القهوة مشروب الملايين مهددة بالانقراض لاسباب مناخية وعمرانية

 

قد لا تفكّر وأنتَ تحتسي فنجان قهوتك المفضّلة في نوعها أو في شجرة البنّ التي أنتجتها، فما يهمّك بالنهاية هو الطعم اللذيذ الذي تحبّه أو درجة الكافيين التي ترغب فيها. ولذلك قد تستغرب من أنّ هناك أكثر من 100 نوع من القهوة في العالم، أكثرهما استخدامًا هنا نوعا البُن العربي أو الأرابيكا كما تُعرف علميًا، والروبوستا.

وفي حين أنه قد يكون من الصعب على المتذوّق العادي تمييز الفروقات بين النوعين؛ إلا أنّ الأرابيكا تستحوذ على ما يقارب 80% من الإنتاج العالميّ للقهوة، وقد يعود السبب للمرارة التي تمتاز بها حبوب الروبوستا والتي تحتوي على نسبة أعلى من الكافيين، وهي المستخدمة في الإسبرسو بالمناسبة. كما يحتوي الأرابيكا على كمية من الدهون بنسبة 60% وأكثر من ضعف السكر الموجود في الريبوستا، ممّا يعطيها أفضلية أكبر لدى النّاس ومحبّي القهوة.

إضافةً لهذين النوعين، يعمل منتجو القهوة عادةً على تهجين العديد من الأنواع وتزاوجها في المختبرات لتعزيز التنوّع الجيني لأنواع البنّ التجارية، لا سيّما بهدف جعلها أكثر تكيّفًا وتحمّلًا للتغيرات البيئية والمناخية التي تواجه العالم في السنوات الأخيرة، لكن من الواضح أنّ الأمور لا تسير بالسهولة التي قد نتخيّلها.

أيام مُظلمة تواجه القهوة

ثمّة شيء آخر تحتاج التفكير فيه وأنتَ ترتشف فنجان قهوتك الصباحية أو تحتسيه في مقهىً أنيقٍ مع صديق مقرّب؛ تغيّر المناخ الذي يأتي جنبًا إلى جنب مع تغير دراجات الحرارة وأنماط هطول الأمطار من جهة، ومواصلة قطع الأشجار وإزالة الغابات وانتشار الآفات ومسبّبات الأمراض الفطرية من جهةٍ ثانية، جميعها تجعل من معظم أنواع البنّ البرية في العالم عرضةً لخطر الانقراض والاختفاء.

فوفقًا لدراسة نُشرت هذا الأسبوع في مجلة Science Advances، فإنّ 60% على الأقل من أنواع البنّ البرّي مهدّدة ومعرّضة لخطر الانقراض. وقد قام الباحثون بتحليل 124 نوعًا من البنّ ليجدوا أنّ 75 نوعًا منها تواجه بالفعل خطر الانقراض، وهو رقم كبير جدًا مقارنةً بغيرها من النباتات الأخرى. في حين أنّ العالم يحتفظ فقط بأقل من نصف الأنواع البرية حيث تُحفظ بذورها ونباتاتها في بعض المناطق المحمية كنسخ احتياطية في حال الحاجة.

تأتي هذه الدراسة بعد الأخبار العديدة التي تمّ تداولها العام الماضي عن تأثّر البلدان الرئيسية في زراعة البنّ بشدّة مرض فطري يُدعى “صدأ أوراق القهوة”، واسمه العلميّ Hemileia vastatrix. إذ يكتسح هذا الداء حقول البن وقد يمكث فيها أعوامًا عديدة في بعض الأحيان.

وقد أدّى الداء نفسه إلى انهيار صناعة القهوة خلال ثمانينيات القرن الماضي في سريلانكا. فيما أثّر بين عامي 2011 و2012 على 70% من مزارع البنّ في القارّة الأمريكية ما أدى إلى فقدان أكثر من 1.7 مليون وظيفة و 3.2 مليار دولار تكبّدتها الشركات الكبرى. الغريب أنّ العلماء لم يفهموا حتى الآن دورة حياة المرض، فضلًا عن أنه يستطيع مقاومة الأدوية والمبيدات بقوّة وفعالية شديدتين.

أمّا عن صعوبة زراعة البنّ في أماكن مختلفة من العالم أو حفظها فيعزو الباحثون السبب إلى أنّ لكلّ نوعٍ منها متطلبات مناخية محددة للغاية، ما يعني أنها صالحة للزراعة والحفظ فقط في مناطق بيئية محدودة، وبالتالي فإنّ ارتفاع درجات الحرارة وزيادة هطول الأمطار بسبب تغير المناخ يمكن أن يجعل من زراعة البن أمرًا مستحيلًا في الأماكن التي اعتادت فيها تلك النباتات على النموّ والازدهار.

إذ توجد معظم أنواع البن البري في العالم في أفريقيا ومدغشقر حيث تؤدي إزالة الغابات وزحف الإنسان وانتشار الأوبئة والأمراض بشكل متزايد إلى قتل نباتات البن البرية. وعلى الرغم من أنّ أنواع البن التي تحظى بشعبية كبيرة تُزرع بكميات كبيرة في جميع أنحاء العالم، إلا إنّ الانقراض المحتمل لها سيؤدي إلى مشاكل حقيقية في مستقبل صناعة البن.

ووفقا للأكاديمية الوطنية للعلوم، فإنّ 90% من الأراضي المستخدمة لزراعة البن في أمريكا اللاتيية لوحدها ستعاني من هذا المصير. كما تشير التقديرات إلى أن إثيوبيا، سادس أكبر منتج للقهوة في العالم، يمكن أن تخسر أكثر من 60% من إنتاجها بحلول عام 2050، أي بعد جيل واحد فقط من الآن.

جميع هذه التغييرات المناخية سوف تؤثر بلا شكّ على أسعار القهوة وجودتها بالنسبة لنا جميعًا، حيث يمكننا أنْ نتوقّع نكهاتٍ جديدة بجودةٍ أقل تلائم التغيرات الحاصلة، وبالرغم من أنّ الإشارات تبدو مطمئنة على المدى القصير، إلا أنّ الكثيرين يتساءلون بالفعل عمّا إذا كانت القهوة ستصبح ترفًا أرستقراطيًا مخصًّصًا للأغنياء فقط خلال العقود القادمة أم لا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى