مناشدة “اخوان سوريا” لاردوغان بالسيطرة على شمال وطنهم تثير غضبة حلفائهم بالمعارضة

 

صدمة كبيرة، وجدل واسع، واتهامات متبادلة، في أوساط الناشطين السوريين، فجرها بيان جماعة “الاخوان المسلمين” في سوريا، الذي صدر مؤخراً مطالباً الرئيس التركي رجب طيب اردوغان بفرض سيطرة تركية على المنطقة الآمنة التي كثر الحديث في الآونة الأخيرة في شمال سوريا، حيث أكد بيان جماعة الاخوان أن المنطقة الآمنة لن تكون آمنة إذا أسند أمر رعايتها إلى أي فريق من الفرقاء الذين كانوا السبب في قتل السوريين وتهجيرهم وإثارة الرعب والذعر في قلوب أطفالهم ونسائهم، وتوجه البيان إلى اردوغان مناشداً: “المنطقة الأمنة بغير رعايتكم الإنسانية الحكيمة والكريمة لن تكون آمنة”.

بيان الجماعة الذي حمل عنوان “دور الجار التركي المأمول بين الحق والواجب” وصدر بتاريخ 28/2/2019 أكد أيضاً أن مشروع المنطقة الآمنة “الذي رفضه أو ماطل في تمريره الأمريكي والروسي وكل الأشياع، محل اتفاق دولي في ظاهره ونقطة إثارة ونزاع يحاول كل الذين استفادوا من قتل وتهجير السوريين تفريغه من معناه”.

وأضاف بيان الجماعة “نتوجه إلى جوارنا التاريخي الجيوسياسي في تركية.. وإلى الرئيس رجب طيب أردوغان …أن يمضوا على طريقتهم في نصرتهم لشعب مظلوم مخذول أطبقت عليه قوى الشر العالمي وما تزال تلاحقه بشرها ومكرها وكيدها حلقة بعد حلقة”.

ارتدادات البيان كانت مزلزلة، حيث وجه ناشطون ومعارضون سياسيون سوريون اتهامات وادانات لجماعة الاخوان، حيث قال الكاتب والمعارض السوري ياسين الحاج صالح في مقاله المنشور في موقع الجمهورية بعنوان “وهم «الإخوان» السوريين المضاعف” بتاريخ 4/3/2019: “يسجل بيان الإخوان الطابعَ المضاعف لأوهام الإسلاميين السوريين: لا يتعلق الأمر بتبعية لدولة أخرى، بل بتبعية لدولة قومية، توسّعية مثل أي دولة قومية”.

وأكد الحاج صالح أن بيان الإخوان يندرج في سياق تحولات بعيدة الأمد وخطيرة العواقب في الإسلامية السورية، يوحدها نزع وطنيتها والتحاقها بتركيا”.

وشدد الحاج صالح على أن “درس ثورة الكرامة بعد ثماني سنوات يقول: إن خسرنا الكرامة، خسرنا كل شيء حتى وإن لم نخسر شيئاً، وإن لم نخسر الكرامة، فسوف نسـتأنف الصراع بعد حين بقوة متجددة، حتى وإن خسرنا كل شيء غيرها.

اما رئيس الأمانة العامة السابق في “إعلان دمشق للتغيير الديمقراطي”، المعارض سمير نشار قال في منشور له على صحفته في موقع فيسبوك إن موقف الاخوان المسلمين الذي عبر عنه البيان ليس مستغرباً “لأن تحالفهم مع حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا الاسلامي الطابع له الاولوية على وحدة السوريين وبغض النظر عن الموقف من الـ “ب ي د”.

وألمح نشار في منشوره إلى أن هذه المناشدة من قبل جماعة الاخوان لتركيا لا تلحظ عامل المصالح في السياسة، مؤكداً أن “الدول ليست جمعيات خيرية وإنما تعمل وفق سياسة تخدم مصالحها ومتى تغيرت المصلحة تتغير السياسة وتركيا تعمل على هذا المبدأ مثلها مثل أي دولة أخرى”.

وفي معرض تفنيده لبيان الجماعة أكد نشار أن “الهدف من إنشاء المنطقة الآمنة قبل ست سنوات كان حماية المدنيين السوريين الذين يهربون من القصف الوحشي والبراميل المتفجرة، وهو غير الهدف الحالي من إنشاء المنطقة الامنة في شرق الفرات، وأضاف نشار إن الهدف الحالي مختلف عليه “بين تركيا التي تريدها للقضاء على الـ ب ي د وبين الأمريكان الذين يريدونها منطقة فاصلة بين الاتراك والـ ب ي د، وفي الحالتين لاعلاقة لأكثرية السوريين بالمنطقة الامنة التي سوف تزيد الشرخ بين المكون العربي والمكون الكردي ضمن النسيج الوطني السوري وهذا سوف يترك تداعيات خطيرة مستقبلا على وحدة السوريين”.

ومن جانبه قال الكاتب والمعارض السوري عماد غليون : إن بيان الإخوان المسلمين الأخير جاء صادماً بتوقيته وموضوعه وحتى في أسلوب صياغته.

وأضاف غليون: “الكارثة أن يهدر الإخوان في بيان صريح كرامة السوريين بشكل فاضح عبر مناشدتهم التي وصلت حد الرجاء والتملق للرئيس التركي أردوغان بالدخول وإقامة منطقة آمنة كما يزعمون”.

وعن رأيه في أسباب صدور هذا البيان، قال غليون: “يشعر الإخوان بفقدان كافة أوراق القوة لديهم بعد أن فرّطوا بالمؤسسات الثورية السياسية والعسكرية وأضاعوها بسبب لهاثهم وراء مصالح فئوية حزبية ضيقة بشكل أدى لتفتت وضعف هيئات المعارضة وخروجها من معادلة القوة والقرار السوري، ويتحمل الاخوان المسؤولية الرئيسية في ذلك”.

وأكد غليون: “من المعيب أن نشهد مثل هذه الدعوة لدخول قوات أجنبية من جماعة الإخوان في هذا التوقيت الحساس والحرج من الأحداث قي سورية، حيث يبدو ذلك التصرف فئوياً بحتاً، ويعطي المبرر والذريعة والشرعية لنظام الأسد في استجلايه قوى محتلة هو الآخر، ويسقط حجج القوى الثورية باستقلاليتها وكل ذلك بسبب اعتقاد الاخوان وأوهامهم بأن مثل تلك المنطقة الأمنة قد تكون بوابة ومدخلاً لسيطرتهم على جزء من الأراضي السورية وتحقيق حلم فئوي ضيق لديهم بالحكم، ولو جاء ذلك باستقواء خارجي لا وطني ويتجاوز كل القوى الوطنية الثورية الأخرى، مما يؤكد حقيقة أهداف الاخوان على الدوام.. لم تكن لصالح الثورة ولا سورية أو الشعب السوري.

وأوضح الكاتب عماد غليون أن لهاث الاخوان وراء مشروع منطقة أمنة لوحدهم يدل على نية مسبقة فئوية لا أكثر، وهو ما ينفي عنهم أي صفة ثورية سابقاً ولاحقاً.

ووصف عماد غليون سلوك الاخوان في هذا البيان بأنه “يتسم بالسذاجة والغباء السياسي الشديد، ويعكس قراءة غير صحيحة لإمكانيات تركيا في الملف السوري”، واصفاً المناورات التركية في الملف السوري بأنها كانت على الدوام بهدف “البحث عن مصالحها القومية على حساب مقايضات مكشوفة مع الروس وإيران، وبالتالي لن يلتفت الأتراك لهكذا مناشدة كرمى لعيون الاخوان او غيرهم وسيتحول الموضوع لهدر كرامة السوريين الثائرين الأحرار وتقزيم نضالهم المرير والاساءة للشهداء والمعتقلين والمهجرين”.

وأضاف غليون: إن المناطق التي تقع تحت السيطرة التركية في درع الفرات لم تتحول واحات سلام وأمان للسوريين بل مناطق وصاية، كما أن مناطق خفض التصعيد تقع تحت نيران النظام ويسقط الشهداء باستمرار دون أن يتحرك الضامن التركي”.

وأكد غليون أنه “كان الأحرى الدعوة لتضافر جهود القوى الوطنية والثورية لتحرير كامل التراب السوري من كافة قوى الاحتلال الأجنبي وتحقيق الاستقلال السوري التام وإسقاط نظام الأسد وإقامة دولة سورية تقوم على الحق والعدل والكرامة، وهذه أمور يبدو أنها لا تهم جماعة الإخوان بقدر ما تهمها مصالحها الضيقة، وهذا البيان يشكل سقوطاً إضافياً لجماعة الاخوان وخسارتها المزيد مما تبقى لها من رصيد شعبي ضئيل”.

اما الكاتب والمعارض السوري آرام كرابيت هاجم بيان الجماعة بقوة، واعتبره بيان إقرار كامل بهزيمة الثورة السورية ورفع اليد عنها، وأضاف الكاتب كرابيت: إنه إقرار آخر أن الفرقاء المشاركين في الحرب على سوريا، تركيا وإيران وروسيا والسلطة انتصروا، وهزمت سوريا، وحان وقت توزيع الغنائم بينهم”.

ورأى الكاتب آرام كرابيت أن بيان جماعة الاخوان “يدل على خروج المعارضة من المعادلة االسياسية القائمة، وأنها رهينة لجهات خارجية وتأتمر بأمرها مقابل مال سياسي رخيص”.

ووصف كرابيت البيان بأنه يدل على العجز الكامل في طرح مفهوم دولة سوريا القادمة، دولة المواطنة.

وأضاف كرابيت: “إنهم ينظرون إلى تركيا كشقيق أو أخ، وكأن السياسة ليست لعبة مصالح واستراتيجيات. وكأن تركيا ليس لها أطماع في سوريا ولديها رغبة في ضمن أجزاء منها لها.

ووصف كرابيت البيان بأنه مذل ومشبوه، “حيث لم يشر البيان إلى مطالبة مجلس الأمن والأمم المتحدة في تسوية وضع الشعب السوري في إقرار قانون يلزم بتداول السلطة وانتخابات حرة ونزيهة وترك السوريين لوحدهم في بناء دولتهم الوطنية”.

كما دافع ملهم الدروبي، العضو البارز في جماعة الاخوان عن بيان الجماعة، واعتبره موفقاً وفي وقته، حيث قال: لا يمكن مقارنة بيان جماعة الاخوان المسلمين في سورية بتصرفات بشار أسد، هذه مقارنة منقوصة مغلوطة يصطاد أصحابها بالماء العكر لأسباب باتت معروفة.

وأضاف الدروبي: “كما لايمكن مقارنة الجمهورية التركية ذات الحدود المشتركة مع سورية والتي تزيد عن 800 كم، ودورها الإيجابي في مساعدة الشعب السوري واستقبالها أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ سوري، مع إيران وروسيا الدولتين البعيدتين جغرافياً عن سورية، واللتين كان لهما الدور السلبي في إبقاء المجرم بشار الأسد في الحكم من خلال قتل الشعب السوري عسكرياً ومنع استصدار قرارات أممية في مجلس الأمن ضد الجرائم التي يرتكبها بشار وعصاباته.

وعن توقيت صدور البيان، قال الدروبي: “توقيت البيان مفهوم، المنطقة الآمنة في سورية هي حديث الساعة، وتوضيح موقف الجماعة منها هو واجب.

وأكد ملهم الدروبي أن البيان كان موفقاً، “إذ لا يمكن أن نترك البلد للروس والفرس يلتهمونه ويمزقونه وينهبون ثرواته، لا بد أن يكون هناك جهة داعمة للشعب السوري الثائر تحمي من تبقى منهم من بطش وغدر بشار وداعميه، وإن توافق هذا مع مصلحة الجمهورية التركية في حماية حدودها فليس في ذلك ضير، فالمصلحة مشتركة بيننا وبينهم”.

وختم الدروبي أن الاتهامات من قبل من يدعي الوطنية لجماعة الاخوان باللاوطنية.. لا يحتاج الرد أصلاً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى