انتفاضة 17 نيسان المجيدة.. الإصلاح الذي لم يكتمل

في السابع عشر من نيسان/ ابريل من كل عام يصادف الذكرى السنوية لانتفاضة 17 نيسان المجيدة  عام 1989م ، تلك الانتفاضة التي كان لها الأثر الكبير في تنمية الوعي السياسي لدى أجيال الشباب، خاصة من أصبحوا اليوم في العقد الخامس من أعمارهم .

ولا شك أنها كانت حالة خاصة بقيمتها المعنوية حيث جاءت  من أكثر فئات الشعب محافظة والقرب من النظام  بل وقاعدته الأساسية حتى وان دخلت عليها وشاركت القوى السياسية والقومية واليسارية فقط لا غير .

لقد كانت تجربة فريدة في تاريخ الأردن الحديث بما تركته من أثر سياسي واجتماعي رغم نجاح النظام باحتوائها، وإعلان ما قيل عن انتهاء المرحلة العرفية، والبدء بإصلاحات شاملة تمثلت في إفراز  ثاني أفضل مجلس نواب في تاريخ الأردن الحديث بعد برلمان عام 1956م ، الذي سبق ان أفرز حكومة الزعيم الوطني سليمان النابلسي، صاحب الميول القومية الناصرية .

وكانت أول قرارات تلك حكومته الوطنية  إلغاء المعاهدة الأردنية البريطانية، ورفع القبضة الحديدية عن الحياة السياسية، ولكن للأسف سرعان ما جرى الانقلاب على تلك الحكومة الوطنية، وأصبح النواب والوزراء  مطاردين أو مساجين أو تحت الإقامة الجبرية، وعلى رأسهم النابلسي نفسه .

وقد اعلنت الأحكام العرفية منذ ذلك الحين حتى أسقطتها انتفاضة 17 نيسان المجيدة  التي حملت نفس المطالب التي أقرتها حكومة النابلسي رحمه الله ، وأبرزها استقلالية القرار السياسي، والمطالبة بالحريات العامة والإصلاح الاقتصادي، ولكن سرعان ما جرى خطف ثمار تلك الانتفاضة المجيدة والالتفاف عليها  من قبل تيار الإسلام السياسي  قبل النظام،  حيث لم  يشارك هؤلاء الاسلاميون بها  ولم يعتقل أي فرد منهم، واستطاعوا بشعاراتهم المزيفة التي لم تكن إلا كلمة حق يراد بها باطل، كما قال الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجه ، الوصول الى السلطة التي دخلوها وشاركوا بها فعليا بخمس حقائب وزارية .

ولكن النتيجة النهائية لهذه الانتفاضة الباسلة كانت إحباط الشارع الأردني، خصوصاً بعد التفاف النظام عليها لحساب ابرام معاهدة وادي عربة المشؤومة، وذلك عبر استحداث قانون الصوت الواحد الذي أحيا العصبية القبلية، وأفرز احد اسوأ المجالس النيابية.

فيما بعد توالى أفراز مجالس نواب  مستأنسة  خالية من كل دسم سياسي، وحتى الديكورات بالمجالس الأخيرة لم تعد مقبولة ولا مسموح بها، والنتيجة ما وصلنا إليه من تخبط سياسي واقتصادي حتى اعترفت الحكومة أخيرا بأن قيمة مديونية الأردن تصل إلى 90 مليار دولار  .

ولكن رغم كل السلبيات ستبقى انتفاضة 17 نيسان المجيدة محطة مهمة، وصرخة قوية مفادها كفى استهتارا بالوطن والمواطن ، وستظل قيمة تلك الانتفاضة الاساسية أنها قد اطلقت من الأطراف البعيدة عن العاصمة، أي من القاعدة الشعبية المحسوبة على النظام تاريخيا .

وستبقى تلك الانتفاضة والتي نحتفل اليوم بعامها الثلاثين جرس إنذار يدق في عالم النسيان لحكومات فقدت حيثياتها السياسية، وأصبحت اسيرة التخبط السياسي والاقتصادي  .

وفي الاخير اود أن أختم مقالي متفائلا وأقول: ما أصدق  الأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل رحمه الله حين قال  قبل أكثر من ثلاثين عاما ( على أي نظام راشد أن يشعر بالخطر إذا تحركت الأطراف ).

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى