قراءة في التحديث الاستراتيجي لمعهد دراسات الأمن القومي

 

تتناول هذه القراءة أهم المواضيع التي وردت في التحديث الاستراتيجي لمعهد دراسات الأمن القومي، والذي يتم إصداره كل ثلاثة شهور.

حيث طرقت هذه القراءة أبواب عودة فكرة الدولة الواحدة، بدل حلّ الدولتين الذي بات يتلاشى على أرض الواقع، إلى جانب مسيرة الإعمار في سوريا، بين التطلعات والعقبات، فيما الجانب الثالث ارتكز حول أهمية الانقسام الفلسطيني كعامل مُساهم في تغيير طبيعة الصراع العربي-الإسرائيلي.

1.عودة الدولة الواحدة، كيف يتم الترسيخ والتمهيد للفكرة.

تناول ميخال ملشتاين وآبي يسسخروف، في قراءتهما رؤية الدولة الواحدة للشعبين الفلسطيني والإسرائيلي، تحت عنوان “عودة الدولة الواحدة، كيف يتم التأسيس للفكرة، دولة واحدة لشعبين” (ميليشتاين و يسسخروف، 2019).

يرى الكاتبان أنّ فكرة الدولة الواحدة، رافقت الفلسطينيين منذ انشاء الحركة الصهيونية، حيث كانت الفكرة موجودة إلى جانب فكرة حلّ الدولتين، لكنّ الجانب الفلسطيني، فضل الأخيرة خلال العقود الثلاث الأخيرة، قبل وصول اليمين إلى الحكم بصورته الصرفة حالياً.

ويضيف ميليشتاين وزميله، إلى أنّ أقطاب اليسار الإسرائيلي كذلك، باتوا خلال السنوات الأخيرة يُحذرون من أنّ سياسة الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو، باتت تقود مؤخراً إلى تجسيد واقع حل الدولة الواحدة، في ظل التغول والتوغل الإسرائيلي في الضفة الغربية، وهذا الأمر لا يزال مرفوضاً على شريحة واسعة اسرائيلياً وفلسطينياً.

ويرجح الكاتبان رغم أنّ سياق الأحداث على الأرض، يقود باتجاه دولة واحدة، لكن هناك الكثير من المعيقات التي ستمنع ذلك، الأمر الذي يتطلب رؤية استراتيجية إسرائيلية للتعامل في الضفة الغربية، خاصةً أنّ استمرار الأوضاع على حالها مستحيل، وأنّ فترة ما بعد أبو مازن، ربما تولد ظروفاً استثنائية، لن تسمح ببقاء الأوضاع على حالها، إلى جانب أنّ السياسة الإسرائيلية، الحالية في الضفة الغربية، قد تؤدي إلى انفجار الأوضاع إلى انتفاضة واسعة.

ضم الضفة الغربية كما تعهد بذلك رئيس وزراء دولة الاحتلال، بنيامين نتنياهو قبل أيّام، حينما أكد أنّه سيبدأ بالتعاون مع الولايات المتحدة، بمشروع ضم الضفة الغربية (اورون، 2019)، هو الأمر الأكثر ترجيحاً خلال مسيرة الحكومة القادمة، لكنّ هذا الضم بالتأكيد، سيكون في البداية من خلال ضم التجمعات الاستيطانية الكُبرى، وبعدها شرعنة ما تبقى من المستوطنات، وترك الأوضاع في المدن الفلسطينية تحت إدارة السلطة، وتهيئة الظروف للاستغناء عنها إن استدعت الحاجة.

2.احتمال ضئيل لنجاح المساعي لترميم سورية.

الباحث عوديد عيرن قدم قراءة حيال مساعي إعادة إعمار سورية (عيرن، 2019)، في الوقت الذي تعرض نصف الدولة للدمار، وتسعة ملايين لاجئ، ثلثيهم خارج الدولة وثلثهم داخلها، حيث تتركز غالبية الجهود الدولية من أجل إيجاد حلول ولو مؤقته لمشكلتهم.

وأشار عوديد أنّ الدمار شمل البنية التحتية، إلى جانب الاقتصاد السوري، الذي تراجع ناتجه القومي من 60 مليار دولار، إلى نحو 15 مليار دولار، إلى جانب تراجع الزراعة بنحو 41%.

وفي الوقت الذي يتحدث الجميع عن إعادة الإعمار، فإنّ هناك مشكلة كبيرة وفق الباحث، تتمحور حول من سدير عجلة ذلك، ففي الوقت الذي ترى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الإصلاحات السياسية في سورية شرطاً لذلك، فإنّ حليف بشار الأسد روسيا، ترى أنّ كل ذلك يجب أن يتم من خلال النظام السوري.

من الناحية الإسرائيلية، يرى عوديد، أنّ من مصلحة “إسرائيل” إعادة اعمار سورية، لكن بشرط أن يكون ذلك من خلال تخلي نظام الأسد عن علاقته بطهران، والحد من تأثيرها في سورية، وأن تكون تلك المساعدات غربية، حتى تكون نسبة التأثير الإسرائيلي فيها كبير، إلى جانب تقليص الدور الروسي-الإيراني في سورية.

وهنا يُمكن أن تستغل “إسرائيل” الأحداث، والدخول بشكل مباشر في عملية سياسية تضمن لها أمنها في الشمال، وسيطرتها على الجولان، اعتماداً على أنّ سورية التي تحتاج إلى الأعمار، ينقصها المال اللازم، ولن يكون ذلك سهلاً دون توافق أمريكي-روسي.

ملامح ما أكده الكاتب أعلاه قد بدأت عملياً، فما الاعتراف الأمريكي بحق “إسرائيل” في الجولان، بمعزل عن الاستهداف الإسرائيلي الذي استمر لسنوات في الأراضي السورية، بتنسيق مع روسيا، وبضمان ألّا يكون هناك ردود على تلك الخروقات، وهذا يأتي في سياق حفاظ روسيا على علاقتها مع “إسرائيل”، وضمان عدم اغضاب الولايات المتحدة.

3.الانقسام الفلسطيني، كعامل مساهم في تغيير الصراع العربي-الإسرائيلي.

الباحث يوحنن تسوريف، تناول موضوع الانقسام الفلسطيني كعامل مساهم في تغيير طبيعة الصراع الفلسطيني-الاسرائيلي الممتد على مدار عقود، معتبراً أنّ هذا الانقسام في ظل تعمق الفجوة ما بين الفصيلين الفلسطينيين الكبريين، فتح وحماس، ستكون له تداعيات على الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني (تسوريف، 2019).

حيث يرى يوحنن أنّ هذا الانقسام من الناحية الأولى، أضعف المقاومة في وجه “إسرائيل” في الضفة الغربية، رغم أنّه أوجد قاعدة مقاومة قوية في غزة، لكنّها تُعاني في ظل وجود الحصار، وفي ظل رغبة فتح بالتخلص من وجودها في غزة.

وأهم ما رآه الكاتب، أنّ الاحتكاك ما بين الجانبين، حتى ما قبل الانقسام، بات يولد نظرة مختلفة من قبل شريحة من الجمهور الفلسطيني، تجاه الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، بمعنى أنّ جزء منهم بات يرى في المصالحة أولوية وبالتالي هذا جعل الصراع مع “إسرائيل” في مرتبة ثانية، وجزء آخر بات يرى أنّ كلا الطرفين لا يعملان لصالح قضيتهم، أو على الأقل فشلا في تحقيق أهداف شعبهم القومية، الأمر الذي جعل نظرتهم للصراع تختلف، تجاه نزول حدية النظرة تجاه “إسرائيل”.

وهُنا يمكن فهم هذا في إطار، أنّ “إسرائيل” ستبقى تعمل بشكل حثيث لاستمرار الانقسام الفلسطيني، بل وتغذيته للحد الذي يصل بنا كفلسطينيين، إلى انقسام سياسي واضح، إلى جانب الانقسام الجغرافي، ليبقى السؤال المفتوح لنا كفلسطينيين، ماذا ستكون خطواتنا القادمة، في ظل حقيقة تراجع أهمية الصراع مع “إسرائيل”، لصالح تحقيق مكاسب داخلية لطرف على الآخر.

* مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى