انفجار الصراع بين قائد الجيش الجزائري ورئيس جهاز الاستخبارات المنحل

شكّل توازي الاستقالة التي قدّمها رئيس المجلس الدستوري في الجزائر، مع التحذيرات الشديدة  أركان الجيش، لقوى اتهمها بالتآمر على البلاد، خطوة في طريق وضع أزمة البلاد على درب الانفراج، قياسا بما سيترتب عليها، من استقالات أخرى، تلبّي مطالب الشارع في رحيل رموز السلطة.

فقد أخرج قائد أركان الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح الصراع مع رئيس جهاز الاستخبارات المنحل الجنرال محمد مدين إلى العلن.

وحمل تصريح الجنرال قايد صالح، رسائل قوية تجاه الجنرال محمد مدين (توفيق)، الذي اتهمه بـ”العمل على تأجيج الأوضاع الداخلية والالتفاف على مطالب الحراك الشعبي، بالتنسيق مع جهات أخرى”.

ووجّه المتحدث “آخر إنذار” للرجل قبل اتخاذ الإجراءات القانونية ضده، وأكد على ما أسماه في وقت سابق بـ”اجتماع مشبوه”، بغرض التآمر على الحراك الشعبي. وأشارت حينها مصادر محسوبة على الجيش، إلى عدة شخصيات، على غرار سعيد بوتفليقة ومعاذ بوشارب وعمارة بن يونس وعمار غول والجنرال المتقاعد (توفيق)، فضلا عن عناصر استخباراتية فرنسية.

وكانت قيادة الجيش، قد استعادت جهاز الأمن والاستعلامات، خلال الأسابيع الماضية، من وصاية رئاسة الجمهورية إلى وصاية وزارة الدفاع الوطني، وعزلت مديره الجنرال بشير طرطاق، المحسوب على نظام بوتفليقة، من منصبه وعيّنت الجنرال محمد قايدي خلفا له.

وإذ باشرت جهات قضائية فتح ملفات فساد سياسي ومالي لرجالات نظام الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، فإن تساؤلات تبقى مطروحة حول عدم تفعيل الآليات القانونية تجاه “مدير الاستخبارات السابق، والمجموعة التي نسقت مع الاستخبارات الفرنسية”، قياسا بسعيها إلى المغامرة بالأوضاع الداخلية للبلاد، والتآمر على استقرار البلاد، وهي التهم التي تصل عقوبتها إلى حدّ الإعدام، بموجب التشريع الجزائري.

وذكر قايد صالح في كلمته “لقد تطرقت في مداخلتي في 30 مارس/اذار 2019 إلى الاجتماعات المشبوهة التي تُعقد في الخفاء من أجل التآمر على مطالب الشعب، ومن أجل عرقلة مساعي الجيش الوطني الشعبي ومقترحاته إلى حل الأزمة، إلا أن بعض هذه الأطراف وفي مقدمتها رئيس دائرة الاستعلام والأمن السابق، خرجت تحاول عبثا نفي تواجدها في هذه الاجتماعات ومغالطة الرأي العام، رغم وجود أدلة قطعية تثبت هذه الوقائع المغرضة”.

وأضاف “لقد أكدنا يومها أننا سنكشف عن الحقيقة، وهاهم لا يزالون ينشطون ضد إرادة الشعب ويعملون على تأجيج الوضع، والاتصال بجهات مشبوهة والتحريض على عرقلة مساعي الخروج من الأزمة، وعليه أوجّه لهذا الشخص آخر إنذار، وفي حالة استمراره في هذه التصرفات، ستتخذ ضده إجراءات قانونية صارمة”.

وتابع “إذ ندعو إلى ضرورة قيام العدالة بمحاسبة المتورطين في قضايا الفساد، فإننا ننتظر من الجهات القضائية المعنية أن تسرع في وتيرة معالجة مختلف القضايا المتعلقة باستفادة بعض الأشخاص، بغير وجه حق، من قروض بالآلاف من المليارات وإلحاق الضرر بخزينة الدولة واختلاس أموال الشعب”.

ولفت المتحدث إلى أن “الجيش يتفهم مطالب الشعب المشروعة التي التزمنا بالعمل معه على تجسيدها كاملة، وبطبيعة الحال فإن هذه الأهداف يتطلب تحقيقها مراحل وخطوات تستلزم التحلي بالصبر والتفهم ونبذ كافة أشكال العنف، فالخطوة الأساسية قد تحققت وستليها، بكل تأكيد، الخطوات الأخرى، حتى تحقيق كل الأهداف المنشودة، وهذا دون الإخلال بعمل مؤسسات الدولة التي يتعيّن الحفاظ عليها، لتسيير شؤون المجتمع ومصالح المواطنين”.

ومطلع أبريل/نيسان الجاري، نفى قائد المخابرات الأسبق محمد مدين، مشاركته في اجتماع مع الرئيس السابق للجهاز بشير طرطاق، ورئيس البلاد الأسبق اليمين زروال، وبحضور عناصر من مخابرات أجنبية، للتآمر ضد الجيش.

وثمّن الخبير الدستوري بوجمعة صويلح، رسالة قائد أركان الجيش، لما تضمّنته من فتح الآفاق أمام الحلول السياسية الممكنة لترافق التدابير الدستورية، ومرافقة المؤسسة العسكرية للانتقال السياسي في البلاد، والبقاء على تكتيك التدرج، تفاديا لأي توريط للجيش في الحياة السياسية أو منح فرصة للمتربصين بالبلاد للزجّ بها في الفوضى وعدم الاستقرار.

وجاء تصريح قائد أركان الجيش، في أعقاب الاستقالة التي قدمها رئيس المجلس الدستوري طيب بلعيز، لرئيس الدولة المؤقت عبدالقادر بن صالح، والتي اعتبرت خطوة في طريق انفراج الوضع بالبلاد، قياسا باستقالات منتظرة في هرم السلطة، تلبية لمطالب الشارع، الذي طالب برحيل “الباءات الأربعة” (بلعيز وبن صالح وبدوي وبوشارب).

ويتوقع متابعون للشأن الجزائري، أن يقدّم رئيس الدولة المؤقت، ورئيس الوزراء، ورئيس المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان)، استقالتهم في المدى العاجل، في إطار خارطة طريق تحظى بدعم المؤسسة العسكرية، من أجل تهدئة الأوضاع المتوترة في البلاد منذ نحو شهرين.

وصرّح الحقوقي والناشط السياسي مصطفى بوشاشي، بأن “استقالة رئيس المجلس الدستوري، خطوة إيجابية لكنها غير كافية، لأن مطالب الشارع واضحة وصريحة، وأن الأزمة سياسية وتتطلب حلولا سياسية، تستدعي رحيل جميع رموز السلطة الموروثة عن نظام بوتفليقة، والذهاب إلى مرحلة انتقالية بوجوه تحظى بقبول الشارع، والشروع في إرساء قواعد الجمهورية الجديدة”.

وكان نهار أمس، يوما مفصليّا في تاريخ الحراك الجزائري، فبالموازاة مع استقالة طيب بلعيز والتصريح الخطير لرئيس أركان الجيش، نظم طلبة الجامعات في العاصمة وفي مختلف المدن الجامعية مسيرات شعبية ضخمة، جدّدت مطالب رحيل السلطة القائمة، وشدّدت على رحيل “الباءات الأربعة” من مواقعها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى