حرب العقوبات الاقتصادية الأمريكية ضد سورية وإيران

بعد هزيمة مخطط الإمبريالية الأمريكية في سورية، وقرار الانسحاب الأمريكي من الجغرافية السورية، أصبحت سورية وإيران محطّ الاهتمام الأوّل والحيويّ الآن، في استراتيجية إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التي باتت تَشُّنُ حَرْباً اقتصادية مصيرية ضد البلدين كليهما، ولا سيما عبر فرض عقوبات أمريكية وبقوانين أممية ضد الشعب السوري، من أجل إجهاض النصر السوري من مضمونه السياسي والعسكري.
إنّها الحرب الأيديولوجية والاقتصادية المصيريّة لزمننا هذا. فمن جهة، هنالك الإمبريالية الأمريكية والكيان الصهيوني اللّذان يعملان على تصفية القضية الفلسطينية، عبر ما يسمى “صفقة القرن”، إذ فيما يخصّ واشنطن، لم يعد هنالك من مسألة فلسطينيّة أو صراع عربي – صهيوني، بل مواجهة عالميّة بين أمريكا والكيان الصهيوني وبين إيران وسورية، وضرورة تحقيق المطلب الأمريكي الصهيوني بإخراج إيران من سورية، ومن الجهة الأخرى، هناك محور المقاومة الذي يناهض مشروع الشرق الأوسط الكبير، ويدافع عن بقاء الدول الوطنية المناهضة للهيمنة الإمبريالية الأمريكية والصهيونية في المنطقة العربية.
تداعيات الإرهاب الاقتصادي على سورية
بعد ثماني سنوات من حرب طاحنة إرهابية كونية شنتها الإمبريالية الأمريكية ومعها الدول الغربية والإقليمية في إقليم الشرق الأوسط والكيان الصهيوني ضد سورية، حيث دعمت هذه الدول الجماعات الإرهابية لإسقاط الدولة الوطنية السورية، والاستيلاء على ثروات البلاد، تدخل  الحرب الشعواء عامها التاسع، وقد أسالت دماء الأبرياء حين تخطت 400 ألف قتيل، وشرّدت الملايين، إذ لا يزال أكثر من ستة ملايين نازح داخل سورية، غالبيتهم بلا مأوى، ونحو ستة ملايين لاجئ خارجها لا تشجع الأمم المتحدة عودتهم راهناً، ودمرت البنى التحتية التي تقدر كلفتها بـ400 مليار دولار، بينما، وبعدما أدّى حسم هذه الحرب لمصلحة الدولة الوطنية السورية وحلفائها، ها هي سورية تواجه التحدي الأبرز، ألا وهو الاقتصاد، بعد أن فرضت الولايات المتحدة  الأمريكية واحدة من أشد أنظمة العقوبات الاقتصادية على سورية، من شأنها أن تواصل تعميق بؤس الشعب السوري. بل قامت بشن حرب اقتصادية على البلاد لنيل الأهداف التي فشلت في تحقيقها عسكريًا.
فالدولة الوطنية السورية التي هزمت المخطط الأمريكي الصهيوني – التركي -الرجعي العربي، تعاني منذ ما يزيد عن شهر تقريباً، من أزمة المحروقات الخانقة (بنزين ومازوت وغاز)، أدّت إلى شلّ حركة النقل في معظم مناطق سورية، لا سيما العاصمة دمشق وحلب، لتصبح كارثية بسبب العقوبات الأمريكية التي تمنع وصول النفط إلى البلاد، إذ باءت جميع محاولات فك هذا الحصار عن الشعب السوري بالفشل.
فبسبب الإرهاب الاقتصادي (العقوبات الاقتصادية، أبرزها العقوبات الأمريكية، التي صدرت آخرها في 25 آذار/ مارس2019) الذي تمارسه الإمبريالية الأمريكية ضد الشعب السوري، بهدف تأليبه ضد حكومته. وطالت العقوبات الأخيرة، الطرق التي كانت تلجأ إليها الحكومة السورية لإيصال النفط متجنبة العقوبات الاقتصادية، كما شملت أرقام جميع السفن التي قدمت إلى سورية بالتفصيل منذ عام 2016، وحتى يومنا هذا.
وفاقم من آثار الحصار الاقتصادي على سوريا، إيقاف الخط الائتماني الإيراني، بتاريخ 15آذار/ مارس عام 2018، الذي كان يزود البلد بجزء كبير من احتياجاته النفطية، حيث وبحسب وزارة النفط السورية أنّه ومنذ ذلك التاريخ لم تصل سورية أية ناقلة نفط خام نتيجة الحظر الأمريكي. فأصبح توريد كل المشتقات النفطية عن طريق النقل البحري والبري عسيراً بسبب ارتفاع التكلفة، ما تسبب بخيبة أمل كبيرة لدى عموم السوريين بحدوث انفراجٍ قريب، بعد انتهاء الحرب الإرهابية الكبيرة على سورية.
وبعدما شكل الوضع الأمني هاجس السوريين لسنوات، باتت الهموم المعيشية والاقتصادية تثقل كاهلهم اليوم. ولم تخرج الحكومة السورية من أزمة أسطوانات الغاز وانقطاعها، التي ولّدت حالة سخط كبيرة بين السوريين، حتى دخلت في أزمة المحروقات، التي أصدرت فيها عدة قرارات، بتحديد كميات التعبئة. واضطر السوريون للانتظار في طوابير للحصول على أسطوانة غاز طيلة الشهرين الماضيين، وهم يتذمرون من البطالة وتقنين الكهرباء، بينما ترزح الشريحة الأكبر منهم تحت خط الفقر، وفق تقارير هيئة الأمم المتحدة.
ومن المعلوم حسب المصادر المقربة من الحكومة أنّ سورية تحتاج إلى ما لا يقل عن 4.5 مليون لتر من البنزين، و6 ملايين لتر من المازوت، و7000 طن من الفيول، و1200 طن من الغاز، أي أنّ الحكومة السورية تحتاج إلى فاتورة مالية يومية تقدر بنحو 8 ملايين دولار، أي ما يعادل 240مليون دولار شهرياً. وكانت وزارة النفط والثروة المعدنية السورية، أصدرت تعميماً، ينص على تخفيض الكمية اليومية المسموح بها للسيارات الخاصة، من 40 لتراً إلى 20 يومياً. ثم عادت وخفضت في تعميم آخر الكمية إلى 20 ليتراً، كل يومين، على أن لا تتغير الكمية المسموح باستهلاكها شهرياً عن 200 ليتر، وهي الكمية المدعومة من الحكومة السورية.
النفط السوري تحت سيطرة “قسد” وأمريكا
بعد ثماني سنوات من الحرب الضروس، تسيطر الدولة الوطنية السورية على نحو 65%من مساحة البلاد، بينما يوجد أكثر من ثلاثين% من مساحة الجمهورية العربية السورية محتلة من قبل حكومات أجنبية (أمريكية وتركية) قامت بتشكيل وتمويل وتسليح ميليشيات محلية. وأبرز المناطق التي لا تزال خارجة عن سيطرة الدولة، محافظة إدلب (شمال غرب) التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة الإرهابية) وتوجد فيها فصائل أخرى صغيرة. وتحتفظ تركيا بنقاط مراقبة في إدلب وتسيّر دوريات، كما تنشر قواتها في مدن حدودية عدة شمالاً كـ جرابلس وعفرين.
وهناك مناطق الإدارة الذاتية الكردية المدعومة أمريكياً في شمال وشمال شرق سورية (حوالي 25% من مساحة سورية)، والغنية بالنفط والمياه والحقول الزراعية. فالأكراد المنضوون تحت لواء “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) يحظون بدعم دولي من الإمبريالية الأمريكية التي تتمركز قواتها في شرق وشمال سورية بنحو 2000 عسكري، على الرغم من إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 18 ديسمبر 2018 قراره سحب تلك القوات المحتلة.
ويَحُولُ الاحتلال الأمريكي دون اندفاعة تركيا ضد المقاتلين الأكراد الذين تَعُدَّهُمْ “إرهابيين” وتخشى تواصلهم مع المتمردين الأكراد على أرضها. كما يحول دون إقدام الدولة الوطنية السورية على أي خطوات عملية ضدهم. وفيما تحتاج الدولة السورية الماء والقمح والنفط والغاز من المحافظات الشرقية، يعمل الاحتلال الأمريكي الذي يدعم الميليشيات الكردية على حرمانها من هذه الموارد، ودفع اقتصادها إلى الانهيار. وكان الرئيس بشار الأسد قال خلال استقباله مسؤولاً صينياً الأحد الماضي: إن “الحرب على سورية بدأت تأخذ شكلاً جديداً أساسه الحصار، والحرب الاقتصادية”.
وتسيطر قوات سورية الديمقراطية “قسد” المدعومة من الاحتلال الأمريكي على ما نسبته 80% من حقول النفط في سورية، فيما تسيطر الدولة الوطنية على أقل من 20% فقط من المناطق النفطية، ما وضعها بأزمة وقود متزايدة. وتنتج حقول النفط التي تقع تحت نفوذ قوات “قسد”، ما يقرب من 600 ألف برميل يومياً. وكانت قوات “قسد” ورثت هذا النفوذ القوي في النفط، من تنظيم “داعش” الإرهابي الذي كان يسيطر على غالبية حقول النفط في شرق سورية، والتي أصبحت اليوم تحت سيطرة القوات الكردية هذه. فكل الثروة النفطية إضافة لحقول الغاز خاضعة لسيطرة الاحتلال الأمريكي وأدواته من القوات الكردية “قسد”.
ويعتقد الخبراء إضافة أن الإنتاج النفطي في مناطق سيطرة الدولة الوطنية السورية لا يُغَّطِي احتياجاتها، حيث إنَّ إنتاج النفط الخام يَبْلُغُ حالياً 24 ألف برميل، تحتاج الحكومة السورية إلى 136 ألف برميل، ما يجعلها بحاجة إلى إمدادات من الخارج، الأمر الذي يثير مخاوف من زيادة خنق سورية اقتصادياً، وجعل البلاد مرهونة بملف جديد هو النفط.
لا شك أنّ موضوع النفط الشائك، دفع الحكومة السورية إلى إجراء مفاوضات بينها وبين القوات الكردية متمثلة بـ “قسد”، التي خلُصت إلى اتفاق لمقايضة النفط المستخرج من حقل العمر النفطي الأكبر في سورية، مقابل المازوت المكرر، إضافة إلى حصول “قسد” على الكهرباء والخدمات في مناطق سيطرتها، إلى جانب حاجتها النفطية.
وحسب المصادر الإعلامية القريبة من “قسد” ينص اتفاق المقايضة، على نقل النفط من حقلي العمر والتنك الخاضعين لسيطرة وحدات حماية الشعب الكردية، إلى حقل التيم الخاضع لسيطرة الحكومة السورية جنوب دير الزور، ومنه إلى مصفاة حمص وسط سورية. أما خط نقل الغاز، فسيكون من حقول العمر والتنك والجفرة، إلى معمل “كونيكو” في دير الزور الخاضع لسيطرة الوحدات الكردية، ومنه إلى حقل التيم، وبعدها إلى محطة “جندر” الحرارية في حمص. وستحصل الدولة السورية على نسبة 65% من إيرادات النفط، بينما تحصل “قسد” على نسبة 35% فقط، إلى جانب إعادة تفعيل الدوائر الرسمية في الحسكة والرقة كمرحلة أولى، ودير الزور والضفة الشرقية للفرات لاحقاً.
الموقف الروسي من أزمة النفط
من الناحية العملية، النفط السوري خارج يد سيطرة الدولة الوطنية المركزية منذ عام 2013، وسورية تحولت إلى حلبة تنافس بين قوى خارجية ورهينة حصار اقتصادي. والرغم أنّ روسيا دخلت الحرب دعماً للدولة الوطنية السورية منذ 30 أيلول/سبتمبر2015، فإنّ أزمة النفط ظلت قائمة في سورية.
ومع تفاعل أزمة النفط التي عصفت بالعاصمة السورية دمشق في الفترة الأخيرة، اكتفت موسكو بتقديم مقترحات، تتعلق بحل أزمة الوقود، خلال زيارة نائب رئيس الوزراء الروسي يوري بوريسوف إلى دمشق قبل بضعة أيام، ولقائه برئيس الدولة الوطنية السورية بشار الأسد، الذي أجرى مباحثات معه، تطرقت إلى أزمة الوقود في سورية، فيما قال بوريسوف للصحفيين بعد اجتماع مع الرئيس السوري بشار الأسد: “منابع النفط الرئيسية الآن بعيدة عن متناول الحكومة السورية، بالإشارة إلى سيطرة قوات سوريا الديمقراطية “قسد” على منابع النفط شرقي الفرات، مضيفاً أنه تم النقاش المعمّق لهذه المسألة، كاشفاً عن مقترحات محددة في هذا الشأن وعلى الجانب السوري التوصل إلى قرار”.
وحسب بعض المصادر الإعلامية في دمشق، فإنّ المقترحات الروسية تطرقت إلى إيجاد حالة من التفاهم بين الحكومة السورية والإدارة الذاتية في شمال شرقي سورية، موضحة أن روسيا عرضت على الحكومة السورية في فبراير 2019 إعادة التفاوض مع الأكراد للتوصل إلى تفاهم حول آلية حكم المناطق الكردية. وأشارت هذه المصادر إلى أن المقترح الروسي للحكومة السورية يقوم على عودة التفاوض مع الجانب الكردي، مقابل منح الدولة الوطنية أولوية في حصص النفط، على الرغم من وصول النفط إلى مناطق سيطرة الحكومة السورية عبر وسطاء من قبل الحكومة السورية مع الجانب الكردي، إلا أنه بنسب قليلة مقارنة باحتياجات العاصمة دمشق.
وكانت جولات التفاوض بين الحكومة السورية والأكراد توقفت في أغسطس 2018 بعد أن رفضت الدولة الوطنية السورية إضفاء الشرعية على الإدارة الذاتية شمال شرق سورية، مؤكدةً أن وجود هذه الإدارة الذاتية سيكون تحت مظلة قانون الإدارة المحلية في سورية، الأمر الذي أدّى إلى توقف المفاوضات بين الطرفين.
ويرى الخبراء والمحللون الغربيون في المنطقة، أنّ روسيا حليفة سورية ليست عاجزة عن دعمها بالنفط، ولكن روسيا حسب اعتقادهم تريد الحدّ من النفوذ والتمدد الإيراني في سورية، وللضغط من أجل تنفيذ كامل الإجراءات المطلوبة للتقدم في الحل السياسي. ومن ناحية اقتصادية، فإنّ الدعم الذي تقدمه الدولة الوطنية السورية لبعض المواد يُصَعِّبُ على الشركات متعددة الجنسيات الدخول إلى السوق المحلية، والأرباح المتوقعة تكون ضعيفة جدّاً. إضافة إلى أنّ الحكومة السورية تعاني عدم توفر السيولة النقدية بالعملة الصعبة في المصرف المركزي السوري، ما يعني عدم مقدرتها على تسديد أثمان النفط المستورد بشكل عام.
ويبدو إنّ روسيا بمقدورها حلّ الأزمة الاقتصادية التي تمر بها سورية، عبر تفعيل خطوط الإمداد القادمة من لبنان، والتي تُعَدُّ أقل كلفة ماديًا من طرق أخرى. وبالفعل فقد حُلَّتْ أزمة المحروقات أخيراً، عبر نقل شاحنات النفط التي تعمل بين سورية ولبنان، وهذا الأخير لم يُمَانِعْ في تزويد دمشق بالوقود، ما دام يحصل على حصته من أجور النقل التي تُعَدُّ منخفضةً اقتصادياً، مع تكاليف نقلها من مواقع أخرى. وترى روسيا أنّ موقفها لم يكن سلبياً من الأزمة التي تمر بها الدولة الوطنية السورية، لكن العديد من الظروف والمعيقات بشأن حقول النفط التي خسرتها دمشق شرق البلاد وتتحكم بها الولايات المتحدة، هي ما يتسبب بتفاقم الأزمة.
سورية والموقف من الحصار الاقتصادي
في كلمة له خلال افتتاح أعمال ملتقى التبادل الاقتصادي العربي الذي عقد يوم الأربعاء 24 نيسان/أبريل 2019 بمشاركة عربية وأجنبية في فندق الداما روز بدمشق، أكد نائب وزير الخارجية والمغتربين الدكتور فيصل المقداد أنَّ الحرب على سورية لم تنته بعد وتتمثل اليوم بفرض الإجراءات الاقتصادية القسرية أُحَادِيَةِ الجانب المخالفة للقانون الدولي ومبادئ الشرعية الدولية مشيراً إلى أنَّ الدول المعادية تستخدم في معركة الحصار ضد سورية أساليب لا إنسانية.
وتساءل المقداد “كيف يصطف آلاف السوريين على محطات الوقود نتيجة الإجراءات الاقتصادية القسرية أحادية الجانب من قبل الغرب والإملاءات الأمريكية بينما تعطي المنطقة العربية النفط لكل العالم وتسبح على بحار لا تنضب منه “و” كيف يسمح البعض بموت أطفال سورية نتيجة الصقيع والأنواء الجوية بينما يصل النفط العربي إلى أرجاء المعمورة كلها”.
ودعا المقداد إلى “مواجهة التحديات والحروب الاقتصادية التي تشن على الأمة العربية وتنفيذ الاتفاقيات والمعاهدات العربية المشتركة” وتحفيز القوة الكامنة لدى الشعب العربي وأخذ زمام المبادرة “لمنع تحويل الوطن العربي إلى كانتونات معزولة عن بعضها البعض” مجدداً موقف سورية الثابت بضرورة زيادة الاستثمارات العربية البينية وإعطاء الأولوية للتعاون في المشاريع العربية المشتركة الرسمية والخاصة.
وأوضح المقداد أن “الولايات المتحدة وحلفاءها والكيان الصهيوني سعوا إلى إضعاف العرب واستغلالهم بشرياً واقتصادياً وواشنطن حاولت وتحاول شيطنتهم وقتلهم لتحافظ على هيمنتها وهيمنة كيان الاحتلال الإسرائيلي على المنطقة ومن لا يرى ذلك فهو أعمى بصراً وبصيرة” مشيراً إلى أن مواقف الإدارة الأمريكية فيما يخص القدس المحتلة والجولان العربي السوري المحتل والحرس الثوري الإيراني تشكل “جريمة”.
وَبَيَّنَ المقداد أنَّ عملية إعادة الإعمار بدأت في سورية منذ الأيام الأولى لتحرير المناطق من الإرهاب الذي استهدف بِشَكْلٍ مُمَنْهَجٍ تدمير البنى التحتية لافتاً إلى أنّ سورية قادرة على إعادة البناء والإعمار بفضل تضافر جهود أبنائها وأشقائها وأصدقائها الأوفياء. وفيما يتعلق بالمهجرين واللاجئين أوضح المقداد أن سورية تبذل جهوداً كبيرة لإعادتهم إلى وطنهم لأن هذه العودة هي السبيل الوحيد لإنهاء معاناتهم على الرغم من وجود دول معروفة تعرقل عودتهم إلى منازلهم وبلداتهم بهدف استغلالهم ورقة سياسية بلبوس إنساني.
أمريكا واستخدام سلاح النفط ضد إيران
بعدما انسحبت الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق بشأن الملف النووي الايراني، أعادت واشنطن في تشرين الثاني/ نوفمبر 2018 فرض عقوبات اقتصادية قاسية على الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وأرفقت إعادة فرض هذه العقوبات بتهديد الدول التي ستواصل التعامل تجارياً مع إيران بفرض عقوبات عليها.
ويُعَدُّ منع شراء النفط الإيراني أهم بنود العقوبات الأمريكية التي أرادتها واشنطن أن تكون “الأقسى في التاريخ”. وتُقَدِرُ الإدارة الأمريكية العائدات النفطية الإيرانية بنحو 40% من إجمالي عائدات الدولة. وكانت الولايات المتحدة وافقت على منح الدول السبعة استثناءات لمدة ستة أشهر، باعتبار أنَّ السوق النفطية يمكن أن تتأثر في حال تقرر بشكل فوري وقف شراء النفط الإيراني. وأعلن البيت الأبيض في بيان الاثنين الماضي أنّ “الولايات المتحدة والعربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وهي من أكبر الدول المنتجة للنفط في العالم، بالتعاون مع أصدقائنا وحلفائنا، ستلتزم العمل بما يتيح بقاء الأسواق النفطية العالمية مزودة بما يكفي من كميات” من النفط.
لقد صعدت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من حرب العقوبات الاقتصادية ضد إيران، عبر اتخاذها القرار بإنهاء الإعفاءات الممنوحة لعدد من الدول من العقوبات المفروضة على صادرات النفط الإيراني بعد يوم 2 مايو/أيار 2019. لَكِنَّ خطوة ترامب بتضييق الخناق على صادرات النفط الإيرانية كانت مفيدة للشركات الأمريكية، حيث ارتفعت مشتريات النفط من السوق الأمريكية بنسبة 350 في المائة بين عامي 2017 و2018.
ويأتي هذا القرار الأمريكي بعد أسبوعين من وضع الحرس الثوري الإيراني على اللائحة السوداء الأمريكية “للمنظمات الإرهابية الأجنبية”. ولا بُدَّ من التأكيد على أنّ قرار ادارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جاء بالكامل لحماية الكيان الصهيوني، لا سيما أنّ تصفير الصادرات النفطية الإيرانية، هو حلم نتنياهو الأثير، الذي باتت إيران تؤرقه وتؤرق كيانه، فلم يجد سوى سلاح الحظر وسيلة بعد أن فقدت ترسانته المتخمة بأحدث وأفتك الأسلحة، تأثيرها في مواجهة إيران، فتم تجنيد الإدارة الأمريكية المتصهينة، إلى جانب أذنابها في المنطقة كالسعودية والامارات، لتحقيق هذا الحلم.
ومن الواضح إنّ قرار ترامب هو مصلحة صهيونية بامتياز، إذ لا أثر للمصلحة الأمريكية فيه، فالقرار يستهدف حتى حلفاء أمريكا المقربين، مثل اليابان وكوريا الجنوبية وتركيا ودول أوروبية، وهي دول تعتمد وبشكل كبير على النفط الايراني، الامر الذي سينعكس سلبًا على العلاقة بين هذه الدول وأمريكا.
في هذا السياق، قال وزير النفط الإيراني بيجن زنغنه خلال جلسة برلمانية يوم الثلاثاء الماضي إنّ “أمريكا ارتكبت خطأ سيئاً بتسييس النفط واستخدامه كسلاح في ظل الحالة الهشة للسوق”، مضيفاً أنه لا يمكن التنبؤ بسوق النفط وإن إعلان الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين أنهم يستهدفون الإبقاء على أسعار النفط مستقرة هو مؤشر على بواعث قلق لديهم، مشيراً إلى أنه “لا يمكن التيقن من إنتاج نفط يكفي لتلبية الطلب.. لأن بعض دول المنطقة تعلن عن طاقات إنتاج أعلى من مستوياتها الحقيقية”. وأضاف زنغنه وفقاً لوكالة الأنباء الإيرانية (إرنا) أن الولايات المتحدة لن تحقق حلمها بخفض صادرات النفط الإيراني إلى الصفر، مضيفاً “إنّنا سنعمل بكل ما أوتينا من قوة من أجل كسر العقوبات الأمريكية”.
وعلى صعيد ردود الأفعال الدولية، أعلنت دول مثل الصين وتركيا رسمياً رفضها للقرار الأمريكي. فقد قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية غينغ شوانغ في مؤتمر صحافي وفق وكالة “فرانس برس” إنَّ “الصين تعارض بشدة فرض الولايات المتحدة عقوبات أحادية، وما تصفه بسلطتها البعيدة الأثر”، مضيفاً أن “خطوة الولايات المتحدة “ستفاقم الاضطرابات في الشرق الأوسط وفي السوق الدولية للطاقة”، مؤكداً أنَّ الصين ستواصل “العمل من أجل حماية حقوق الشركات الصينية القانونية والمشروعة”. أما المتحدث باسم الحكومة اليابانية يوشيهيدي سوغا فصرح للصحافيين أنَّ طوكيو تأمل في “تبادل الآراء المتعلقة بالشركات اليابانية، ومناقشة الخطوات الضرورية لتجنب التأثير السلبي على إمدادات الطاقة لليابان”.
وقال وزير الطاقة الهندي دهار ميندرا برادهان إنَّ نيودلهي ستتسلم “إمدادات إضافية من دول أخرى كبرى منتجة للنفط” مضيفاً أنَّ مصافي النفط “مستعدة تماماً لتلبية الطلب المحلي على البنزين والديزل وغيرها من منتجات النفط”. فالهند تستورد 10% من حاجاتها النفطية من إيران، مع العلم بأنها حليف استراتيجي للولايات المتحدة وثالث مستورد للنفط في العالم.
وقال مسؤولان في حكومة كوريا الجنوبية يوم الثلاثاء الماضي لوكالة “رويترز” إنَّ وفداً من البلاد سيتوجه إلى واشنطن هذا الأسبوع على أقرب تقدير لإجراء محادثات مع مسؤولين أمريكيين حول القرار الأمريكي بعدم تمديد الإعفاءات الممنوحة للعقوبات المفروضة على استيراد النفط الإيراني. ووفقاً للمتحدث باسم شركة هانوها توتال، إحدى أكبر شركات البتروكيميائيات في كوريا الجنوبية، فإنّ “المكثفات الايرانية أدنى سعراً من غيرها كما أنّها أفضل نوعية”، مضيفاً لوكالة “فرانس برس”، أنه “علينا الآن البحث عن ثاني أفضل منتج”. ويقول خبراء كوريون جنوبيون إنَّ إلغاء الإعفاءات الأمريكية كان متوقعاً، وإنَّ الشركات وضعت خططاً احتياطية تتضمن تنويع خيارات الاستيراد من دول من بينها قطر واستراليا. وتعتمد مصافي النفط في كوريا الجنوبية – التي تفتقر إلى موارد الطاقة-على النفط الإيراني بشكل كبير، لاسيما المكثفات النفطية المستخدمة في إنتاج المواد البتروكيميائية. واستوردت سيول 2.4مليون طن من المكثفات النفطية من إيران في الربع الأول من العام، بحسب جمعية صناعة البتروكيميائيات الكورية، أي أكثر من 30% من إجمالي مشترياتها.
هل تلجأ إيران إلى قطع مضيق هرمز؟
في نطاق مواجهة الحرب الأمريكية الاقتصادية عليها، هدّدت إيران، مساء الإثنين 22 نيسان/أبريل 2019، بمنع مرور شحنات النفط عبر مضيق هرمز، وهو ممر ملاحي استراتيجي لنقل النفط في الخليج، إذا حاولت الولايات المتحدة خنق اقتصاد إيران من خلال وقف صادراتها النفطية.
وجاء التهديد المباشر على لسان قائد البحرية التابعة للحرس الثوري علي رضا تنكسيري، الذي قال: “وفقاً للقانون الدولي، فإنّ مضيق هرمز ممر بحري، وإِذَا مُنِعْنَا من استخدامه فسوف نُغْلِقُهُ”. وأضاف: “في حالة أي تهديد فلن يكون هناك أدنى شك في أننا سنحمي المياه الإيرانية وسندافع عنها”.
ويُعَدّ مضيق هرمز شرياناً استراتيجياً بوصفه ممرّاً مائياً يفصل بين إيران وعمان، ويربط الخليج العربي بخليج عُمان وبحر العرب. ويبلغ عرضه 21 ميلاً عند أضيق نقطة له. وتقدر إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أنه يتم نقل 18.5 مليون برميل يومياً من النفط عن طريق هرمز، بما يمثل 30% من جميع النفط الخام المتداول بالبحر سنوياً. ويربط مضيق هرمز منتجي الخام في الشرق الأوسط بالأسواق الرئيسية في آسيا والمحيط الهادئ وأوروبا وأمريكا الشمالية، إذ يمرُّ ثلث النفط المنقول بحراً في العالم من خلاله يومياً، ويقبع هذا المضيق في قلب التوترات الإقليمية منذ عقود، وهذه ليست المرة الأولى التي تصدر فيها طهران مثل هذه التهديدات.
وفي 3 يوليو/ تموز 2018، لمّح الرئيس حسن روحاني إلى أنّ إيران قد تعطل تدفق النفط عبر المضيق استجابة لنداءات الولايات المتحدة بتخفيض صادرات النفط الإيرانية إلى الصفر. وفي 8 يوليو/ تموز 2018، قال قائد الحرس الثوري الإيراني محمد علي جعفري: “إما أن يستخدم الجميع مضيق هرمز أو لا أحد سيستخدمه”، تأييداً لموقف الرئيس الإيراني حسن روحاني الذي هدّد بإغلاق المضيق. وجاء هذا الموقف ردّاً على ضغوط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لوقف الصادرات النفطية الإيرانية ومعاقبة الدول التي تتعامل مع طهران. والحال هذه، فإنّ طهران لن تقف مكتوفة الأيدي تجاه المحاولات الأمريكية للنيل منها ومن سيادتها عبر سلوكيات وقرارات إدارة ترامب التي تحاول تركيع الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى