من الملك فيصل إلى ابن سلمان.. هكذا توارث آل سعود كراهية عبد الناصر ومناهضة مشروعه القومي لحساب امريكا واسرائيل

من بين كافة ملوك السعودية الذين حكموها طيلة العقود الماضية؛ شكل الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، نقطة عداء مُشتركة لآل سعود، كان من بينهم من جهر بهذا العداء، وسعى جاهدًا للوقوف مع خصوم ناصر في معاركه الداخلية والخارجية كحال الملك فيصل، الذي بلغ عداؤه لناصر مُباركته جهود إسرائيل في الانتصار على الجيش المصري في نكسة 1967 . وإلى جانبه، برز مؤخرًا ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في الجهر بهذا العداء، بعدما وصفه بالقول: «لقد دمر المنطقة، وكان سببًا في مشاكل ضخمة للسعودية»، وذلك خلال لقائهم بوفد أمريكي في الرياض.

يرسم التقرير التالي جذور هذه الكراهية، وتحديدًا عند شخصين من آل سعود بلغ أوج نفوذهما أقصاه، في فترتين زمنيتين مختلفتين، وهما الملك فيصل، الذي تزامنت فترة حُكمه مع ولاية عبد الناصر، والآخر هو محمد بن سلمان، الذي قدم نفسه مؤخرًا لدوائر صنع القرار الأمريكي بوصفة سياسيًّا، تختلف وسيلة حُكمه عن ناصر، الذي «دمر المنطقة»، على حد وصفه.

الملك فيصل.. العدو اللدود لعبد الناصر

قبل وقوع نكسة 67؛ سعت المملكة للتحريض ضد سياسات ناصر، والعمل على تفريغها من مضامينها، ساعية بكُل أدوات نفوذها لمُجابهته سرًّا أو علانية؛ من أجل هدف وحيد وهو إضعاف قوة الرئيس المصري الراحل ونفوذه، وكسر قيادته للمنطقة العربية.

كان الخلاف الرئيسي يتمحور حول دعم عبد الناصر للعمليات الفدائية في فلسطين، وكذلك دعمه للثورة اليمنية، التي وقعت أحداثها في أوائل الستينيات؛ إذ أيد ناصر الثورة اليمنية على نظام الإمام الزيدي، وأرسل قوات مصرية للقتال في اليمن؛ لترد الرياض على ذلك، بحث إسرائيل على إرسال مزيد من العتاد لمواجهة عبد الناصر.

تكرر هذا الطلب السعودي لإسرائيل في فبراير (شباط)؛ حين حثت الرياض تل آبيب في فبراير 1967 على إنزال عتاد عسكري إضافي لقوات الإمام، إلا أن إسرائيل رفضت ذلك بعد أن أوقفت الجسر الجوي لقوات الإمام بعد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين السعودية ومصر في أغسطس (آب) من عام 1965.

كانت تبعات ذلك ظاهرة في رد فعل الدول العربية المؤيدة لناصر، وليست مصر فقط، كحال سوريا التي طردت في 21 مايو (أيار) اثنين من الدبلوماسيين السعوديين أمام موقف الرياض المناوئ لتوحيد الصف العربي ضد إسرائيل. كان هذا هو الموقف المُناوئ تجاه سياسات ناصر في المرحلة السابقة للنكسة، والذي سعت الرياض لتحسينه تدريجيًّا عبر التظاهر قبل وقوع الهزيمة العسكرية بدعم مصر ودمشق والوقوف خلفهما.

ففي المرحلة اللاحقة للهزيمة العسكرية، واصلت الرياض تظاهرها بدعم مصر، وذلك عبر تعهدها في قمة الخرطوم في أغسطس 1967، التي أجريت من أجل إنقاذ مصر من التبعات الكارثية للهزيمة بتقديم 60% من الدعم السنوي الذي اتفقت عليه الدول العربية لتقديمه لمصر، بما يصل لنحو 265 مليون دولار، وبما يعوض دخل مصر المفقود من قناة السويس، بينما كان هذا الدعم من جانب الرياض مشروطًا بنهاية طموحات ناصر الإقليمية، والتخلي عن دعم أي مشروعات ثورية.

ويظهر موقف المملكة تجاه نكسة 67 من تأييد إسرائيل نكاية في عبد الناصر، من واقع ما جاءت به برقية للسفير البريطاني في الرياض، وما تزال مُتاحة في الأرشيف البريطاني بتاريخ 26 يونيو (حزيران) 1967، واستند إليها كُتاب «في تشريح الهزيمة.. حرب يونيو 1967 بعد 50 عامًا»، والتي أشارت إلى أن الرياض ابتهجت بهزيمة عبد الناصر، إذ قال الملك فيصل لسفير بريطانيا آنذاك: «لو كنت في مكان اليهود لقمت بما فعلوه بالضبط، ناصر متآمر ضليع وزعيم مزيف»، حسبما أشارت الوثيقة البريطانية.

على خطى الأسلاف

تتقاطع خلفية الكراهية لعبد الناصر بين الملك فيصل وولي العهد السعودي الحالي؛ كلاهما ينتميان لمُعسكر الالتزام بثوابت السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، التي كانت سياسات ناصر تخترقها، وتحاول السير عكس مسارها، وكذلك يمتد العداء لفكرة الثورة التي سعى عبد الناصر لتصديرها لتلك الممالك العربية، وتعاملوا معها على أنها خطر قد يعصف باستقرار حُكم تلك الأسر.

لكن نقطة التباين هنا تتمحور حول سياسة ناصر الإقصائية تجاه جماعة الإخوان المُسلمين؛ إذ يشترك ولي العهد السعودي مع ناصر في سياسة الجهر بالعداء للإخوان المسلمين، خصوصًا في ظل تبني الأمير الشاب منهجًا انتقاميًّا تجاه أي منتمِ للفكر الإخواني، وتطبيق سياسات جديدة تعزلهم من مناصبهم، في حين تحولت السعودية في عهد أعمامه، وبالأخص في فترة الخمسينات والستينات، لحاضنة لقادة الإخوان المسلمين الفارين من نظام عبد الناصر، وعينوهم داخل مناصب عليا بالمملكة في قطاعات مهمة مثل: التعليم والقضاء.

إلى جانب الأسباب السابقة كمحددات رئيسية وراء التوتر القائم بين الملك فيصل والرئيس الراحل جمال عبد الناصر؛ فقد شكلت سياسات الثاني في احتضان بلاده لأمراء آل سعود المنشقين عن تقاليد الأسرة الحاكمة، عاملاً مؤثرًا وراء هذا التوتر الذي ما زال قائمًا حتى الآن.

كان أحد أهم هؤلاء الأمراء المنشقين هو الملك سعود بن عبد العزيز، الابن الثاني من أبناء الملك عبد العزيز آل سعود الذكور، والذي جرى عزله من الحُكم، في 2 نوفمبر (تشرين الثاني) 1964، ليخلفهُ الأمير فيصل ملكًا. بعد واقعة إطاحته من منصب حاكم السعودية، متعللًا في ذلك بدواعٍ مرضية. وفي 16 ديسمبر (كانون الأول) 1966، فقد وجه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر دعوة للملك المعزول؛ ليستقبله في منزله بمنشية البكري، فيما استقرَ الملك في فندق شبرد.

بوابة التقرب لواشنطن

في مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وفي لقاء جمع بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مع وفد من الإنجيليين المسيحيين الأمريكيين، زار الرياض، لأول مرة، برئاسة المسيحي الصهيوني، جويل روزينبرج، اختار الأمير الشاب هذه المناسبة الاستثنائية ليرسم وجهًا جديدًا له في شخصيته التي بدت ملامحها واضحة للجميع بعد ما يزيد من ثلاثة أعوام من الظهور في المشهد السياسي وزيرًا للدفاع السعودي؛ وبعدها وليًا للعهد.

حاول ابن سلمان الظهور بصفته قائدًا مُصلحًا يُحارب الإرهاب والتطرف من جانب التنظيمات الدينية، باستعراض رأيه في شخصيتين تاريخيتين، هما: الرئيس المصري جمال عبد الناصر، وقائد الثورة الإيرانية آية الله الخميني؛ إذ وصفهما بالقول: «لقد دمر كلاهما المنطقة، وسبّبا مشاكل ضخمة للسعودية».

كانت تصريحات ولي العهد السعودي -برأي البعض- عن عبد الناصر بوابة له لتقديم نفسه للداخل الإسرائيلي؛ ووسيلة للتقرب من اللوبي اليهودي في واشنطن؛ فها هو الأمير الشاب يظهر ناقمًا على «الزعيم العربي»، ساعيًا لمحو صورته التي ظلت ماثلة أمام الغرب، الذي شكلت تصريحات ناصر وسياسته نحو القومية العربية، وعداء إسرائيل، مصدر إزعاج واضح لهم.

يتضح ذلك فيما نقله كاتب المقال أنشيل بفيفير بجريدة «هآرتس» الإسرائيلية تحت عنوان: «ولي العهد وإسرائيل: هناك أخبار جيدة وهناك أخبار مزعجة»، إذ ذكر أن «الأمير الشاب لديه هدف واحد يريد أن يحققه، وهو أن يكون الشخصية الأقوى في الشرق الأوسط في العقود المقبلة، لكنّ هذا الهدف لم ينته بشكل جيد بالنسبة إلى الزعيم المصري جمال عبد الناصر، والرئيس العراقي صدام حسين».

لا تنفصل هذه الإشارات المُتكررة من جانب ولي العهد، عن سياساته العامة الرامية لكسر طابع الجفاء الذي اتسمت به العلاقة مع إسرائيل، عبر إطلاق تصريحات عدائية تجاه أي رئيس عربي شكلت سياساته نوعًا من المقاومة لإسرائيل مثل جمال عبد الناصر.

وقد انتقل هذا الموقف تباعًا من رأس السلطة في المملكة إلى كُتاب الرأي، والإعلام المحسوب على السعودية، كحال عبد الحميد حكيم، الكاتب السعودي، والمدير العام لـ«مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية والقانونية» في جدة حين –أشار إلى أن عبد الناصر وأيديولوجية العروبة التي انتهجها لعبا دورًا مهمًّا في تأجيج الكراهية ضد إسرائيل.

وتتطابق فكرة الكاتب السعودي مع ما طرحه ولي العهد السعودي، المروج لسياساته الجديدة التصالحية مع إسرائيل، قائلًا: «عبد الناصر وجد ضالته في استثمار الصراع العربي الإسرائيلي وعمل على تكريس العداء لدولة إسرائيل، وغرس ثقافة الكراهية لليهود وإنكار حقهم التاريخي في المنطقة مستخدمًا جميع الوسائل المتاحة له، حتى أصبح هذا العداء جزءًا أصيلًا من ثقافة المواطن العربي».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى