المتعلقة بوقائع فساد وقامت بتحويلها كلها إلى مصالح الضبطية القضائية التابعة لأسلاك الأمن الوطني و الدرك الوطني و الديوان المركزي لقمع الفساد للتحري بشأنها”.

ورغم تأييد الجزائريين لعمليات التحقيق التي مست ما يعرفون بـ”رجال الأعمال الفاسدون”، إلا أنهم يتخوفون من ان تكون العملية مجرد ذر للرماد في العيون، لغض الطرف عن ملاحقة عرابي هؤلاء المفسدين وفي مقدمتهم السعيد بوتفليقة شقيق الرئيس السابق وغيره من الشخصيات والمسؤولين الذين كانوا يصنعون طغيان نظام بوتفليقة.

جيش

رغم نفيها تلقي أوامر من أي طرف لمباشرة حملة متابعة المفسدين، إلا أن معظم القراءات التحليلية أشارت إلى قائد أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح الذي أشاد بالتحرك السريع للعدالة لملاحقة من نهبوا أموال الشعب بعد دعوة وجهها للقضاء للتحرك ضد المفسدين، لكن هذه الدعوة جعلت مؤسسة الجيش في فوهة انتقاد الجهات التي تضررت من هذه الحملة، واعتبرت ذلك حملة انتقائية.

وردت وزارة الدفاع على ذلك ببيان جاء فيه “في محاولة تضليلية مفضوحة، قامت بعض عناوين الصحف الوطنية في نسخها الصادرة نهار يوم الأربعاء 24 أفريل 2019، بتقديم قراءات مغلوطة لبيان وزارة الدفاع الوطني المتعلق بكلمة الفريق نائب وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، التي ألقاها يوم الثلاثاء 23 أفريل 2019، أمام إطارات الناحية العسكرية الأولى”.

وقالت وزارة الدفاع إنها “تُكذّب قطعيا هذه الافتراءات التي جاء بها محررو  هذه المقالات الصحفية التضليلية، سيما المتعلقة بالأوامر “المزعومة” لرئيس أركان الجيش بخصوص فتح الملفات المرتبطة بالفساد وتسيير المرحلة الانتقالية.”

وأوضحت وزارة الدفاع أنها سجلت “باستغراب هذه التأويلات غير البريئة وتؤكد مرة أخرى عزيمة وإصرار الجيش على أداء مهامه بما يخوله الدستور، وفي إطار روح الواجب الوطني يندرج التزام وتعهد رئيس أركان الجيش بضمان سلامة وأمن مواطنينا خلال مسيراتهم السلمية، ومرافقة الهبة الشعبية في مسار البناء الديمقراطي، إلى جانب توفير الضمانات الكافية للهيئات القضائية لأداء مهامها بكل حرية دون قيود ولا ضغوطات، خاصة في مجال مكافحة الفساد ونهب المال العام.”

وبينت وزارة الدفاع أنها “تحتفظ بحق اللجوء إلى الطرق القانونية لوضع حد لمثل هذه الحملات التضليلية والتحريضية للرأي العام”.

وتوجد المؤسسة العسكرية في وضع لا تحسد عليه، فإذا كان كثيرون يؤكدون أنها المؤسسة الوحيدة التي لا زالت تحظى باحترام وثقة جميع الجزائريين، فإنه في الوقت ذاته تصبح كل مرة في قفص الاتهام عندما لا يطابق خطاب رئيس الأركان ما تنتظره المعارضة والحراك، متناسين بذلك أنه محكوم بقوانين تحدد مهامه الدستورية وكل حياد عنها يجعله محل انتقاد من قبل من يتربصون به من الداخل والخارج، الأمر الذي دفعه للتأكيد على أن الجيش منفتح على كل المبادرات التي تخرج البلاد من الأزمة، وأنه لا طموح لقيادتها سوى خدمة الشعب.

ومع مرور الأيام، يبقى الجزائريون ينتظرون المخرج الذي ينهي حالة المرحلة الانتقالية التي يعيشونها، والذي يتمنونه أن يكون من صنع أيديهم لا من صنع الرئيس المؤقت بن صالح الذي يبدو أن مقترحه للرئاسيات قد لا يرى النور في ظل المقاطعة الذي عرفتها عملية الترشح للانتخابات، خاصة من المعارضة المطالب منها اليوم بذل مزيد من الجهد لطرح حلول قد تنهي الأزمة في ظل عدم بروز قادة من الحراك يتكلمون باسمه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى