ابن علوي يقلب الحقائق ويدعو الضحية الفلسطينية لطمأنة الجلاد الاسرائيلي

فاجأ وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي الجميع في مؤتمر أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي في الأردن، الوزير المخضرم الذي يشغل منصب وزير الخارجية العماني منذ عام 1997، بطلبه من العرب أن يقوموا بمبادرة تجاه “إسرائيل” لتبديد مخاوفها في المنطقة عبر اتفاقات وإجراءات.

في الحقيقة، بدا هذا التصريح صادماً من النواحي التاريخية والأخلاقيّة والسياسيّة، ولا ندري ما هو المنطق الذي استند إليه بن علوي قبل التصريح بهذه العبارات التي تعارض التاريخ والجغرافيا والمنطق، وقد ردّ عليه الوزير الأردني أيمن الصفد قائلاً: “العالم العربي اعترف بإسرائيل وبحقها في الوجود (مبادرة السلام العربيةّ)، وقد اعترف الفلسطينيون أنفسهم بحق إسرائيل في الوجود.. فما هي الضمانات الإضافية التي تحتاجها إسرائيل؟”. وأضاف الصفدي: “من أجل حصول ذلك يتعيّن عليها (إسرائيل) الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة منذ عام 1967 والسماح بقيام دولة فلسطينية، هذه هي القضية”.

لا شكّ أنّه كان حريّاً بالسيد بن علوي أن يدعو الإسرائيليين إلى تقديم ضمانات للشعب الفلسطيني الأعزل، فمن هي الجهة التي تمتلك عشرات الرؤوس النووي؟ من هي الجهة التي تمتلك ترسانة عسكريّة لا نظير لها في المنطقة؟ من هي الجهة التي تستهدف المدنيين يومياً؟.

والأغرب من ذلك أن السيد بن علوي نفسه، قد قال لاحقاً وفي تصريح لموقع إسرائيلي: “الحقائق ستبقى حقائق، إسرائيل لن تكون قادرة على إجبار العرب على تبني سياسة لا تؤدي إلى اتفاق، وإعادة الأراضي الفلسطينية والسورية واللبنانية إلى شعوبها”.

لم يكتفِ بذلك بل أضاف: لقد مرّت خمسون سنة منذ حرب عام 1967 وما زالت “إسرائيل” والعرب لا يثقون ببعضهم البعض. لسوء الحظ، لم تسهم “إسرائيل” في إعطائنا – نحن العرب – الاعتقاد بأنها مستعدة لقلب الصفحة، إلى صفحة يتشاركها الجميع. يقول السيد بن علوي في التصريح ذاته: هم (الفلسطينيون) مثل السجناء، إذا أراد فلسطيني السفر خارج الضفة الغربية، فيحتاج إلى تصريح، وإذا كان الشخص يعيش في منزله ويحتاج إلى إذن [للمغادرة]، فهذا سجن، هذه ليست حياة طبيعية، وهنا نسأل السيد بن علوي: هل ما قاله في مؤتمر دافوس كان “كبوة جواد”؟ وإذا لم يكن كذلك، ماذا عن هذه التصريحات؟ ألا تؤكد أن الشعب الفلسطيني هو الذي يحتاج للطمأنة؟

يعدّ الحياد أحد أبرز مقوّمات السياسة الخارجيّة لسلطنة عمان، ولعلّ هذا السبب الذي يقف خلف تصريحات بن علوي، حيث وصف بن علوي علاقة بلاده مع الكيان الإسرائيلي بعلاقة التواصل فقط، التي تحتاج إلى تحقيق عدد من المبادئ لتعزيزها، ومن ضمنها إقامة دولة فلسطينية.

لا شكّ أن سياسة الحياد والوساطة التي تلعبها عمان تعدّ أحد أبرز مقوّمات سياستها الخارجيّة، وربّما يسعى السلطان قابوس إلى تكرار تجربة الاتفاق النووي الذي بدأ من المفاوضات السريّة في عمان، ولكن هذه المرّة في القضيّة الفلسطينية.

يدرك السيّد بن علوي جيّداً أن العرب منقسمون على قسمين: القسم الأوّل لا يعترف بالكيان الإسرائيلي، ويضم هذا القسم أغلب الشعوب العربية وحركات المقاومة، في حين أن القسم الثاني يعترف بالكيان الإسرائيلي على حدود العام 1967 ويضم دولاً عربّية عدّة من ضمنها السلطنة، لا نريد محاكمة كلام السيّد بن علوي من رؤيتنا التي لا تعترف أساساً بالكيان الإسرائيلي بل وفق منطقه، ومن منطلق “ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم”، وهنا لا بدّ من الإشارة إلى التالي:

أوّلاً: لطالما كانت السلطنة بعيدةً عن القضيّة الفلسطينية، وربّما تمارس بعض الوساطات تحت الطاولّة، وبالتالي لما يتحدّث السيد بن علوي عن ضمانات إسرائيلية للشعب الفلسطيني رغم اعترافه بأن “إسرائيل كانت نتيجة لنتائج الحرب العالميّة واتفاق القوى الكبرى؟ ألا يعدّ كلام السيد بن علوي إجحافاً واضحاً بحقّ القضيّة الفلسطينية من الناحية التاريخية؟

ثانياً: ومن الناحية الأخلاقيّة، من الذي يجب أن يقدّم الضمانات الضحيّة أم الجلاد؟ ألا يحتل الكيان الإسرائيلي أراضٍ أردنية وسوريّة ولبنانية، إضافةً إلى الفلسطينية؟ فأي منطق أخلاقي يفرض على المُعتدى عليه أن يقدّم ضمانات للطرف المعتدي؟ ألم تكفِ الكيان الإسرائيلي التطمينات والهدايا التي قدّمها ترامب بدءاً من نقل السفارة إلى القدس وليس انتهاءً بقرار الجولان؟ لماذا لم يطالب السيد علوي ترامب بتقديم تطمينات للجانب الفلسطيني وفق رؤيته؟ أليس حريّاً بالعرب أن يقدّموا التطمينات للشعب الفلسطيني في مثل هذه الظروف الصعبّة؟

ثالثاً: من الناحيّة السياسية، لا شكّ أن كلام بن علوي لا يخدم سياسة الوساطة التي يعتمدها، ربّما أرد بن علوي من خلال هذا الكلام تقديم تطمينات للجانب الإسرائيلي للجوء إلى الوساطة العمانيّة، وهذا التفسير الوحيد الذي يمكن أن أفسره لهفوة السيد بن علوي.

اللافت أن بن علوي نفسه قال إن خطة الإدارة الأمريكية الإسرائيلية الفلسطينية للسلام ستفشل إذا لم تشمل دولة فلسطينية، وتابع: “إذا تجنبت [الخطة] ذكر دولة فلسطينية، فلن يكون لها مستقبل”، فهل كلامه يصبّ في هذا الإطار بعد كل الإجراءات التي أقدم عليها ترامب ونتنياهو؟

رابعاً: وبصورة عامّة يمكن تقديم ضمانات لطرف ليس بمحتل، وإذا كان محتلّاً لجزء معيّن لا يقدم على توسيع احتلاله كالاستيطان الإسرائيلي ومحاولات الاستيلاء على الضفة والقدس.

تقديم ضمانات لطرف لا يقدم يومياً على استهداف النساء والأطفال وهو متورّط بدماء مئات الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني منذ العام 1948، وفي النهاية لطرف يحترم ضوابط التفاوض وقرارات المجتمع الدولي.

هنا نسأل السيد بن علوي أين أصبحت الرباعيّة الدوليّة؟ هل أعار الكيان الإسرائيلي أي اهتمام لمبادرة السلام العربيّة؟

وهكذا، يبدو جلياً أن كلام السيد بن علوي، فضلاً عن كونه يتعارض مع التاريخ والجغرافيا، فإنه يتعارض مع المنطق الحيادي الذي تتبناه السلطنة، ولعلّ تبرير بن علوي في المقابلة اللاحقة خير دليل على ذلك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى