المنظّمات اليهوديّة الأمريكيّة الداعمة لإسرائيل: أيباك ( 1- 4 )

النظام السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية شديد التعقيد، وقائم على أساس التحالفات وتقاطع مصالح النخب الصناعيّة والاقتصاديّة والثقافية التي تشكّل ما يسمى بمجموعات ضغط ” لوبيّات Lobbies ” تستطيع أن تمارس ضغوطا قويّة على البيت الأبيض، وأعضاء الكونجرس بشقّيه النواب والشيوخ، ورجال الدين والمال والأعمال المتنفذين، ومؤسّسات المجتمع المدني.

لعبت المنظّمات اليهودية الأمريكية دورا محوريا في إقامة دولة إسرائيل ودعمها سياسيا واقتصاديا وعلميا وثقافيا، وكان من غير الممكن لهذه المنظمات العاملة لمصلحة إسرائيل أن تحقّق هذا النجاح في الولايات المتحدة لولا العوامل الرئيسيّة التالية:

أولا: وحدة القرار اليهودي، فبالرغم من توزّع الجالية اليهودية في أمريكا على عدد كبير من الطوائف، 49 طائفة في ولايات مختلفة، إلا أن قرارها موحّد وجامع، وتقودها شخصيّات مؤهّلة ومثقفة تفهم المجتمع والسياسة والثقافة الأمريكية بعمق.

ثانيا: اليهود يتمتّعون بأعلى مستوى تعليمي في الولايات المتحدة، وهو ما يؤثر على دورهم الاجتماعي وسلوكهم الانتخابي، إذ انّهم يدلون بأصواتهم بنسبة تفوق النسبة القوميّة، وتبلغ بين اليهود الذين يدلون بأصواتهم في انتخابات الرئاسة والكونغرس وحكام ونواب الولايات ورؤساء البلديات وغيرها 92% مقابل 54% بين الأمريكيين عموما.

ثالثا: أعضاء الجماعات اليهودية الأمريكية نشطاء يشتركون في معظم الحركات السياسية، ولهم نفوذهم في الحزبين الديموقراطي والجمهوري، ممّا يعني تزايد قوّتهم الانتخابية وتأثيرهم على صناعة القرار السياسي المؤيد لإسرائيل.

رابعا: الجماعات اليهودية الأمريكية منظّمة على مستويات البلدة والمدينة والولاية، وتملك المال، وتتمتّع بنفوذ قوي في وسائل الإعلام، وتضمّ عددا من كبار الفنانين والمثقفين والعلماء على خلاف العديد من الجاليات الأخرى ومن ضمنها الجاليتين العربيّة والإسلاميّة.

في عام 1954 أسّس الصحفي الأمريكي الكندي المولد أشعيا ليو كننIsaiah Leo Kenen  الذي كان يعمل في مكتب المعلومات الإسرائيلي في الأمم المتحدة منظمة يهوديّة صهيونية أطلق عليها اسم ” اللجنة الصهيونية الأمريكية للشؤون العامّة” American Zionist Committee for Public Affairs ومقرها واشنطن العاصمة؛ ولإخفاء انتمائها لإسرائيل وهيمنتها عليها، غيّر قادة المنظمة اسمها في عام 1959 إلى” لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية – أيباك  AIPAC– American Israel Public Affair Committee.

تعتبر منظمة ” أيباك ” الأكبر والأهم بين مجموعات الضغط ” اللوبيات ” العاملة في الولايات المتحدة، وأكثرها تأثيرا في توجيه السياسة الأمريكيّة المؤيّدة لإسرائيل والمعادية للشعب الفلسطيني والأمّة العربيّة؛ ويصل عدد المنتسبين اليها ما يزيد عن 100000 يهودي أمريكي منهم رجال سياسة ومال وأعمال وأدب وفن، وأعضاء في الكونغرس، ورجال دين، وأساتذة جامعات ينشطون في 50 ولاية أمريكية، ويحضر مؤتمرها السنوي 18000 مشارك من جميع أنحاء الولايات المتحدة، وتتمتّع بنفوذ واسع في جميع الولايات، والبيت الأبيض، ووزارة الخارجية، والكونجرس وتقدّر ميزانيتها السنوية بنحو 80 مليون دولار، ولها مكاتب في معظم الولايات الأمريكية، ويمولها متبرعون يهود.

” أيباك” تعمل لتحقيق العديد من الأهداف الحيويّة التي تصبّ في خدمة إسرائيل؛ إنها تدعم الرؤساء الأمريكيين في حملاتهم الانتخابية لتضمن دعمهم لإسرائيل وسياساتها وتزويدها بمساعدات مالية وعسكرية مجزية تضمن تفوقها عسكريا على الدول العربية. فقد تبرّع شلدون أديلسون ملك القمار وأغنياء الجالية اليهودية الأمريكية بما يزيد عن 100 مليون دولار لحملة ترامب الانتخابية مقابل اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها.

إضافة إلى دعم الرؤساء، فإن ” أيباك ” تقدّم دعما ماليا واعلاميا هاما لأعضاء الكونغرس خلال حملاتهم الانتخابية مقابل الحصول على دعمهم لإسرائيل ولسياساتها بعد فوزهم؛ وتقوم بتنظيم رحلات باذخة لأعضاء الكونجرس الجدد إلى القدس والمدن الأخرى، وتقدم لهم رؤية من جانب تبرّر سياسات إسرائيل القائمة على الكذب والخداع. فقد انفقت خلال السنوات القليلة الماضية 12.9 مليون دولار على رحلات شارك فيها 363 مشرعا أمريكيا، 657 موظفا في الكونجرس، حيث تكلّف رحلة النائب الجديد ما بين 9000 – 10000 دولار تغطي كل شيء من تذكرة سفر درجة رجال الأعمال والإقامة في فندق راق بالقدس، والنواب الذين يشاركون في الرحلات لا يلتقون بفلسطينيين للاستماع إلى وجهة النظر الفلسطينية. ففي عام 2017 قضى وفد من 115 ديموقراطيا معظم الوقت في الرحلة التي استغرقت أسبوعا في مقابلات مع القادة الإسرائيليين ولم يلتقوا بمسؤول فلسطيني واحد.

وتقوم بتقديم الدعم السياسي لإسرائيل في دوائر صنع القرار الأمريكيّة وخاصة في البيت الأبيض ووزارتي الخارجية والدفاع، وتراقب عمليّات التصويت في الكونغرس وتحاول إعاقة أي مشروع قرار لا ترضى عنه إسرائيل، وتعمل على ضمان ” الفيتو ” الأمريكي في الأمم المتحدة ضد القرارات الهامة التي تدين الاحتلال وسياسات إسرائيل العنصرية.

وتقوم باستخدام نفوذها في التأثير على الرأي العام الأمريكي وإقناعه بتأييد اسرائيل ودعمها في شتى المجالات، وتساهم في الإشراف على إعداد قيادات يهودية أمريكيّة وقادة محتملين للولايات المتحدة مناصرين لإسرائيل، وتنظم حملات تبرعات اليهود لمرشحي انتخابات الرئاسة والكونغرس بمجلسيه النواب والشيوخ، وتستخدم نفوذها في وسائل الإعلام لإلصاق تهمة معاداة الساميّة على كل ديبلوماسي أو شخصية اعتباريّة أمريكيّة تنتقدها، وتنشط في محاصرة الدعاية الفلسطينية في المجتمع الأمريكي.

وما حدث لعضوة الكونغرس الهام عمر المنحدرة من أصول صومالية مؤخرا يدل بوضوح على ذلك. فقد اتّهمها قادة “أيباك ” بمعاداة السامية لأنها تجرأت وقالت ” إنها لا تستطيع أن تتفق مع أولئك الذين يناضلون من أجل حقوق الإنسان والكرامة للآخرين ويستثنون الفلسطينيين”؛ وان البعض اعتبر انتقاداتها معادية للسامية بشكل تلقائي لأنها مسلمة وبهدف اسكات صوتها وأضافت ” ان الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن النقاش أصبح حول ما إذا كانت معادية للسامية أم لا، مع تجاهل ما يحدث في فلسطين.”  الهام عمر ارتكبت جريمة عندما تحدّت سلطة ” أيباك ” في تخويف السياسيين الأمريكيين واسكات النقاش حول حقائق الصراع العربي الصهيوني؛ واضطرت إلى الاعتذار عن قول الحقيقة!

وعلى الصعيد الديني نجحت ” أيباك ” في بناء تحالفات مع الكنائس المسيحية المختلفة، وأقامت علاقات قويّة وواسعة مع المسيحيين الإنجيليين ومع المحافظين البروتستانت المؤيدين للحركة الصهيونية، وتساهم في تنظيم رحلات لرجال الدين لزيارة إسرائيل والتأثير عليهم واقناعهم بدعم سياساتها في صفوف المنتسبين لكنائسهم.

ولم يقتصر دورها على السياسة والدعاية لإسرائيل وبث الأكاذيب بين الأمريكيين، فقد دفعت في ذات الوقت لزيادة الدعم المالي السنوي الذي تقدّمه واشنطن لتل أبيب. وفي هذا الخصوص يقول الاقتصادي الأمريكي ” توماس ستوفر” الأستاذ في جامعة هارفارد ” أن تكلفة الصراع العربي الإسرائيلي على دافع الضرائب الأمريكي بلغت حوالي ثلاث تريليونات دولار 3000 مليار دولار منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية حتى العام 2002، أي ما يعادل أربعة أضعاف كلفة حرب فيتنام.”

لقد حقّقت منظمة ” أيباك ” نجاحا كبيرا في تنظيم وتوحيد قرار اليهود الأمريكيين، واستخدمت نفوذهم المالي والإعلامي والثقافي لتضليل الرأي العام الأمريكي ودعم إسرائيل وسياساتها العدوانية؛ فبالرغم من اختلافات اليهود الأمريكيين العقائدية، وتوزّعهم في جميع الولايات، وكون ما يزيد عن 30 % منهم ملحدين لا يؤمنون بأي دين، إلا انّ معظمهم يتفقون مع “أيباك ” ويتعاونون معها، ويدعمون نشاطاتها المؤيدة لإسرائيل.

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى