دروز الجولان يتحدّون قرار ترامب ويؤكدون ان دمهم ووطنهم ومصيرهم سوري

لمنطقة الجولان السورية سكان أصليون، هم الأثر المتبقي لمرتفعات يحاول الاحتلال الاسرائيلي طمس هويتها، وشاهدون على جذورها العربية السورية. وسط تحركات إسرائيلية لنزع اعترافات دولية بتبعيتها لها، كان أولها ما أعلنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من اعترافه بتبعيتها لإسرائيل.

وسط كُل هذه التحركات؛ يظل دروز سوريا، وسكان هذه المرتفعات الأصلية، الأثر الذي لا يزال يقاوم مُمارسات غير شرعية بشتى الطرق، منذ احتلالها عقب نكسة يونيو (حزيران) 1967، متمسكًا بهوية عربية، ومقاومة حقيقية تجاه كُل مظهر إسرائيلي يحاول الاحتلال فرضه بشتى الأساليب.

والدروز هم أقلية عربية، تستمد عقيدتها من أحد الفروع الطائفية المنبثقة عن الإسلام، تسكن قري بمرتفعات الجولان قبل احتلال إسرائيل لها إلى الوقت الحالي، وقد أبت أن ترحل أو تخضع لشروط وإملاءات المحتل الجديد كُل هذه السنوات.

وقائع نصف قرن من المقاومة

من بين الآثار الكارثية للهزيمة الساحقة التي ألحقتها إسرائيل بالجيوش العربية في عام 1967، احتلال هضبة الجولان السورية الواقعة في المنطقة الحدودية بين سوريا وإسرائيل. بعدما تمكنت قوات الاحتلال من السيطرة على نحو 1200 كيلومتر مربع (460 ميلًا مربعًا) من مرتفعات الجولان، قبل أن تضم هذه المنطقة كاملةً، في خطوة لم يتم الاعتراف بها من قبل المجتمع الدولي، وتجاهلها في الوقت ذاته.

بين العديد من التغييرات الساحقة التي مرت بها الجولان على الأصعدة السياسية والعربية والإقليمية بعد ضم إسرائيل لها، ظل شيء واحد مقاوم لكُل أفعالها لطمس هوية المنطقة العربية، ومحو جذورها. سكان المنطقة من طائفة الدروز في سوريا، رافعين شعارات الصمود أمام محاولات الاحتلال لتجريدهم من آثار المقاومة التي ورثوها عن أجدادهم تجاه مغتصب لأراضيهم، وقاتل لسكانها الأصليين العرب.

بقيت رايات المقاومة والصمود مرفوعة لنحو نصف قرن من الزمان، شاهد عليها تمسك النسبة الأكبر من دروز الجولان، الذين يصل عددهم لنحو 20 ألفًا، بجنسياتهم السورية، ورفض الحصول على الجنسية الإسرائيلية التي عرضتها عليهم سلطات الاحتلال منذ خضوع المنطقة للإشراف عليهم، باقين على مجتمعاتهم العربية، والرفض القاطع للاندماج في المجتمع الإسرائيلي.

امتدت أدوارهم إلى ما هو أبعد من ذلك من خلال تشكيل مجموعات مُقاومة داخل الجولان المحتلة، كان آخر هذه العمليات ما نفذه العشرات منهم، في يونيو 2015، من تنفيذ هجومين استهدفا سيارتي إسعاف تابعتين لجيش الاحتلال الإسرائيلي، كانتا تنقلان جرحى سوريين مدعومين من جيش الاحتلال، إلى المستشفيات الإسرائيلية، وهو ما أدى لصدور قرارات اعتقال بحق هذه المجموعات، تبعه بيان من مكتب رئيس الحكومة نتنياهو، يعلن فيه أنه سيجتمع بزعماء الاقلية الدرزية، داعيًا إياهم إلى «التهدئة واحترام الجيش والقانون والنظام».

لهذه الروح المقاومة في آلاف الدروز بالجولان المحتلة خلفية تاريخية هامة؛ إذ أدى الدروز على مدار تاريخ سوريا أدوارًا وطنية تمثلت في وجودهم في الصفوف الأولى تجاه أي غزو، أبرزها كانت في مُحاربة الاحتلال الفرنسي لسوريا عام 1925 بعدما رفضوا تشكيل الدولة الدرزية، وكانوا المُحفز الرئيس لثورة سوريا الكبرى عندما كان سلطان باشا الأطرش أحد المنتمين لطائفة الدروز قائدًا لهذه الثورة ضد الفرنسيين الذين سيطروا على سوريا عام 1921.

ويبلغ عدد الدروز داخل سوريا حوالي 700 ألف نسمة، يتمركزن في مدن: السويداء، وصلخد، وشهبا، والقريا في جبل العرب، وجرمانا قرب دمشق، ومجدل شمس في الجولان السوري المحتل، ومن الشخصيات الدرزية السورية المعروفة إلى جانب سلطان باشا الأطرش، الفنان فريد الأطرش، وأخته المطربة أسمهان، وفهد بلان.

وقد ظل أبو حسن عبد الله القيش، وهو من أعيان بلدة بقعاثا في الجولان، (قرية من أربع قرى سكنها الدروز)، عقب هزيمة 1967 مُقيمًا في قريته بعد النكسة، رافضًا كُل الامتيازات التي قدمتها السلطات الإسرائيلية للحصول على جنسيتها، متحديًا القيود التي عاقبتهم بها سلطة الاحتلال على مواقفهم. حاله في ذلك كحال النسبة الأكبر من دروز الجولان.

يقول القيش في مقابلة له على قناة «الجزيرة الفضائية»، بتاريخ عام 1999: «إحنا حاربنا الأتراك، حاربنا الفرنسيين، حاربنا الاستعمار وبنحارب كمان اللي بده يرحلنا من أرضنا، لذلك ما نرحلنا لا بالماضي ولا بالحاضر، نحنا وجودنا في الأرض وإيمانا في وطنا وبأرضنا، هذه معتقداتنا كلنا مثل بقية الناس.. رحلنا ورجعنا غصبًا عن أنف الناس، منهم من استشهد، منهم من استشهد لما رجع البيت، هذا إيمان عندنا إن الوطن أقدس مقدسات الإنسان، الدين بعده الوطن».

ساروا بعكس دروز فلسطين

 على خلاف دروز الجولان ممن رفضوا الاندماج في المجتمع الإسرائيلي، سواء في الالتحاق بجيش الاحتلال، أو السكن في مدن إسرائيلية، أو التمتع بامتيازات الجنسية الإسرائيلية، ارتضت النسبة الأكبر من الدروز، ممن تعود جذورهم إلى لبنان وفلسطين، العيش في المدن الإسرائيلية؛ إذ أبرموا اتفاقًا مع إسرائيل عام 1948، وحصلوا على امتيازات مقابل قبولهم بالخدمة الإجبارية في الجيش الإسرائيلي. كما أسست لهم إسرائيل محاكم خاصة فيما يتعلق بالأحوال الشخصية باعتبارهم طائفة.

ووصل عدد الدروز الذين سكنوا المدن الواقعة حول جبل الكرمل وفي الجليل (قرب المدينة الإسرائيلية حيفا)، ممن تعود جذورهم إلى لبنان وفلسطين، نحو 110 ألف شخصًا، ويخدمون في وحدات قتاليّة تتبع جيش الاحتلال مثل «كتيبة السيف»٬ وهي كتيبة من سلاح المشاة الإسرائيلي والتي جميع مقاتليها من الدروز.

ويتمركز العدد الأكبر من الدروز، ممن تعود جذورهم وعائلاتهم إلى فلسطين ولبنان، وحازوا على الجنسية الاسرائيلية؛ في دالية الكرمل ويركا، حيث يعيش في كلّ منها نحو 15 ألف درزي. وفي المجموع هناك 15 بلدة درزية في إسرائيل، بالإضافة إلى ثلاثة بلدات عربية مختلطة تعيش فيها الطائفة الدرزية أيضًا.

وبدأ تواجد هؤلاء الدروز المنحدرين من أصول فلسطينية ولبنانية منذ سنوات طويلة؛ وتحديدًا في عام 1948، وبدأوا في التطوع داخل وحدة صغيرة في جيش الاحتلال الاسرائيلي سميت «وحدة الأقليات»، ضمت نحو 80 درزيًا سوريًا انشقوا عن جيش الإنقاذ٬ وبعدها زادت أعداد الدروز الذين التحقوا بالوحدة التي صارت جزءًا لا يتجزأ من الجيش الإسرائيلي، حتى سنّت إسرائيل قانون التجنيد الإجباري للشباب الدرزي.

دروز سوريا vs قرار ترامب

الاسبوع الماضي وقع الرئيس الأمريكي ترامب، بحضور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مرسومًا تعترف فيه الولايات المتحدة بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان، وقد سبق ذلك تمهيد من ترامب نحو هذه الخطوة من خلال ما كتبه ترامب في تغريدة٬ قال فيها: «بعد 52 عامًا، حان الوقت لاعتراف الولايات المتحدة الكامل بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان التي لها أهمية استراتيجية وأمنية حيوية لدولة إسرائيل والاستقرار الإقليمي».

وأمام هذا الاعتراف الامريكي الغاشم بسيادة إسرائيل على منطقة الجولان التي يوجد فيها نحو 30 مستوطنة إسرائيلية في هذه المنطقة، ويعيش بها نحو 20 ألف مستوطن٬ علاوة على نحو 20 ألف سوري أغلبهم من طائفة الموحدين الدروز.. علت أصوات الأخيرة احتجاجًا على ذلك٬ مستكملة بذلك محطات المقاومة التي لم تتوقف طيلة السنوات السابقة.

كانت الصورة الأكثر تعبيرًا عنهم هو مشهد تجمع فيه المئات منهم٬ بينهم رجال ونساء وأطفال دروز في بلدة مجدل شمس المحاذية لخط الهدنة الفاصل بين الأراضي التي تحتلّها إسرائيل والقسم الخاضع للسيطرة السورية، للتظاهر ضد القرار الأمريكي، كما رفعوا الأعلام الدرزية والسورية وصورًا للرئيس السوري بشار الأسد، ولافتات كتب عليها بالعربية «الجولان سوري رغم أنف الأعداء» و«نحن من يقرر هوية الجولان».

وفي سياق هذا الموقف الرافض لدروز سوريا قال واصف خاطر المتحدث باسم دروز الجولان للوكالة الفرنسية: «إن ترامب يعطي تعهّدات بشأن أراض عربية سورية لا إسرائيلية، مؤكدًا رفض قرار الرئيس الأمريكي ومعتبرًا أنه يتحدّث عمّا لا يملكه».

بينما ذكرت أمل الصفدي وهي أمينة مكتبة (54 عامًا)، لوكالة «رويترز»: «دمنا سوري. إذا أخذت عينة دم من طفل فستكون النتيجة سوري».

وسبق ذلك الموقف عدة احتجاجات مماثلة ضد أي مظهر رسمي لإسرائيل داخل الجولان، وكان آخرها الاحتجاجات ضد إجراء الانتخابات البلدية الإسرائيلية في الجولان، عبر تشكيل مجموعات للحيلولة دون وصول أي شخص مراكز الاقتراع في مجدل شمس، رافعين أعلام سوريا ورايات الدروز٬ مؤكدين على سورية أراضيهم٬ ورفضهم القاطع لأية قرارات أمريكية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى