قصة اللقاء التاريخي بين العملاقين الضريرين طه حسين وهيلين كيلر

 

في مطلع شهر يونيو/ حزيران 1952 كان اللقاء التاريخي بين الكاتبة الأمريكية “هيلين كيلر” وعميد الأدب العربي د. طه حسين، كلاهما ضرير، إلا أن “هيلين” كانت “صماء وبكماء” أيضا، أي أنها تطبيق حي للحكمة الصينية التي تقول ” لا أسمع، لا أري، لا أتكلم”.

كان اتصالها الوحيد بالعالم عن طريق سكرتيرتها التي كانت تترجم لها ما تراه وتسمعه بالدق بأصابعها ما بين الإبهام والسبابة لكف “هيلين” اليسري، وعن طريق لغة الأصابع تمكنت تلك الكاتبة العبقرية أن تبهر العالم بمؤلفاتها الكثيرة التي من أشهرها وأكثرها توزيعا في العالم وبعدة لغات : ” قصة حياتي – تفاؤل – الدنيا التي أعيش فيها – أغنية الجدار الحجري – بعيدًا عن الظلام – إيماني – في منتصف التيار- الجزء الثاني من حياتي – الحب والسلام – هيلين كيلر في أسكتلندا – فلنؤمن” وبعد ذيوع شهرتها قررت الكاتبة الكفيفة الصماء الخرساء أن تطوف العالم لتدعو لمعاونة مكفوفي البصر، وكانت مصر من أهم المحطات التي اختارتها، ود. طه حسين من أبرز الشخصيات التي سمعت عنها وحرصت علي لقائها، فهو مثلها، قهر الظلام وتحدي الإعاقة وتمرد علي العقليات الرجعية، ونال بعلمه منصب وزير المعارف، وعمادة الأدب العربي، كان اللقاء بينهما يجسد التقاء الشرق بالغرب، في هذا اللقاء كان الدكتور طه حسين بلغ 62 عاماً، أما ” هيلين” فكان عمرها 72 عامًا.. وفي بداية اللقاء مد د. طه حسين يده إليها في اتجاه حركتها باستخدام بوصلة أذنيه اللتين لا تخطئان، وبحركة مترددة مدت أناملها إلي وجهه وراحت تتحسسه في نهم كمن تريد أن تتعرف علي صاحب هذه الملامح بنفسها، فارتبك د. طه حسين مُبتسماً وسأل سكرتيرتها: ” هل أضع النظارة.. أم….؟”

ردت عليه السكرتيرة هامسة: “لا اتركها كما هي، فهي إنما تتحسس كما تلمس الفراشة زهرة ربيع.. إن مشاعر أناملها كالنسمة!!”

تركها د. طه حسين تفعل ما تريد ثم جلسا يحدث كل منهما الآخر عن نفسه وعن أعماله، وعن رسالته، ويبدي كل منهما إعجابه بالآخر في انبهار، إنه لقاء يصعب تكراره بين قمتين شامختين قل أن يجود الزمان بمثلهما أبدًا، وكان الدكتور طه حسين باشا قد توجه إلي فندق سميراميس لمقابلة الكاتبة الامريكية ذائعة الصيت ” الدكتورة هيلين كيلر” بصحبة السيدة قرينته ونجله الدكتور مؤنس طه حسين الذي تولي ترجمة ما يدلي به والده من إجابات باللغة الفرنسية إلي اللغة الانجليزية التي تجيدها سكرتيرة “هيلين كيلر”، وكان اللقاء بينهما حارا، فقد رحب كل منهما بالآخر ترحيبا بالغا وبدأ الدكتور طه حسين باشا الحديث قائلا انه كان يود مقابلة الدكتورة ” هيلين ” منذ زمن بعيد، وطلبت الدكتورة “هيلين كيلر” من طه حسين باشا ان يذكر لها الكتب التي ألفها والتي ترجمت إلي اللغة الانجليزية، فقال لها د. طه حسين انه امضي شطرا كبيرا من حياته يدرس تاريخ حياة الفيلسوف الكفيف “ابي العلاء المعري”، ثم قال ان دراسته للفلسفة الاغريقية والعربية والهندية ساعدته كثيرا في التغلب علي الصعاب التي كانت تواجهه في مبدأ حياته، وامتد الحوار التاريخي بين د. طه حسين والكاتبة الامريكية هيلين كيلر لما يزيد علي نصف ساعة في موضوعات شتي، وفي نهاية الزيارة رحب الدكتور طه حسين بها متمنيا لها طيب اللقاء، وأخبرته سكرتيرتها أنها ترد له الترحيب بأن تراه مرة أخري في الولايات المتحدة الأمريكية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى