يطفو الآن على سطح العلاقات بين تركيا و”إخوان” مصر هذا الاوان توتر شديد بسبب ترحيل شخص مصري محسوب على جماعة الإخوان المسلمين من مطار إسطنبول، وإعادته للقاهرة ليلاقي حكمًا سابقًا بالإعدام، لكن هذه ليست المرة الأولى التي تخضع فيها علاقات تركيا مع الجماعة إلى الجدل والتقييمات المتفاوتة.
فعلاقة الطرفين، كما يقول معهد كارنيجي الأمريكي للدراسات، علاقات وظيفية محكومة لجيوبوليتك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وما يعتريها من تقلّب في المصالح السياسية والأولويات.
القصة الحالية، التي يحاول كلاهما، تركيا والإخوان، التقليل من أهميتها، تتعلق بشاب مصري اسمه محمد عبد الحفيظ حسين، محكوم في مصر غيابيًا بالإعدام في قضية اغتيال النائب العام المصري السابق هشام بركات.
محمد حسين، البالغ من العمر 29 عامًا، وصل مطار أتاتورك بإسطنبول في الساعة الثامنة صباحًا يوم 16 يناير/ كانون الثاني بجواز سفر مصري قادمًا من العاصمة الصومالية مقديشو التي كان هرب إليها بعد اتهامه بالمشاركة في جريمة اغتيال النائب العام المصري.
كان الشاب يحمل معه أسماء قيادات من الإخوان المسلمين المقيمين في تركيا بتوصيات أن يتصل معهم ليسهلوا له الدخول والإقامة، لكن الذي حصل هو أن السلطات التركية رفضت دخوله بدعوى أنه يحمل تأشيرة إليكترونية غير صالحة، ثم جرى ترحيله ليس إلى مكان إقامته في الصومال، وإنما إلى القاهرة، رغم إبلاغه الأمن التركي بأنه محكوم غيابيًا بالإعدام في القاهرة.
رواية ياسين أقطاي
الحادثة كما اعترف بها، امس الثلاثاء، مستشار الرئيس التركي ياسين أقطاي، تتضمن شقين أثارا تحليلات قرأت في سياقات الحادث موقفًا سياسيًا تركيًا فيه جديد إضافي من شواهد التوتر في علاقات أنقرة مع إخوان مصر.
بيان أقطاي، يبرر ترحيل الشاب بكون التأشيرة التي يحملها غير مناسبة، وبأنه لم يطلب اللجوء السياسي، مضيفًا أن تحقيقًا سيفتح في الموضوع.
لكن خروج أقطاي للتعقيب على الحادثة جاء في ذروة جدل واسع استغرق الكثير من صفحات التواصل الاجتماعي يصف الموقف التركي بأنه تطور غير عادي في العلاقة مع الإخوان المسلمين، وأن مقتضيات هذه العلاقة كان يُفترض على الأقل أن يعاد فيها الشاب المصري إلى الصومال، وليس إلى القاهرة، حيث تبدو الخطوة وكأنها تسليم رقبة أحد الإخوان المسلمين للمشنقة.
وفي المقابل، تراشق أعضاء من الإخوان، مقيمون في تركيا، الاتهامات بخيانة زملاء لهم في التنظيم لأنهم علموا بالأمر في حينه، ولم يتصرفوا كما يُفترض. وردًّا على اتهامات بهذه القسوة، خرج من بين الإخوان من يقول إن محمد حسين لم يعد عضوًا في تنظيم الإخوان؛ لأنه التحق مع تنظيم داعش.
وفي الأثناء كان هناك على السوشيال ميديا من يستذكر أن محمد حسين ليس الوحيد في تنظيم الإخوان المسلمين الذي يلتحق بتنظيمات القاعدة وداعش؛ لأن القاعدة الفكرية واحدة في الأساس، ثمّ لأن تنظيم الإخوان تداعى وأكل بعضه إلى درجة أن الكثيرين من شبابه “كفروا” به والتحقوا بالميليشيات الجهادية المسلّحة.
صراعات المنابر والفساد الداخلي
موضوع تداعي تنظيم الإخوان وتحديدًا في تركيا، ليس جديدًا؛ فالكثير من إخوان مصر الذين هربوا بعد سقوط نظام محمد مرسي العام 2013، توجهوا إلى تركيا، ومنهم مثل، محمود حسين، وباسم الخفاجي، مئات اشتغلوا بالإعلام ومنحتهم تركيا تراخيص قنوات تلفزيونية لا تزال ثلاث منها تبّث في ظروف عمل داخلية تنزّ بالفضائح والدعاوى المتبادلة: هي قنوات “مكملين” و “الشرق” و “وطن”. الأخيرة تمثل الإخوان بشكل رسمي، فيما قناة الشرق يديرها المعارض الهارب أيمن نور الذي ارتاد المحاكم مرارًا بسبب دعاوى الفساد المالي والفصل التعسفي للموظفين. أما قناة مكملين فإن إداراتها تزعم أنها مستقلة عن أي حزب وجماعة.
رابطة الإعلاميين المصريين بالخارج
وفي نفس مُربّع التوظيف التركي للإخوان المسلمين ولمعارضي النظام المصري فقد رعت إدارة الرئيس أردوغان عملية تشكيل ما سمي بـ”رابطة الإعلاميين المصريين بالخارج”، وفي موازاتها رابطة أخرى دولية للإعلاميين كان يشارك في تأسيسها وقيادتها الصحفي السعودي جمال خاشقجي لتكون منبرًا للإسلام السياسي ومروّجًا له في الشرق الأوسط بقيادة أردوغان.
تقديرات المحللين الذين رأوا في قصة محمد حسين حفرة انكشفت، في علاقة أردوغان مع الإخوان المسلمين، تستذكر هذه التقديرات حقيقة معروفة وهي أن أردوغان استخدم الإخوان، طويلًا، كجزء تعبوي وترويجي لمشروعه في الإسلام السياسي، والإخوان كانوا دومًا يعرفون ذلك ويحاولون تقاسم الأهداف والوسائل.
ما الذي استجدّ؟
كان لافتًا أن عملية ترحيل الشاب المصري محمد عبد الحفيظ حسين إلى القاهرة ليواجه حكم الإعدام على خلفية عضويته بتنظيم الإخوان المسلمين وشبكاته الإرهابية، جاءت في توقيت تشهد فيه استراتيجية أردوغان بالمنطقة انعطافات مفتوحة السيناريوهات.
فللمرة الأولى منذ سبع سنوات يعترف أردوغان أن لديه شبكة علاقات مكتومة مع نظام الرئيس السوري، وأن مرجعيتهما معًا هي اتفاقية أضنة.
هذا الاعتراف جاء مرفقًا بتسريبات إعلامية، يجري نفيها، عن إعادة تنشيط العلاقات بين تركيا وإسرائيل، في سياق الترتيبات الجارية بشأن مستقبل غزة، وكذلك الترتيبات متعددة الأطراف لاستثمار حقول الغاز الضخمة على الشواطئ الشرقية للبحر المتوسط، ابتداء من المياه المصرية وانتهاء بمياه الشطر التركي من قبرص. وفي هذا المشروع الإقليمي الذي يعول عليه أردوغان، فإن المقر والمرجعية هي مصر.