على أرض العراق.. صراع نفوذ ساخن بين امريكا وايران

 

 

يسود المشهد العراقي خطابٌ – اغلبه شيعي- يطالب بعرض قضية إنهاء الوجود الأمريكي في البلد على البرلمان، للتصويت عليها من خلال ممثلي الشعب. مثل هذا المقترح لو لقي قبولاً، قد ينفخ في أشرعة رحيل الولايات المتحدة عن العراق، لاسيما أنّ القوى السياسية السنية لا تستطيع أن تدافع عن الوجود الأمريكي وهي التي ما برحت تصفه بالاحتلال، وب “ما بُني على باطل”.

وليس خافياً أنّ الكرد يؤيدون الوجود الأمريكي، وقد يعرضون على الولايات المتحدة اقامة قواعد لهم في إقليم كردستان العراق، ما سيعرض موازين القوى في المنطقة إلى ارتباك ظاهر. لكن هل يمكن حقا التكهن بقرارات الرئيس ترامب المفاجئة؟

انسحاب من سوريا وتركيز في العراق!

قبل أيام زار وزير الدفاع الأميركي بالوكالة باتريك شاناهان العراق وسعى إلى “طمأنة المسؤولين في بغداد حيال مستقبل القوات الأميركية في العراق، بعد الانسحاب من سوريا وإعلان دونالد ترامب رغبته بـ”مراقبة إيران” من العراق”، حسبما نقلت وكالة الأنباء الفرنسية. وهكذا فإنّ الانسحاب الأمريكي المفاجئ من الجبهة التي تحارب التنظيمات الإرهابية الإسلامية المتطرفة في سوريا، سيخلق شكوكاً لدى حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة في مدى جدية وجدوى تحالفهم مع الحليف الأمريكي المتقلب!

والحقيقة أنّ إعلان الرئيس الأميركي ترامب نيته البقاء في العراق بهدف “مراقبة إيران” قد اثار استياء الأحزاب الشيعية في بغداد، لاسيما أنّ كثيراً منها تدين علناً بالولاء لإيران.

وقبل أكثر من شهر طلبت الإدارة الأمريكية  من رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي موقفاً واضحاً بشأن قائمة تضم سبعة وستين تنظيماً مسلحاً شيعياً تنشط في البلد، يقلد مقاتلو أربعين منها مذهبياً المرشد الإيراني علي خامنئي، ما يعني أنهم يدينون له بالولاء سياسياً. رد الفعل غير المعلن جاء من الحشد الشعبي الذي يعتبر خيمة تظلّ هذه التنظيمات، فقد أغلقت مديرية أمن الحشد (خلال الأسبوع الثاني والثالث من شهر شباط/ فبراير 2018) عشرات مقرات التنظيمات التي وصفتها بأنّها “وهمية “وسط العاصمة العراقية بغداد واعتقلت عددا من منتحلي الصفة بينهم شخص يضع رتبة لواء ركن.

الحشد الشعبي وظاهرة التنظيمات الوهمية!

من جانبه نفى رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي أن تكون الإدارة الأمريكية قد سلمته قائمة بأسماء تنظيمات شيعية مسلحة، معتبراً أن مثل هذا الأمر شأن داخلي عراقي وليس للولايات المتحدة الأمريكية أن تتدخل فيه، وفي هذا السياق أعتبر الصحفي صادق الطائي الكاتب في صحيفة القدس العربي في حوار مع DW أنّ التسريب ربما جاء من فصائل كبرى من الحشد تسعى إلى تقليل عدد التنظيمات المشاركة في الحشد بعد انتهاء الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية : “هناك صراعات بين القوى السياسية في العراق تجري منذ خمسة عشر عاماً، وممكن أن تلجأ بعض منها إلى تسريب معلومات إلى الإعلام كمقدمة لتصفية فصائل أخرى بسبب التنافس القائم على النفوذ وعلى السلاح وعلى المال، وفي هذه الحالة فإنّ هذا أمر ممكن، وأتوقع أن جزءاً من هذا السيناريو حقيقي بالفعل”.

ولو تأمل المراقب تطورات المشهد العراقي، فسيجد أنّ الولايات المتحدة الأمريكية وبعد عام 2003 قد قامت بإنشاء جيش عراقي جديد بعد انحلال الجيش السابق، ووصل عدد الفرق المقاتلة إلى ثمانِ فرق (80 ألف عسكري) من بينها ما عُرف بالفرقة الذهبية. لكنّ هذا الجيش الذي أنفق العراق مليارات الدولارات لإقامته، إنهار في أول مواجهة مع تنظيم “داعش” عام 2014، وتشتت جنوده، واستولى التنظيم الإرهابي على أسلحته ومهماته ومعداته وآلياته ودباباته ومدافعه.

حشد شعبي تدعمه إيران وجيش تدعمه أمريكا!

وعانى البلد من فراغٍ عسكري خطير، فشكّلت الأحزاب والقوى السياسية الحاكمة بشكل سريع تنظيماً مسلحاً دعمته فتوى جهادية من المرجع الشيعي الأعلى “علي السيستاني”، وبات يطلق على هذا التنظيم “الحشد الشعبي”، وقد وصفه الصحفي صادق الطائي بأنّه” نسخة عراقية تقلّد تنظيم الحرس الثوري الإيراني (المعروف بباسداران)، والذي اقيم عام 1979 بسبب عدم ثقة الطبقة السياسية الإيرانية التي وصلت الى السلطة آنذاك بالقوات المسلحة التي كان ولاؤها محسوماً لشاه إيران”.

حسم الحشد الشعبي الذي ضم عشرات المجاميع المسلحة أغلبها شيعية، المعركة بالنصر على تنظيم داعش الإرهابي في عام 2017 بتحرير مدينة الموصل التي كانت عاصمة ما عرف ب”دولة الخلافة الإسلامية”، وبات هو القوة الموجودة على الأرض، وهذا يعني أنّ المشروع الأمريكي العسكري في العراق قد تراجع أمام مشروع مسلح إيراني الولاء.

لكن تطورات المشهد السياسي في العراق لا زالت غير واضحة، ولا زالت وزارتا الدفاع والداخلية بلا وزراء، كما يقف رئيس الحكومة عادل عبد المهدي المستقل في وضع لا يحسد عليه، حيث تتجاذبه المطالب الإيرانية المدعومة بقطاع عريض من الأحزاب الشيعية العراقية من جانب، مقابل مطالب أمريكية متشددة لكنها تفتقر إلى دعم قوى سياسية عراقية من جانب آخر. وحول هذا الوضع علّق الكاتب صادق الطائي بالقول “عندما كانت الولايات المتحدة موجودة على الأرض (في العراق) بعديدها الكبير الذي وصل إلى 150 ألف مقاتل، لم يكن الحديث عن نفوذ إيراني على الأرض قائماً، وقد فرضت الولايات المتحدة سطوتها في ذلك الوقت “ومضى إلى القول “النفوذ الايراني ولد في العراق بعد انسحاب القوات الأمريكية منه عام 2011 وفق المعاهد الاستراتيجية”.

ويتفاقم الوضع بمساعي الإدارة الامريكية لتقوية الحصار على إيران، وقد وصف نائب الرئيس الأميركي مايك بنس في كلمة أمام مؤتمر الشرق الأوسط في العاصمة البولندية وارشو ،يوم الخميس الماضي، إيران بأنها التهديد الأكبر لمستقبل الشرق الأوسط، مضيفا أن الجمهورية الإسلامية هي “الراعي الأول للإرهاب في العالم”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى