الشركات الاوروبية تصدر للشرق الاوسط السجائر المحظور بيعها في دول الغرب

 

كل يوم تترسخ حقائق الأمور، المجتمعات النامية تعيش في مجاهل القرون الوسطى بسبب نقص الوعي وشح المعلومات وتقصير الحكومات في حق شعوبها، بدرجة تقترب من أعلى مراتب الخيانة، وما تكشف خلال الأسابيع الماضية من معلومات عن استخدام الشرق الأوسط كمستودع لـ”السجائر” المحظورة في أوروبا، التي تسوق بكثافة في القارة الإفريقية تحديدًا لإنقاذ الصناعة من الانهيار أوضح دليل على ذلك.

سجائر سويسرية محظورة

ليس دولة عربية ولا إفريقية هي من كشفت اللغز، بل واحدة من أهم المؤسسات السويسرية الأهلية، فضحت تفاصيل واقع مخجل ومخز، وهي منظمة “العين العمومية” التي أوضحت في تقرير مطول لها، ممارسات لا أخلاقية للشركات السويسرية الشهيرة، لتعويض انخفاض مبيعاتها في أوروبا وأمريكا الشمالية.

منتجات السجائر السويسرية في إفريقيا

وتتبع الشركات السويسرية في أسواق البلدان النامية، نظام عمل في إنتاج السجائر، وخاصة  التي تباع في إفريقيا، يجعلها أكثر سمية من تلك التي توزع في أوروبا، في ظل منظومة قوانين غربية تحاول دائمًا الحد من الوفيات المرتبطة بالتبغ، وهي إستراتيجية ناجحة للغاية وساهمت في تراجع مبيعات السجائر، مما جعل المصنعين، وفي ظل ضغط قوانين وحملات إعلامية شرسة تشير بوضوح لا لبس فيه إلى أن “التدخين يقتل”، ينقلون نشاطهم إلى البلدان النامية، وغزو أسواقها بإعلانات تستهدف الشباب والمراهقين، في ظل انعدام الوعي والحملات الشحيحة لمكافحة التدخين، إن لم تكون موجودة بالأساس.

وتصنع الشركات السويسرية، سجائر مخصصة للتصدير “خارج أوروبا” وهي مصممة لتخلق إدمانًا أكثر عبر مواد كثيفة السمية عن تلك التي تباع في البلدان الأوروبية، وحتى تضمن شركات التبغ وفرة السوق الإفريقية دائمًا، تدفع أموالاً طائلة، لمنع أي عوائق تعترض تجارتها، وخاصة في الدول الأكثر فقرًا والبعيدة نسبيًا عن أعين وكالات الأنباء العالمية مثل كينيا وأوغندا.

كما تمارس نوعًا من الابتزاز الشديد على حكومات هذه الدول، لمنعها من اتخاذ إجراءات وقائية ضد التدخين، وهي معارك لن تستطيع النجاح فيها بالقانون، وشركة مثل “فيليب موريس إنترناشونال” سبق لها أن رفعت دعوى قضائية في أورغواي، لمنع السلطة هناك من وضع تحذيرات على علب سجائرها، تنبه فيها إلى خطر شرس تمثله مثل هذه المنتجات من التبغ على الصحة، ولكنها خسرتها على الفور، ما عرضها لخسائر مادية لا يمكن تصورها.

مع تأسيس سويسرا الحديثة وفتح البلاد لقواعد السوق الحرة في بداية القرن العشرين، أدت المنافسة مع منتجي التبغ الأجانب إلى تدمير مزارع التبغ السويسرية وانخفض العائد في كانتونات فريبورغ وفود وتيسينو وفاليس وغريسونس المنتجة للتبغ

ويعتبر تقرير المؤسسة السويسرية، ضربة جديدة من مؤسسات المجتمع المدني التي تتحد مع مؤسسات الدولة والسلطات الروحية مثل الكنائس لمنع استهلاك التبغ، ويطالبون حاليًّا بتجديد القواعد الأخلاقية للمجتمع، عبر شن حملات شرسة، تمنع البشر عمومًا وليس السويسريون فقط من استهلاك التبغ.

تاريخيًا، تعرف زراعة التبغ منذ نحو 500 عام في سويسرا، وكانت دائمًا تغري الدولة بتوفير الوظائف والعائدات الضريبية المرتفعة، لدرجة أن السياسات الحكومية في نهاية عام 1590، كانت تقدم حماية خاصة لحقوق المزارعين في زراعة التبغ وتحسين أنظمة النقل لخفض تكاليفهم، واستمرت صناعة ذائعة الصيت في البلاد وانتقلت شهرتها للعالمية بحلول بداية القرن السابع عشر.

مع تأسيس سويسرا الحديثة وفتح البلاد لقواعد السوق الحرة في بداية القرن العشرين، أدت المنافسة مع منتجي التبغ الأجانب إلى تدمير مزارع التبغ السويسرية، وانخفض العائد في كانتونات فريبورغ وفود وتيسينو وفاليس وغريسونس المنتجة للتبغ، لدرجة أن الصناعة المحلية أغلقت تقريبًا في عام 1926، ولجأت الدولة إلى إعادة فتح الباب على مصراعيه لإحياء التبغ السويسري واتبعت سياسة التصنيع من أجل البقاء.

فرضت الحكومة آنذاك ضرائب أقل 50% على التبغ المزروع محليًا، وفرضت في المقابل ضرائب مرتفعة على التبغ المستورد، ليعود التبغ السويسري إلى سمعته القديمة خلال فترة الحرب العالمية الثانية، وازداد الطلب عليه بسبب تعطل الأسواق للموردين الأجانب، كما ارتفعت أقساط التأمين على شحنات التبغ المستوردة خلال الحرب بنسبة 500%.

حتى ستينيات القرن الماضي، كانت ﺳوﯾﺳرا تبطئ من اللحاق بالسياسات الأوروبية الجديدة لمكافحة التدخين، خوفًا من تأثير مثل هذه السياسات على فقدان الوظائف والإيرادات الضريبية والفوائد التي تتمتع بها الاقتصادات المحلية، ولكن بمرور الوقت، اشتدت حملات المجتمع المدني، ما أجبر الدولة على حظر الإعلان عن التبغ بداية من عام 1976، كما حظرت توزيع عينات مجانية في المباريات الرياضية أو الحفلات الموسيقية التي يحتمل أن يحضرها الشباب تحت سن 18 عامًا.  في المقابل، كانت هناك محاولات شرسة من الشركات لاستقطاب فئة الشباب، وعبر نفس الطريقة، شنت حملات شرسة وخاصة في التسعينيات وعبر طرق ملتوية، لإقناع الرأي العام، أن الحظر سيزيد من سعر الصحف والمجلات، بجانب أنه انتهاك خطير لتقييد حق المواطنين في حرية التعبير، وهي من أهم المقدسات التي يضعف المجتمع الأوروبي أمام مجرد التلويح بها.

أغرب إعلانات السجائر

من التسعينيات وحتى عام 2013، نجحت شركات التبغ العملاقة، وخاصة شركات “فيليب موريس” و”البريطانية الأمريكية للتبغ” و”اليابان توباكو إنترناشيونال” في تسويق جماعات الضغط، للعب على مصالح الفنادق والمطاعم والمقاهي، للتوحد معها ضد أي سياسة حكومية تقيدها، ونجحت بالفعل في تقييد أداء الحكومات الفيدرالية، لتنظيم عملية صناعة التبغ.

لم تستسلم منظمات المجتمع المدني والصحافة، ونجحت الحملات المكثفة في إجبار الحكومة منذ عام 2013، على شن حملة شرسة تجاه شركات التبغ، ورفعت من خلالها الضرائب على الصناعة، بضريبة سعرية محددة تبلغ 118.32 فرنك سويسري لكل 1000 سيجارة، وضريبة قيمة تبلغ 25% من سعر البيع بالتجزئة.

كما اتبعت السلطة سياسات متشددة لمصادرة السجائر خلال الفحص الروتيني، للتأكد من امتثال شركات التبغ للتعليمات، ومع هذه السياسات التعجيزية والمتبعة بشراسة أكبر في جميع البلدان الأوروبية، انخفضت نسبة المبيعات للنصف، في بلد كان حتى سنوات قليلة ماضية، يصنف الـ15 في قائمة أكبر مصدري السجائر في العالم، وكان من أهم الموارد الثابتة للاقتصاد السويسري.

السوق الإفريقية والتجارة الحرام

لجأت الشركات السويسرية إلى حيل شيطانية لإنقاذ تجارتها من الضياع، وعبر السوق الإفريقية، ولتعويض الخسائر، سوقت بضائعها بمواد أقل تكلفة وأكثر إدمانًا وسمية من تلك التي تباع في أوروبا، بحسب الأبحاث التي أجريت في سويسرا، وليس في البلدان المستوردة، من المؤسسات التي تلاحق الصناعة وتعاديها.

وأثبتت التحاليل أن عينة من سيجارة وينستون على سبيل المثال، بها ما يزيد على 16.31 ملليغرام من الجسيمات الكاملة لكل سيجارة، بينما تحتوى على 10.5 فقط للسجائر التي تنتجها ونستون لعملائها في العاصمة لوزان، من حيث مستويات النيكوتين، بجانب 1.28 ميليغرام لكل سيجارة مقارنة مقابل 0.75 ميليغرام للمواد المستخدمة في صناعة الفلاتر، التي تمنع أول أكسيد الكربون من تقليل كمية الأكسجين في الدم.

ولا يقف الحال في بلع هذه الخديعة على الدول الإفريقية الفقيرة والمتراجعة في نسب التعليم والثقافة مثل كينيا وتنزانيا، بل تقع دول إفريقية عربية كبيرة  في نفس المصيدة، وتفترسها الدعائيات الذهنية عن سويسرا صاحبة الماركات الشهيرة في الدخان، فيستورد بلد مثل “المغرب” على سبيل المثال نحو 55% من السجائر المستهلكة في السوق من سويسرا.

وبحسب التحقيقات التي تجريها منظمات المجتمع المدني السويسرية، يعتمد موظفو الجمارك في البلدان الإفريقية على طريقة بدائية في تفتيش البضائع، حيث يقومون بفتح حاويات واختيار عينة عشوائية، للتأكد من أن الشحنة تتوافق مع الإعلان المقدم مع فحص التفاصيل المتعلقة  بدفع الضرائب، بينما تنعدم تقريبًا أي تدابير إضافية لمراقبة مكونات السجائر أو مستوى سميتها، وهل هي نفس النسب المستخدمة في البلدان المصنعة فيها أم لا!

إحصاءات عالمية لزبائن الدخان

تكشف الإحصاءات الحديثة لمنظمة الصحة العالمية، أن نحو 80% من المدخنين وأهم زبائن شركات التبغ من البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، وخاصة إفريقيا التي يعيش فيها نحو 77 مليون مدخن، أي ما يقارب 6.5% من سكان القارة، وتتوقع المنظمة زيادة هذه المعدلات بحلول عام 2025 إلى 40%، ليضاعف حتمًا من عدد الوفيات في القارة بحلول عام 2030، بما يضع التدخين بهذه المناطق، في عرف منظمة الصحة على درجة “وباء”.

في المقابل، تتبع أوروبا إستراتيجيات ناجحة على مدى السنوات الـ20 الماضية، ساهمت في انخفاض مبيعات التبغ بنسبة 38% بفضل الحملات الوقائية والزيادات في الأسعار التي أجبرت المنتجين على إنتاج تبغ منخفض المخاطر ويزود المستهلكين بنيكوتين غير ضار، وهي سياسات مكلفة، تجعل الشركات الأوروبية تتجه للأسواق الإفريقية والشرق الأوسطية التي تفتقر حكوماتها للموارد اللازمة لتطبيق سياسات صحية استباقية، والوعي والشفافية التي تقف حائلاً في أي مجتمع متحضر، أمام خطر هذه الشركات وسياساتها الشيطانية.

إعلان بريطاني قوي لمكافحة التدخين

وتستخدم الشركات حملات إعلانية لجذب الشباب إلى السجائر، في كينيا وأوغندا، وهي ممارسات كشفتها صحيفة الجارديان البريطانية بجانب الضغط على حكومتي البلدين، لمنعهما من اتخاذ إجراءات وقائية ضد التبغ، في كينيا، وهو ما تنبه له مؤخرًا تحالف المنظمات غير الحكومية المعروف بـ”KETCA ” أوغندا، وقدم شكوى لأعلى المؤسسات القضائية، للتأكيد أن الرسائل المصاحبة للمنتج ضعيفة والتغليف العادي دون رسائل حاسمة عن خطر السجائر، لم يسهم في انخفاض المبيعات، وهو تلاعب مفضوح، تساهم فيه الحكومة والضحية في النهاية إنسان ضعيف الوعي والإرادة، أوقعه حظه السيء تحت سيطرة حكومات، لا تعرف شيئًا عن النزاهة والضمير والأمانة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى