مساعد الرئيس المعزول مرسي يعترف ان “الاخوان” لم يكونوا على مستوى المسؤولية

 

عرضت قناة الجزيرة، مساء الأحد الماضي، الفيلم الوثائقي “الساعات الأخيرة” الذي يروي تفاصيل الأيام القليلة للرئيس المصري المعزول محمد مرسي، في منصبه قبل انقلاب الجيش عليه في الـ3 من يوليو/ تموز 2013.

بُني الفيلم بالأساس على شهادة خالد القزاز، مساعد رئيس الجمهورية للشؤون الخارجية، آنذاك، الذي كان واحدًا من 9 مساعدين للرئيس مرسي، حضروا معه الساعات الأخيرة منذ الـ23 من يونيو 2013 وحتى الانقلاب العسكري، ليحكي للعالم معلومات ليست بالجديدة أبدًا، لكن من المهم أن تُوثق على لسان شاهدٍ على انهيار هذه التجربة.

هذه التفاصيل التي لا تذاع للمرة الأولى، استهلكت جُلُّها على مدار السنوات الخمسة الماضية، لكن الجديد والمهم أنها توثق على لسان أصحابها.

شكا الرئيس مرسي لخالد العطية وزير الخارجية القطري في ذلك التوقيت، من تدخل دولٍ إقليمية في الشأن المصري الداخلي، والحقيقة أن مرسي شكا السعودية والإمارات للجارة القطرية، ثُمَّ لم تُثمر هذه الشكوى عن أي شيء، لكن هذا الموقف يدفعنا للسؤال عن الإجراءات التي اتخذها مرسي لوقف هذا التدخل وحماية تجربته وحماية كُرسيِّه، بمنطق سلطوي بحت، ستجد ببساطة أنه لا شيء، حيث لم يتخذ مرسي أي إجراء لكبح هذا التدخل ولو حتى من باب التلويح.

في الـ23 من نفس الشهر، وقف السيسي واعدًا ومتوعدًا بلغةٍ غريبة، لا يجرؤ عليها سوى رجلٍ يدرك ماهية ما يخطط له، بل وأعطى (باسم القوات المسلحة) مهلةً للاتفاق، كأنه الحاكم الفعلي للبلاد، وليس مجرد وزير في حكومة، وحينما يتم الاستفسار عن هذا الخطاب فيكون الرد أن الرسالة للمعارضة وليست للرئيس، بهذه البساطة! ويمر الأمرُ مرور الكرام! رغم أنه في أعقاب هذه التصريحات، امتلأت الجرائد بتصريحات وزير الدفاع، واتسعت الصفحات لتحليل وعيد الرجل، إلا أن أحدًا في قصر الاتحادية لم يُعِر هذه القنبلة أي انتباه.

الغريب أن وزيرين في حكومة هشام قنديل ظهروا في هذا التحقيق، وكانت أحاديثهم عبارة عن “ظني أن.. في تقديري.. أعتقدنا.. فهمنا” فإذا كان وزير في هذه المرحلة الحرجة، اتخذ قرارات بناءً على الظن والتقدير دون معلومة واحدة، فماذا ترك السادة الوزراء للمحللين السياسيين؟

ورغم كُل هذه الإشارات المتكررة التي توحي على الأقل بأن شيئًا ما يحدث في الخفاء، وعبّر عن ذلك مستشارو الرئيس وحاشيته، فإن مرسي وقف في الـ26 من يونيو، ليُعلن في الخطاب الأطول على الإطلاق، أنه “عندنا رجالة زي الدهب في القوات المسلحة”، موجّهًا الحديث لمن يحاولون الوقيعة بين الجيش والرئاسة أو بين الجيش والشعب، ورغم أن العالم كله حينها رأى الجميع يضحك باستثناء السيسي، ورأى الجميع يصفق باستثناء السيسي، فإن من أوكلت لهم مهمة تسيير أمور هذا البلد لم يكونوا على درايةٍ بما يجري.

صحيح، تذكرت. فجهاز المخابرات وعلى مدار أشهر توقف عن إمداد الرئاسة بتقاريره وأغلق وزير الداخلية هاتفه في أثناء الاعتداء على قصر الاتحادية وموكب الرئيس وإصابة سائقه الشخصي، كما أن مشهد خلع بوابة القصر الرئاسي ليس عنّا ببعيد، تذكرت.

الغريب أيضًا، أن الوزير في حكومة هشام قنديل، يحيى حامد، وصف ما قام به السيسي بأنه عملية “خداع إستراتيجي” قام بها السيسي ومؤسسة الجيش، الوزير نفسه عبّر في مقابلةٍ داخل الفيلم عن أنهم فهموا أن الجيش حينما انتشر في ربوع البلاد وأمام المؤسسات الحيوية، أنه تحرك بغرض الحماية فقط، وكأن المعنيين بتسيير أمور البلاد، لم يكونوا على دراية بما تكتبه الصحف أو تتهامس به الألسُن في أروقة الوزارات عن “كُلها كم يوم ويمشوا”، الضيف الأمريكي في نفس الفيلم، وهو عضو بمجلس الأمن القومي الأمريكي في أثناء هذه الفترة، عبّر عن هذا التحرك، بأنه ضمن “الصفحات العشرة لكتاب كيف تقوم بانقلاب عسكري!” فكيف لم يلتفت إليه أحد؟!

حاولت كثيرًا أن ألتمس عُذرًا يمكن أن يُبرئ مرسي وفريقه، إلا أنني لم أستطع، فبينما كان السيسي يجلس مع الرئيس مرسي ورئيس وزرائه هشام قنديل، ظُهر الأول من يوليو، أصدرت القوات المسلحة بيانًا تُعلن فيه بشكلٍ ضمني انقلابًا على التجربة، في حال لم يصل الجميع إلى نقطة اتفاق، وهو الأمر الذي كان من المستحيل حينها في ظل حالة الاحتقان التي عمّت البلاد، إلا أن الرئيس مرسي اكتفى بتعنيف السيسي على هذا البيان، دون اتخاذ أي إجراء في ظل هذا المشهد المتوتر.

ورغم كُل الإرهاصات بأن انقلابًا يدبر بمساعدة كل الأطراف، فإنه جلس مع السيسي في اليوم التالي واتفقا على إقالة رئيس الوزراء، ثم عاد السيسي في مساء الـ2 من يوليو ليُرسل أنه “الباشا لازم يمشي”، وهنا أخيرًا أدركت الرئاسة، أن هناك انقلابًا عسكريًا يحدث، فبينما كان العالم كله يتحدث، كانت الرئاسة وكوادرها وجماعة الإخوان وكوادرها يعيشون حالةً من الإنكار غير المفهوم تجاه كُل ما يجري.

كل هذه الأحداث والتفاصيل، ألم تدفع مرسي ومساعديه ورفاقهم، على طرح عدة أسئلة على أنفسهم؟ لماذا يفاوض الجيش الجميع؟ عبد الفتاح السيسي لم يكن حينها الوزير التاريخي الذي يمكن أن يجتمع الجميع حوله بسهولة، فماذا يحدث؟ أين مكامن قوة الرئيس التي يمكن الاستناد عليها؟ أين نقاط الضعف التي يمكن تحييدها؟ لماذا تتخذ المؤسسة العسكرية موقف الانحياز لصالح الاحتجاجات؟ ما هذا الموقف المستغرب من أفراد الشرطة؟كيف يمكن الثقة في السيسي وهو يطرح نفسه كبديل للرئيس المنتخب دون انتخابات؟ لماذا لم يُسأل السيسي عن خريطة طريقه التي أعلنها في الأول من يوليو؟ أليست كل هذه التحركات تستدعي إزاحة الرجل؟ تستدعي إجراءات جذرية تحافظ على التجربة الديمقراطية؟

للأسف أكد الفيلم بلسان أصحاب التجربة، أنهم لم يكونوا على قدر المسؤولية التي أوكلها لهم الشعب، بأكثر من استحقاقٍ انتخابي، حتى منطق قبول الهزيمة لم يكُن مطروحًا على طاولتهم، فبدلًا من أن تُعلن الجماعة خروجها من المشهد، وإعادة ترتيب أوراقها استمرت دون خطة لرفض الانقلاب عسكري، وكانت منصة اعتصام رابعة خير شاهدٍ على ذلك، وإدارة كُل شيء في أعقاب الاعتصام كان دليلًا دامغًا على العشوائية التي أُدير بها المشهد، ما سبب كارثةً إنسانية كان من الممكن وبكل بساطة تلافيها.

على مدار أكثر من خمسة أعوام، فشلت الجماعة في إيجاد مخرج لمأزقها الذي طالت تأثيراته المنطقة العربية بأسرها، وفشلت في تضميد جرحها الذي كلفها أرواح الآلاف من مؤيديها بين قتيل وجريح ومعتقل ومطارد، بل إنها لم تستطع حتى الآن وبشكل مستقل أن تقدم صياغتها الخاصة المنطقية للأحداث، وأن تقدم مراجعاتها بعد سلسلةٍ من الفشل الطويل، فشلٌ أودى بحياة آلاف الأبرياء، وأسرار هذا الفشل الذريع، لا تُذاع لأول مرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى