استهدافات استراتيجية الخنق الاقتصادي الأمريكي لسورية

تُعَدُّ العقوبات الاقتصادية إحدى أدوات السياسة الاقتصادية  الدولية الرامية إلى تحقيق أهداف اقتصادية وسياسية واجتماعية معينة,وتندرج تحت باب العقوبات الاقتصادية العديد من الأشكال والدرجات والعقوبات الاقتصادية ..

وهي تشير إلى إجراءات تعتمد على الأدوات الاقتصادية ، تأخذ  بها الحكومات بشكل منفرد أو ثنائي أو جماعي ، أو من خلال إحدى المنظمات الإقليمية أو الدولية ، ضد الدولة أو مجموعة من الدول ذات السيادة ، بسبب انتهاك القانون الدولي أو معاهدة دولية ، وذلك في محاولة لإجبار هذه الدولة على العودة والالتزام بالأنماط المقبولة من السلوك الدولي .

تتمظهر العقوبات الاقتصادية في الأشكال التالية ، حسب درجة شدتها .

أ – المقاطعة الاقتصادية Economic Boycott  يقصد بالمقاطعة الاقتصادية القيام بعمل مشترك ضد شخص أو شركة أو دولة ( أشخاص ، أو شركات ، أو دول ) من خلال خطط متناغمة للعزل المتعمد غير العنيف ، كالتعبير عن عدم الموافقة ( أو الرفض المنظم ) على تصرفات الجهة المستهدفة بهذه المقاطعة وممارسة الضغط على هذه الجهة للتوقف عن ممارساتها غير المقبولة .

ب – الحظر الاقتصادي Economic Embargo  ويشير إلى قيام حكومة الدولة الفارضة أو منظمة إقليمية أو دولية بفرض حظر على التجارة بشكل عام أو على واحد أو أكثر من جوانبها المختلفة ، على الدولة أو الدول المستهدفة بالعقوبة . ويعتبر الحظر أشد وطأة من المقاطعة ، حيث يتم تنفيذه بأمر حكومي ، ومن ثم فهو يتضمن قوة القانون ، أو يطبق بناء على قرار من سلطة عليا فوق الدول إقليمية  Super National أو دولية .

ج – القسر الاقتصادي Economic Coercion  ويقصد به وجود درجة قصوى من التقييد على مناهج العمل البديلة المتاحة أمام الدولة المستهدفة ، والناتجة عن محاولة التأثير عليها بحيث لا تجد مفراً من الانصياع لمطالب الدولة أو المنظمة الفارضة . واستخدام كلمة القسر أو الإكراه له محتوى «متعجرف» أو مستبد Imperious Connotation لإذلال الدولة المستهدفة وإجبارها على القيام بعمل لا تفضل القيام به في الأوضاع العادية ،وهو بذلك أشد درجات العقوبات الاقتصادية من حيث القوة .

ومنذ انفجار الأزمة السورية في عام2011، وبداية الحرب الكونية على سورية،تزعمت الولايات المتحدة الأميركية الحملة الدولية ضد سورية ، وحثت مجلس الأمن على إصدار العديد من القرارات ،التي تنص على فرض عقوبات اقتصادية شاملة ضدسورية ، لم يسبق لها مثيل ، وهي المرة الأولى في تاريخ الأمم المتحدة التي تصدر فيها عقوبات اقتصادية بمثل هذه الشدة والإجماع .

سورية أمام سيف قانون “سيزر” الأمريكي

فبعد الانتصارات الكبيرة العسكرية والسياسية والدبلوماسية السياسية التي حققتها الدولة الوطنية السورية خلال الأشهر الستة الماضية ،وهزيمة المشروع الاستعماري الأمريكي –الصهيوني-الخليجي-التركي،والإعلان المفاجئ للرئيس دونالد ترامب عن انسحاب القوات الأمريكية المحتلة من سورية بتاريخ 19 كانون الأول 2018،وتيقن أعداء سورية بحتمية انتصارالدولة السورية على الإرهاب،وحصول تحول في مواقف العديد من الدول  لجهة اللجوء الى سورية بهدف إعادة العلاقات المقطوعة معها،أما المعارضون الذين كانوا مُرْتَمِين في الحضن الأمريكي يحاول الكثيرون منهم التقرب من الدولة السورية وحتى الوقوف وراءها، وشعور
ميليشيا « قسد» الكردية بخيانة مُشَّغِلِهِمْ الأمريكي،وطلبها الحصول على حماية الدولة السورية ،بعدكل هذه التطورات،أقر مجلس النواب الأمريكي بالإجماع مؤخرا “قانون حماية المدنيين” أو ما يعرف بقانون “سيزر”،والذي ينص على فرض عقوبات على الحكومة السورية والدول التي تدعمها مثل إيران وروسيا لمدة 10 سنوات،أي كل أطراف محور المقاومة الذين أسهموا في القضاء على المشروع الإرهابي المعولم بهدف تحقيق المشروع الأمريكي الصهيوني الوهابي في المنطقة.

وبحسب وكالة رويترز،قالت لجنة الشؤون الخارجية في المجلس في بيان لها صدر في الـ 22 من يناير/كانون الثاني الماضي،إن مجلس النواب الأمريكي صوت على تفعيل قانون سيزر حسب ما تدعيه كذبًا”حماية المدنيين “السوريين لعام 2019 من أجل فرض عقوبات جديدة على حلفاء سورية في مجالات الطاقة والأعمال والنقل الجوي.

وجاء في بيان الخارجية الأمريكية أنه “بموجب قانون سيزر لحماية المدنيين في سورية، سيُطلب من الرئيس فرض عقوبات جديدة على أي شخص أو جهة يتعامل مع الحكومة السورية أو يوفر لها التمويل، بما في ذلك أجهزة الاستخبارات والأمن السورية، أو المصرف المركزي السوري”.كما جاء في البيان أن القانون يشمل الجهات التي توفر الطائرات أو قطع غيار الطائرات لشركات الطيران السورية، أو من يشارك في مشاريع البناء والهندسة التي تسيطر عليها الحكومة السورية أو التي تدعم صناعة الطاقة في سورية.

وبموجب القانون، يمكن للرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن يلغي العقوبات على أساس كل حالة على حدا، كما يمكن تعليق العقوبات إذا جرت مفاوضات هادفة لإيقاف العنف ضد المدنيين.وقال المشرعون الأمريكيون إنهم يريدون إرسال رسالة قوية مفادها أن الولايات المتحدة سترد على الاستفزازات التي تقوم بها إيران وأن ذلك يمنح أي رئيس أمريكي القدرة على إعادة فرض العقوبات على إيران فوراً إذا حاولت طهران انتهاك الاتفاق النووي.

أسباب صدور قانون سيزر واستهدافاته

طُرِحَ هذا القانون  القديم-الجديد منذ العام 2014، لكن الجديد فيه المدد الزمنية الجديدة بدل من سنتين مُدِّدَ إلى عشر سنوات، هذا القانون مبني على الكذب والفبركة لأحد المعتقلين الذي أطلقوا عليه اسم “قيصر” أو الضابط المنشق الذي لم نقرأ عنه في أي مكان، والذي “قدم 55 ألف صورة لـ 11 ألف سجين قتلوا تحت التعذيب”، وقد استخدم أسم سيزر لإخفاء هويته الحقيقية، و”عُرضت تلك الصور في مجلس الشيوخ الأمريكي”،  عن ما يدعىه ممارسة انتهاكات لحقوق الإنسان في سورية ،حيث لم تظهر أية معلومات أخرى في أي مكان توضح هذه الكذبة أو شخصية هذا الرجل الوهمية للمعتقل الذي لا أحد يعلم كيف التقط كل هذه الصور وهو قيد الاعتقال.

فالقانون مبني على الكذب الذي تمارسه الأجهزة الاستخباراتية الأمريكة وعملائها في سورية،لا سيما فيما تعلق باستخدام السلاح الكيمياوي في الغوطة ودوماوغيرهما ،ونزوح أو لجوء أكثر من 14مليون سوري خلال السنوات الخمس الأولى من الحرب،ومنع الحكومة السورية وصول المساعدات الطبية إلى المدنيين الذين كانوا في مناطق سيطرة الفصائل المعارضة بحسب ما جاء على الموقع الرسمي للكونغرس.

غير أن الحقيقة غير ذلك، يكمن السبب الجوهري لصدور قانون سيزر،كرّد فعل من جانب  الولايات المتحدة الأمريكية التي أصبحت متخوفة من إبعادها من أي مكسب في عملية إعادة الإعمار،وبالتالي الخروج من أي هدف سياسي أو إقتصادي “منطق العقل يفرض ذلك”، وخاصة بعد التصريح الرسمي السوري بأنه لن يكون لأي طرف ساهم في الحرب الكونية على سورية ودعم الإرهاب دوراً في مرحلة إعادة الإعمار بعد ثمان سنوات من الحرب، وبالتالي تعطيل الإنتصار الإقتصادي، مايعني أنها تريد الضغط لأجل أن يكون لها دوراً ما في إعادة الإعمار وخاصة أن القانون سمح للرئيس الأمريكي أن يلغي العقوبات على أساس كل حالة على حدا، كما يمكن تعليق العقوبات.

ما هي دقائق ومحاور ما ينص عليه هذا القانون؟

أولاً:  فرض عقوبات على الحكومة السورية والدول التي تدعمها مثل إيران وروسيا لمدة 10 سنوات في مجالات الطاقة والأعمال والنقل الجوي.أو قطع غيار الطائرات التي تمد بها الشركات مؤسسة الطيران السورية، أو من يشارك في مشاريع البناء والهندسة التي تقوم بتنفيذها الحكومة السورية، أو التي تدعم صناعة الطاقة في سوريا.

ثانياً: فرض عقوبات جديدة على أي شخص أو جهة يتعامل مع الحكومة السورية أو يوفر لها التمويل أو يتعامل مع المصارف  الحكومية بما فيها  المصرف المركزي السوري.

ثالثاً: استخدام سياسة التجويع كسلاح ضد المدنيين وليس لصالح وحماية المدنيين كما يدعون، وهي لا تميز بين مؤيد ومعارض حتى الفكرة لم تكن موجودة بالأساس، وما هي إلا تكرار لمآساة حصار العراق (1990 ـ 2002)، واستنساخها في سورية”.

أمريكا واللجوء إلى الإرهاب الاقتصادي

هناك شبه إجماع لدى المحللين الملمين  بقضايا الحرب الكونية التي شُنَّتْ على سورية،أنّ الإمبريالية الأمريكية اليوم يقيادة الرئيس دونالد ترامب تكشف مرّة أخرى عن وجهها المتوحش والقبيح لفرض عقوباتها الاقتصادية وإجراءاتها القسرية، التي لم يتيسر لها أن أظهرتها فيما مضى، وقادت من خلالها وعبرها إلى ارتكاب فظائع بحق الشعوب على مدى عقود خلت، إذ ساهمت تلك العقوبات وساطورها في هلاك الملايين من العراقيين. وبعد هزيمة مخططها التقسيمي في سورية،حيث حقق الجيش العربي السوري وحلفائه  إنجازات مهمة على صعيد الحرب على الإرهاب وإجتثاثه، وبدأت الحياة تعود إلى طبيعتها في كثير من المناطق السورية، وبدأت الطروحات والحديث عن اللقاءات الثنائية والدولية في الولوج في مرحلة إعادة الإعمار، وهناك الكثير من الدول العربية والغربية بدأت بإرسال الرسائل من تحت الطاولة ومن فوقها حول ضرورة المشاركة في مرحلة إعادة الإعمار،هاهي الإمبريالية الأمريكية تلجأ إلى ترسانة أسلحتها لممارسة الإرهاب الاقتصادي للضغط على الدول العربية و الغربية التي تسعى جاهدة  للبحث عن فتح قناة تواصل مع الدولة السورية من أجل تحقيق مكسب ما من الكعكة الإقتصادية في مرحلة إعادة الإعمار وخاصة أنها لم تحقق شئ من التبعية والسير وراء الولايات المتحدة الأمريكية طيلة السنوات الثمان من هذه الحرب الظالمة .

والدليل على ذلك البرنامج النووي الإيراني وتعطيله الذي جرى بضغط من الولايات المتحدة نفسها،إذ باتت إدارة ترامب تدرك أنّ هناك تحديات إقليمية ودولية جديدة ،لا سيما الإرهاب،وبروز قوى كبرى مثل روسيا والصين،وقوى إقليمية مثل إيران والهند،وجنوب إفريقيا،والبرازيل،والتي أصبحت تسمى بالقوى المتوسطة،إضافة إلى المؤسسات الدولية كالأمم المتحدة،والشركات العابرة للقارات،والمؤسسات المالية المانحة،وهي جميعها،ترى أن معالجة القضايا المعاصرة يجب أن تتم في نطاق نظام دولي متعدد الأقطاب، الشيء الذي ترفضه الولايات المتحدة الأميركية،التي لا تزال تصر على انتهاج نفس السياسة الخارجية التقليدية في منطقة الشرق الأوسط،والتي تقوم على الحفاظ على تقديم الدعم العسكري والتكنولوجي والاقتصادي  للكيان الصهيونيى،لكي يظل متفوقًا على جميع الدول في الإقليم،و الهيمنة على النفط العربي كمصلحة قومية أميركية بامتياز،وإبقاء الدول  العربية ،لا سيما في منطقة الشرق الأوسط والخليج  في مرحلة ما قبل الوطنية،لكي تحافظ على البنى التقليدية ما قبل الوطنية،كالدين،والقبيلة،والعشيرة،والطائفة،والعرق، والأيديولوجيا الوهابية المولدة للتنظيمات الإرهابية،ومواجهة إيران،كي لا تتحول إلى قوة نووية وإقليمية كبيرة في المنطقة.

وفي ضوء كل هذا،ازدادت إدارة ترامب عدائية للجمهورية الإسلامية الإيرانية،ما مهد الطريق للانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي، بذريعة انتهاك إيران التزاماتها في الاتفاق النووي، الأمر الذي تؤكد الوكالة الدولية للطاقة الذرية وأوروبا، بل والمؤسستان العسكرية والاستخباراتية الأميركيتان عدم صحته، وإطلاق العنان للكيان الصهيوني للتصعيد العسكري المباشرة مع  إيران  فوق الأراضي السورية كما حصل في العدوان الصهيوني الجديد على سورية.

فكان المتضرر الأكبر هو الغرب والشركات الغربية حيث أصبحت إيران نقطة إستقطاب إستثماري هامة وواعدة كما كانت سورية في الماضي، ولا ننسى تشكل قلب مشروع البحار الخمس  الذي طرح فكرته الرئيس بشار الأـسد ،ما كان قد يعطي الفرصة للجميع من الإستفادة والحصول على المكتسبات الإقتصادية الضخمة بما يخدم مصالح الجميع وتحقيق الإستقرار السياسي وبالتالي الإجتماعي ويخدم باقي مناحي الحياة لمجتمعات الدول المحيطة أو المطلة على هذه البحار.

والحال هذه، تسعى الدولة العميقة الأمريكية من خلال ممارسة الإرهاب الاقتصادي على الشعب السوري،ممارسة سياسة التجويع ضده،وهز الثقة بين المواطن والحكومة لكون هذا السلوك يعتبر أحد مرتكزات السياسة الأمريكية في تعميق الفجوة بين ما يمكن أن يكون وما هو كائن على أرض الواقع ، بهدف تأليب الشعب ضد نظام الرئيس بشار الأسد حسب اعتقادها، وليس لحماية المدنيين أو الحفاظ على الأمن والإستقرار في أي بقعة جغرافية على كامل الكرة الارضية،كما تدعيه زورًا وبهتانًا وكذبًا.

ومن أساليب الحرب النفسية والاقتصادية والسياسية التي تخوضها الإمبريالية الأمريكية ضد سورية إيجاد حالة من الإحباط الدولي والإقليمي والمحلي- وخاصة لدى الشارع السوري- ناهيك عن عملية تقويض النصر الكبير على أعتى مشروع استعماري أمريكي –صهيوني تفتيتي للمنطقة، مع الأخذ بعين الإعتبار التدمير الممنهج للبنى التحتية في عدة محافظات ومناطق سورية مختلفة ،وما مدينة الرقة التي مسحت عن وجه الأرض تقريباً إلا مثال حي على ذلك بمالايقبل الشك أو الإنكار.وفي الوقت عينه ، توجه إدارة الرئيس ترامب رسالة للحلفاء والخصوم في آن واحد، مفادها أن الولايات المتحدة سترد على كل الدول الراغبة في الولوج في إعادة الإعمار، للحلفاء، أما الخصوم ستحاول تعطيل أي جهد ستقوم به لدعم البنى الإقتصادية وإنعاش روح الحياة للشعب السوري من قبل روسيا أو إيران  وغيرها من الدول التي تساهم في تقديم الدعم للشعب السوري.

الرّد السوري لمواجهة قانون العقوبات الاقتصادية

سعيًا منها لمواجهة العقوبات الاقتصادية الجائرة على البلاد منذ بداية الأزمة السورية 2011، اعتمدت الحكومة السورية في جلستها يوم الأحد 27 كانون الثاني/ يناير2019،خطة بديلة لهذا الغرض تتضمن جملة متكاملة من الإجراءات لمواجهة الإجراءات الاقتصادية الأحادية الجانب والقسرية على الشعب السوري، حيث حددت أولويات عمل ومهام الوزارات خلال المرحلة المقبلة من خلال “الاعتماد على الذات”، والتركيز على المشاريع ذات الطبيعة الإنتاجية “صناعيا وزراعيا”.

إن مواجهة حرب التجويع الأمريكية ضدالشعب السوري، تتطلب من الدولة الوطنيةالسورية،وضع  خطة وطنية لتدعيم صمود الشعب،وتخفيف القيود عليه ودعم المقومات المعيشية اليومية لتعزيز مقومات وركائز الصمود،وإعتماد سياسة الإكتفاء الذاتي ،والحفاظ على الخبرات الوطنية وتشكيل الجيش الإقتصادي في مواجهة الحصاروالعقوبات المفروضة على الشعب السورين والعمل على فضح المرحلة الراهنة من سياسية التجويع والحصار الذي تمارسه الولايات المتحدة الأمريكية للرأي العام العالمي،وممارسةالضغط في المحافل الدولية من قبل الدول الصديقة على هذه السياسة الظالمة وأحادية الجانب ،والإسراع في تفعيل الإتفاقيات وتوثيق عرى العلاقات الإقتصادية البينية والعمل على جذب رؤوس الأموال والإستثمارات الصديقة.

وتعد سورية  سوقاً أقتصادية  كبيرة وهي مرشحة لأن تكون أكبر سوق أستهلاكي في المنطقة نظرا لموقعها الجغرافي المساعد وسهولة الوصول أليها والخروج منها نحو الدول والقارات كافة،إضافةلامتلاكهاثروة كبيرة من الغاز وهو السبب الرئيسي في كل ما يجري في سورية سواء من الأنابيب المخطط لها أو من ناحية الأنتاج المحتمل . فقد أرتفع انتاج الغاز السوري وفقا” لتأكيدات وزير النفط والثروة المعدنية السوري علي غانم من 11 مليون متر مكعب يوميا” قبل الأزمة في العام 2011 إلى 31 مليون متر مكعب اليوم بحسب صحيفة الوطن السورية .وهنا نشير الى تأكيدات قامت بها السفينة الأميركية نوتيلس وبمساعدة تركية في 17 اب 2010 عبر مسح جيولوجي تبين من خلاله أنّ واحدة من أكبر حقول الغاز يقع شرقي المتوسط ويقدر ب 23 تريليون قدم مكعب والجزء الأساسي يقع ضمن المياه الأقليمية السورية , ومن المتوقع ان يبلغ أحتياطي الغاز السوري 28.5 تريليون متر مكعب ما بين الأبار البحرية والبرية مما يجعلها الثالثة عالميا” بعد روسيا وأيران وهذه تقديرات مركز فيريل للدراسات .

الخاتمة:

إن العقوبات الاقتصادية الأمريكية ضد سورية تكشف زيف الإدعاء الأمريكي بمكافحة الإرهاب، بل غايتها الأساسية المحافظة على مصالح وأمن الكيان الصهيوني الذي يتسول حكامه الإبقاء على سيف العقوبات مسلطًا على الشعب السوري ،بسبب الخوف الذي يحاصر كيانهم نتيجة هزيمة المشروع الأمريكي –الصهيوني الداعم للإرهاب، وانتصار الدولة الوطنية السورية وحلفائها، وما يمكن أن يثمر عنه هذا الانتصار على جبهات أخرى .

وفي هذه الحرب الكونية على سوريةحصل تظهير جديد في موقف إدارة دونالد ترامب الأمريكية حيال الوطن العربي,هذا التظهير تمثل  بمقاربة موقف الولايات المتحدة للرؤية الصهيونية بشأن إسقاط الدولة السورية،وتقسيم سورية.. ويبدوواضحًا أنّ الموقف الأمريكي تجاوز ذلك إلى مقاربة الرؤية الصهيونية في استراتيجيتها في التعامل مع  المسألة السورية.

وكان أخطر مايمكن أن تسفر عنه تداعيات الحرب الكونية على سورية ,هو تشظي سورية إلى دويلات طائفية,الأمر الذي قد يكون من تداعياته  استثارة الأقليات في طول الوطن العربي وعرضه,واستنفارها تحت شعارات مطلبية تخدم مخطط إعادة تقسيم الكيانات العربية التي قامت على أساس اتفاقيات سايكس بيكو,إلى دول طائفية وأثنية جديدة.وما أكثر الأقليات المتربصة لإعادة تقسيم الوطن العربي، ومنها الأكراد في المشرق العربي، والبربر في المغرب العربي .

ويشتد التركيز الأمريكي-الصهيوني على سورية  هذه الايام ,لأن سورية بمكوناتها الاساسية و قدراتها وموقعها الجغرافي,وخطابها السياسي المقاوم للمخطط الأمريكي الصهيوني للتسوية, إنما هي كيان أساسي يشكل مع العراق ومصرقاعدة الهرم في بنيان الوطن العربي,وأي تداع في بنيانه يحدث ارتجاجًا يطاول العمق العربي برمته امتدادًا شرقًا حتى باكستان.ولما أصبحت الاستراتيجية الأمريكية متطابقة مع الرؤية الصهيونية لأوضاع الوطن العربي,فإنّ هزيمة  سورية في الحرب الأمريكية عليها ستقودإلى  تداعي الهرم العربي مما يجعل الكيانات الأساسية الأخرى أكثر انكشافا أمام الهجمة الأمريكية الصهيونية , لا سيما سورية.

إن من يدرس الحرب الكونية على سورية ,ويستخلص الدروس والعبر من سياقات الأحداث السياسية التي عرفتها المنطقة العربية خلال عقدي القرن الحادي والعشرين,يكتشف بمنتهى الوضوح والجلاء التلاقي بين الاستراتيجية الصهيونية الخاصة مع الاستراتيجية الأمريكية العامة ,لجهة  تفتيت الكيانات السياسية العربية القائمة ,وإعادة صوغها على أسس جديدة   مذهبية وطائفية وعرقية ,بحيث تصبح حدود الدول العربية حدود الطوائف والمذاهب والقبائل . و هذا المخطط يخدم الأهداف العامة للإمبريالية الأمريكية,والأهداف الخاصة للكيان الصهيوني,ويقود إلى إسقاط الدولة الوطنية السورية آخر مواقع القدرة على إدارة الصراع  مع معسكر القوى المعادية للأمة العربية ,وإلى إدخال الوطن العربي من محيطه إلى خليجه في مرحلة جديدة,يعيش فيها تناقضًا بنيويًا تاريخيًا  يصعب حله.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى