القمص سرجيوس ضد التطبيع

 

منذ الشهور الأولى بعد ثورة يناير، تشهد مصر ظاهرة سلبية وهى حالات من التطبيع الدينى المسيحى تتم عبر تنظيم رحلات للحج الى القدس المحتلة كل عام فى عيد القيامة المجيد.

وفى السطور القادمة سنحاول ان نستلهم تراث القمص سرجيوس المناضل الجسور ضد الاحتلال الانجليزى، لعلنا نتمكن من إثناء اخوتنا الكرام ممن ينتوون زيارة القدس بالامتناع والمقاطعة والنأى عن اى شكل من اشكال التطبيع مع العدو الصهيونى.

***

لو كان القمص سرجيوس حيا لما وافق على ما يجرى الآن من رحلات حج وسياحة من “بعض” الاخوة الاقباط فى مصر الى القدس المحتلة بموافقة ومباركة الكنيسة المصرية، بل كان سيحذو حذو البابا شنودة الذى اصدر قرارا بحظر سفر أقباط مصر الى فلسطين المحتلة الا بعد تحررها، بحيث يدخلوها كتفا الى كتف مع اخوتهم المسلمين.

بل انه كان سيعتبر الصهاينة كفارا، كما اعتبر الانجليز كذلك لاغتصابهم بلاد الآخرين فى خطبته الشهيرة التى كاد أن يدفع حياته ثمنا لها على أيدى جندى انجليزى.

***

انه القمص مرقس سرجيوس الذى قال عنه الدكتور حسين مؤنس فى كتابه “دراسات فى ثورة 1919” ما يلى :

((كان طوال حياته ثائرا على الاحتلال البريطاني .. كان زوبعة ثائرة على كل شيء..

وسط الثائرين المصريين كان مرقس سرجيوس أشبه الناس بعبد الله النديم، ذلك الثائر البطل الذي تتلخص حياته في كلمات: حب مصر .. الثورة على الاحتلال .. الجهاد حتى الموت .. لا هدنة مع الشر والفساد.

عاش عبد الله النديم نصف حياته العملية في المنفى: لم يهادن المحتل قط، ولا تخلى عن إخلاصه لأحمد عرابى بعد أن تخلى عنه كل الناس. ونفي إلى الشام مرتين، وأخيرا مات منفيا بعيدا عن بلاده في الآستانة

كان مصريا أصيلا وثائرا بطلا .. وكذلك كان مرقس سرجيوس ..

كان يحمل بين جنبيه قلب أسد ونفس صافية وقد وهبه الله لسان فصيحا يهز أوتار القلوب، كما كان عبد الله النديم.

عندما قامت الثورة ألقى بنفسه في غمارها .. ومضى إلى الأزهر، ومضى الى المنبر وجعل يخطب ..

ودهش الناس عندما رأوا قسا قبطيا على منبر الأزهر يبدأ خطابه قائلا: بسم الله الرحمن الرحيم! ويقول إن الوطن لله، وإن عبادة الوطن هي وعبادة الله سواء، وإنه في سبيل مصر ينسى أنه قبطی، لأن مصر: لا تعرف قبطيا ولا مسلما، وإنما هي تعرف أن الكل أبناؤها، وتطلب منهم جميعا أن يقفوا دونها صفا واحدا، ليحموا من العدو الإنجليزي المحتل أرضها ..

وفي خطبة من خطبه أمام فندق الكونتننتال قال إن الإنجليز ليسوا مسيحيين ولا يعرفون الله، وإنما هم كفار .. لأن الذي يغتصب بلاد الناس ويقتل الشباب الهاتف لوطنه كافر، وظل يردد: كافر .. حتى سارع نحوه جندي إنجليزي مصوب مسدسه إلى صدره. وصاح الناس: سيقتلك يا أبانا .. اسكت يا أبانا .. ولكن القس مضى في خطابه يقول: متى كنا نخاف من الرصاص والموت؟ دعوه يقتلني لتطهر أرض مصر بدمی وتحل عليها بركة الرب ..

وفي صحبة الشيخ محمود أبو العيون – من كبار علماء الأزهر إذ ذاك – عاد إلى الأزهر الشريف واعتلى منبره، وخطب معلنا أنه مصری أولا وثانيا وثالثا، وأن الوطن لا يعرف مسلما أو قبطيا، بل يعرف مجاهدین فقط، دون تمييز بين عمامة بيضاء وعمامة سوداء ..

كان يخرج من كنيسته في الفجالة مع الصباح متجهة إلى الأزهر ـ وكان ملتقى الثوار ـ وهناك يلتقي بالشيوخ..

في ذات مرة ظل يخطب هو و على الغاياتى أربع ساعات متوالية على منبر جامع ابن طولون ..

وعلى إثر ذلك قبض عليه الإنجليز ونفوه إلى رفح، مع الشيخ الغاياتى ومحمود فهمي النقراشي ونفر آخر من رجال الثورة. وهناك ـ على ساحل قطعة عزيزة من أرض مصر ـ سار الشيخ والقس يتحدثان عن مصر ويرتلان أناشيد حبهما لمصر ..

و بعد أن عاد من الاعتقال أخذ يكتب المقالات الوطنية في صحيفة “المنارة المرقسية” .. ولم يكتف بما كان يكتب من مقالات ثائرة يوقعها باسمه، بل كتب مقالات أخرى وقعها باسم «يونس المهموز»..

مات سنة 1964 ..

حقا إن أمة فيها أمثال عبد الله النديم ومرقس سرجيوس لا يمكن أن تموت ..))

***

هذا ما قيل عن القمص سرجيوس فى مرجع واحد فقط من مئات المراجع، انه أحد أيقونات مصر الوطنية، التى لا يمكن الحديث او الاحتفاء بثورة 1919 الا بذكر سيرته والتفاخر بمواقفه والاعتزاز وبشجاعته. مثله فى ذلك مثل عديد من القيادات والرموز المسيحية الراحلة والمعاصرة التى كانت دائما فى مقدمة الصفوف فى كل معارك الحرية والاستقلال التى خاضها المصريين: سواء فى مواجهة الاحتلال البريطانى أو فى مواجهة الاحتلال الصهيونى لسيناء خلال حرب الاستنزاف وحرب 1973 وما بعدهما. هم دائما كذلك فى مصر وفى كل ارجاء الوطن العربى، وها هو خليفته فى فلسطين الاب “منويل مُسَّلَم” الذى يتداول الشباب العربى من المحيط الى الخليج نداءاته وفيديوهاته التى يحرض فيها الفلسطينيين والعرب ضد الاحتلال، ويهاجم التطبيع العربى مع (اسرائيل) ويحث المسيحيين العرب على عدم الحج الى القدس فى ظل الاحتلال لانها حسب قوله تخفف الخناق على اسرائيل وتحل العقدة عن رقبتها وتمنحها نفسا جديدا.

***

ولذا فاننا فى مصر كمسلمين ومسيحيين ضد التطبيع، ونحن فى رحاب الذكرى المئوية لثورة 1919، وعلى مشارف عيد القيامة المجيد، نوجه نداءنا الى كل من ينتوى الحج الى القدس المحتلة هذا العام، لنرجوهم أن يستلهموا النضال الوطنى للقمص سرجيوس والتاريخ الوطنى العريق للكنيسة المرقسية، والموقف الوطنى للبابا شنودة وان يمتنعوا عن السفر الى القدس المحتلة، حتى لا يشاركوا بدون وعى منهم فى اى نوع من انواع التطبيع الدينى مع العدو الصهيونى، الذى لم يتوقف لحظة عن التحرش والعدوان على المسجد الاقصى وكنيسة القيامة ناهيك عن دير السلطان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى