في ذكرى ميلاد الزعيم.. ستبقى ذكراك في كل الأزمنة

 

اليوم (1/15) تنهض الذكريات التي طويناها في سويداء القلب، واختزناها في اعماق الروح.. تنهض لتأخذنا من تحت الأنقاض إلى مطارح نحبها.. مطارح تحيينا، لها طعم الحنين المرّ. وأنا أختبئ منذ زمن في عالم معتم، عالم مهجور تزعق فيه وطاويط الغربة، والعزلة تبحث عن نافذة ترد ما تبعثر من الروح.. للروح. العتمة تجتاح روحي.. وروحي تقطر تبحث عن شيء ما. خواء يصفر. وشيء ما يشدني لأتنفس من جديد، ليقول اليوم ذكرى ميلاد عبد الناصر. هل أصبح ذكرى وهو لم يغادرني. وما زلت  أعود، كلما زاد اختناقي، إلى ذاك الزمن رغم الخراب اليوم، رغم العفن الذي يملأ حياتنا.

أتكئ على كتف أمي،  في حضنها.. وقد ملأتها الأحزان. هل ما تزال تذكر أن عبد الناصر كان معنا، في بيتنا، خطاباته، صوره، إطلالاته، طفولتنا، شبابنا، كان ينمو معنا ونحن نكبر ونكبر.. وجهاز المذياع القديم هو نافذتنا التي نطل منها لنراه. وأكثر ما كنت أراه في عيني أبي، في ملامحه وهو يستمع إلى خطابات عبد الناصر. كان يعبئ فضاءنا وسماءنا وبيتنا وبيوت جيراننا.. كأنه كان قديسا يحوم من بيت لبيت لينشر الطمأنينة بأننا أمة عربية واحدة..

تقول لي: غاب قلمكِ منذ زمن.. واقول لك: لقد تركتُ الكتابة يا أستاذي فهد الريماوي.. وتركْتَني في تساؤلي الدائم..

لمن ولماذا نكتب يا أبا المظفر والقهر أكبر من كل الحروف.. فنحن مقهورون حتى الفناء.

واليوم، وبعد أن لاحت بشائر النصر في سوريا الحبيبة، أجدني أعود إلى أوراقي العتيقة، والعتق سحر، لأقرأ رسالة كتبها نجل الزعيم الخالد، عبد الحكيم جمال عبد الناصر إلى الرئيس الدكتور بشارالأسد في 14/4/2018  يذكّره فيها بالعدوان الثلاثي على مصر عام 1956   ويندد بالعدوان الثلاثي على سوريا  من قبل القوات الأمريكية والفرنسية والبريطانية  في عملية زعمت بأنها ردا على هجوم كيماوي شنته سوريا في دوما بالغوطة الشرقية. يقول عبد الحكيم:

“كما كان قدر مصر في صدّ العدوان الثلاثي الغاشم في معركة السويس عام 1956  حين أعلنت سوريا الشقيقة”هنا القاهرة من دمشق”، وكانت معركة السويس مقبرة الحقبة الاستعمارية بوجهها القبيح القديم، فإن قدر سوريا قلب العروبة النابض، كما أطلق عليها الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، أن تكون مقبرة الاستعمار بوجهه الجديد الذي تصور أنه عن طريق أعوانه من الخونة، أن يفرض إرادته علينا، ولكن هيهات. والآن نعلنها من مصر جمال عبد الناصر”هنا دمشق من القاهرة”.” والجدير بالذكر أن الإعلامي السوري عبد الهادي بكار، حين سمع بالعدوان الثلاثي على مصر، هرع إلى المذياع ليعلن” هنا القاهرة من دمشق”.

هذا التلاحم الوجداني الوحدوي بين سوريا ومصر، يذكرنا بابن اللاذقية البطل جول جمال الذي قال: عندما أرى شوارع الإسكندرية كأنني أرى اللاذقية، وفي وقت المعركة لا فرق بين مصري وسوري. وقد كان مع مجموعة من الطلبة السوريين الذين كانوا يدرسون في البحرية المصرية، وعند العدوان الثلاثي على مصر، كانت البارجة الفرنسية” جان بار” أغلى قطعة بحرية في الأسطول الحربي الفرنسي، تتقدم نحو السواحل المصرية، فأمر جمال عبد الناصر بالتصدي لها ومنعها من دخول بورسعيد. فما كان من قائد البحرية جمال الدسوقي إلا أن يجهز ثلاثة زوارق طوربيد للتصدي لها.  فطلب جول جمال، وألحّ أن يقود أحد تلك الزوارق. وبسبب أنه سوري، رفض طلبه. ثم وافق قائد البحرية بأن يشرك جول جمال في المهمة.. فأغرق السفينة بمن فيها، واستشهد.. وحصل بعد استشهاده على أرفع الأوسمة من الرئيس جمال عبد الناصر، ومن الدولة السورية، كما حصل على الوشاح الأكبر من بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأورثودكس في دمشق.. والكثير من الأوسمة..

وفي احتفال قدّاسي مهيب أقامته الكاتدرائية المريمية للروم الأورثودكس في التاسع من نوفمبر عام 1956، حضره رئيس الجمهورية الرئيس شكري القوتلي حيث قال:

” بين شاطئ اللاذقية وشاطئ بور سعيد أيها الإخوان الأعزاء، استطاع جندي سوري ثاقب بصره، وعميق إيمانه، وعظيم حبه لوطنه وعروبته، أن يرى حقيقة لا تخفى، ويجب أن لا تخفى على أحد، وهي أن البارجة الإفرنسية المعتدية الغادرة لو أتيح لها أن تقهر بالأمس بور سعيد، فإنها غدا ستقهر اللاذقية، وأن العدو واحد، وأن الوطن العربي واحد أيضا، وعندما وجّه هذا الجندي السوري المغوار نفسه إلى أحضان الخطر، كان على يقين كبير بأنه لا يدافع عن مصر وسورية وحدهما، بل عن العروبة وسلامتها الخالدة وسيادتها”.

والأوراق كثيرة.. كثيرة.

تلك هي سوريا العروبة، وتلك هي مصر عبد الناصر.. تاريخ مشرّف.. نستعيده.. لنواصل  الحياة.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى