فرنسا تكشف وثائق تاريخية تتهم بوتفليقة باغتيال كريم بلقاسم والانقلاب على ابن بلة

 

نشر الموقع الفرنسي الإخباري «لونوفيل أوبسرفاتور» يوم 26 فبراير (شباط) تقريرًا صحفيًا عن وثائق سرية كشف عنها الأرشيف الفرنسي مؤخرًا للصحيفة، بما في ذلك تقارير من أجهزة المخابرات السرية التي تصف وزير الخارجية الجزائري السابق «بشخصية لا ضمير لها» و«مكيافيلي مشبوه مع نفسه وفاسد»، وتشير الصحيفة إلى أنّ الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة كان يسعى إلى عهدةٍ رئاسية خامسةٍ، قبل ان يعدل عن ذلك منذ يومين.

ويضيف التقرير أنه في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، كان بوتفليقة واحدًا من أبرز الشخصيات على الساحة الدولية، المعرّضة للتجسس. خصوصًا من قبل أجهزة المخابرات والدبلوماسيين الفرنسيين، الذين كتبوا وجمعوا ملفاتٍ ثقيلة عن الرجل، رفع الكثير من تلك التقارير إلى بند السرية بناءً على طلب الإدارة الفرنسية.

وتصوّر تقارير «SDECE» -هي المسمى السابق لـ«DGSE» مديرية الأمة للأمن الخارجي الفرنسي- بوتفليقة أيضًا على أنه «رجل كل المؤامرات»، ويذهب إلى أبعد من ذلك ليقدمه كمحرض للانقلاب. دولة هواري بومدين ضد الرئيس أحمد بن بلة في يونيو/حزيران 1965 .

حرّض بومدين على الانقلاب على ابن بلّة

وفقًا لتقارير مختلفة أعدتها كلٌ من «وكالة الاستخبارات العسكرية الفرنسية» والسفارة الفرنسية في الجزائر، أحسّ الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الذي كان يشغل سنة 1963 منصب وزير الخارجية؛ أنّ بقاءه على رأس الدبلوماسية الجزائرية في خطر خصوصًا بعد أن شعر بابتعاده عن بلة، وكذا إطاحة ابن بلة بمدير ديوانه عبد اللطيف رحال الذي كان مقربًا من بوتفليقة.

ووفقًا لصحيفة «لونوفيل أوبسرفاتور» كان هذا دافعًا لتحرك بوتفليقة رفقة رئيس قيادة الأركان العقيد هواري بومدين للانقلاب على بن بلة، وتضيف الصحيفة فتقول إن «في السلطة الجزائرية الملتوية، عبد العزيز بوتفليقة (نجح) في القضاء على جميع خصومه». ووفقًا لوثائق وزارة الخارجية الفرنسية المسربة، تمكن عبد العزيز بوتفليقة ووزير الداخلية السابق أحمد مدغري من عزل زوجة الرئيس بومدين.

ويفصل تقرير «لونوفيل أوبسرفاتور» في كيفية تخلص بوتفليقة من أنيسة بومدين؛ فيذكر أنّ بوتفليقة استعان بشبكته الدبلوماسية، وخاصة تلك الموجودة في باريس، ويكشف تقريرٌ لوزارة الخارجية الفرنسية أن بوتفليقة رفقة شبكته الدبلوماسية «شارك السيدة أنيسة بومدين في اقتناء مشتريات مشكوكٍ فيها، كما تمّ إرسال فواتير شراء مجوهرات في باريس عبر السفارة الجزائرية في باريس»، وهو ما أقرته التقارير الفرنسية في ذلك الوقت.

بوتفليقة وراء اغتيال عدّة شخصيات سياسية

وتذهب الوثائق التي تم كشفها إلى حد اتهام عبد العزيز بوتفليقة بأنّه وراء اغتيالات سياسية معينة حدثت في السبعينيات من القرن الماضي، مثل حادثة الاغتيال التي تعرّض لها الزعيم التاريخي كريم بلقاسم، الذي قُتل عام 1970 في ألمانيا.

تعود «لونوفيل أوبسرفاتور» في تقريرها وتقول إنه في مرحلة معينة من تاريخ الدولة الجزائرية الشابة، كان عبد العزيز بوتفليقة يُنظر إليه على أنه حليف محتملٌ، والذي استمرّ «مثل كل الجزائريين باعتبار الجزائر ابنة روحية لفرنسا» والذي انتهى به المطاف إلى معاملة الرئيس الكوبي فيديل كاسترو بـ«غضبٍ»، حسب قول الوزير السابق لويس دي غويرنغود.

وذكرت مذكرة «SDECE» في سبتمبر 1965: «لقد أفسح الشاب الأحمق في الماضي الطريق أمام سياسي يؤمن حقًا بالتعاون بين بلاده وفرنسا. (…) لقد تطور بوتفليقة بشكلٍ كبير». وتضيف الصحيفة أنّه في هذا الوقت وضع هواري بومدين بوتفليقة تحت المراقبة لمسألة أخلاقية. إذ كانت سمعة رئيس الدبلوماسية المغرر به سيئة، حسب المصادر نفسها.

بوتفليقة الخاسر الوحيد في 1979

تُشير «لونوفيل أوبسرفاتور» إلى أنّ الدوائر الدبلوماسية الفرنسية والأجهزة الاستخباراتية التابعة لها كانت على درايةٍ بأنّ بوتفليقة سينتهي عند وفاة الرئيس هواري بومدين في ديسمبر (كانون الأول) 1978، واصفةً إياه بأنه «الرجل الوحيد المهزوم من المرحلة الانتقالية».

ويرى التقرير الصحفي أنّ بوتفليقة الذي كان يرى نفسه خليفةً شرعيًا لملهمه بومدين لن تتم إزاحته فقط من الرئاسة، ولكن خلال بضعة أشهر سيعزل من أي وظيفة سياسية، ليختار المنفى في سويسرا. لم يكن المنفى الخيبة الوحيدة في مسار بوتفليقة؛ إذ يضيف التقرير أنّه بعد بضع سنوات قليلة، وبالضبط في عام 1983، يواجه بوتفليقة محكمة الحسابات الجزائرية بتهمة اختلاس مبالغ مالية كبيرة من فوائض الميزانية للسفارات.

الرئيس بوتفليقة في مايو (أيار) 2017

وتشير الصحيفة أنّ الإدارة الفرنسية لم تشكك في هذه الاتهامات الموجهة لبوتفليقة، رغم نفيه لها، بل على العكس تمامًا، بدا أنهم يؤكدونها، ويقدمونها على أنها «رادع كبير». وقالت في برقية مؤرخة في 17 مايو (أيار) 1983، أعلنت فيها عن إدانته الأولى «إن فساد بوتفليقة كان سيئ السمعة». وتبرر «لونوفيل أوبسرفاتور» سبب عدم كشف تلك الوثائق، أنّه لم يكن لدى واضعي كل هذه المذكرات والمسؤولين السياسيين والدبلوماسيين الفرنسيين أي فكرةٍ بأن بوتفليقة سيعود إلى السلطة ليحتل المنصب الأعلى لمدة عشرين عامًا.

وتختم الصحيفة تقريرها بالتساؤل عن الوقت الذي سرّبت فيه وثائق الأرشيف السري الخاصة ببوتفليقة والتي تأتي في وقتٍ كان يتقدم فيه بوتفليقة لعهدةٍ خامسة قبل تراجعه ؟ ومن الواضح أن الصحيفة كانت تعتقد أنه لن يتمكن من المضي في الترشح، خاصة وأن هذه «التسريبات» جاءت في أعقاب المظاهرات الشعبية التي جرت في 22 فبراير (شباط) الجاري والتي طالبت بوتفليقة بالعدول عن الترشح لحكم البلاد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى