المحافظات.. التيه بين اللامركزية وصندوق تنمية المحافظات

تلعب الادارة المحلية في العالم المتقدم دورا اساسيا في عملية التنمية المحلية،  نظرا لما تقوم به من ادوار في حمل اعباء متعددة متداخلة على الصعيد الاداري والتنموي تقع في الاصل عن كاهل الدولة، فهي تعمل على تصريف الاعمال الادارية المنوطه بها نيابة عن الدولة المركزية، وفي نفس الوقت معنية بتطوير المناطق التي تمارس صلاحياتها عليها .

وقانون اللامركزية الحالي في بلادنا لا يسمن ولا يغني من جوع ، بل هو وكما يقول مثلنا العربي – لا للسده ولا للهده ولا لعازات الزمان – فقد  ولد ميتا في رحم امه وقبل ان يرى النور، فما بني على خطأ في التشريع وفي فهم للامركزية الادارية او الادارة المحلية بالضرورة ستكون مخرجاته عديمة الجدوى والاهمية .

فمنذ اليوم الاول لظهور فكرة التوجه نحو اللامركزية رفعنا الصوت عاليا وضمن الهامش المسموح به، وقلنا بان القانون الصادر ليس له علاقة باللامركزية ولا يصلح ان يكون نواة للادارة المحلية التي تستوجب دمج البلديات مع وزارة الداخلية ويخرج جسم جديد يسمى “وزارة الداخلية والادارة المحلية”،  وتلغى وزارة البلديات وتنقل صلاحياتها ووظائفها الى وزارة الداخلية كما كانت في العهود السابقة، ويتم بعد ذلك استصدار قانون للادارة المحلية اول مادة فيه تعرف فيه المحافظة التي حتى الان ليس لها تعريف في التشريع ، فتصبح المحافظة وحدة من وحدات الادارة المحلية لها شخصية قانونية واعتبارية وذمة مالية وتتمتع بأجراءات التقاضي ولها مصادر دخل محلية، اضافة الى التمويل الحكومي المنصوص عليه بالقوانين والانظمة، فيصبح في الاردن مستويان للادارة المحلية : المستوى الاول يمثل العمل البلدي وفي حدود البلدية وطبقا للواجبات المتعارف عليها عالميا من تنظيم للمدينة وتقديم خدمات الترخيص للبناء والمهن وعمليات نظافة المدينة وما ينص عليه القانون، والمستوى الثاني مستوى حدود المحافظة ويعمل نيابة عن الحكومة المركزية في تقديم الخدمات التي لاتقوم البلديات بها من تعليم وصحة وزراعة ورعاية اجتماعية …. الى اخر ذلك من نشاطات واعمال ادارية تنقل لها نقلا وليس تفويضا، لهذا يستطيع المحافظ ان يكون لديه ميزانية سنوية معروفة مصادرها ويمارس دوره التنموي في المحافظة ولايحتاج الى صناديق المحافظات، فلديه مصادر دخل يقوم هو بجبايتها نيابة عن الدولة، وللمحافظة نسبة مئوية في ذلك اضافة الى مخصصات المحافظات من ميزانية الحكومة المركزية.

ان المركزية المفرطة هي التي ادت الى تهميش دور سكان المحافظات في المشاركة التنموية تخطيطا وتنفيذا ومتابعة للمشاريع التي تسهم في تنمية المحافظات والمجتمعات المحلية وتطويرها لتصبح عاملا مساعدا في الاعتماد على الذات من خلال زيادة مداميك الانتاج وخلق فرص عمل لابنائها والتخفيف من حدة الفقر والبطالة.

ان المحافظات بمكوناتها البنيوية من مدن وقرى وارياف وصحاري ومخيمات هي في حالة نمو سكاني وعمراني متسارع، و هي بحاجة دائمة الى ان يسبق التخطيط الحضري والعمراني والتنموي عمليات البناء ليكون في متناول اليد، و ملبيا للزيادة السكانية والطلب على والخدمات العامة كالسكن والصحة والتعليم حتى نتمكن في نهاية الامر من تثبيت المواطنيين في محافظاتهم، وتصبح هذه المحافظات وجها للاستثمار ونحدث فيها التنمية المحلية المستدامة والشاملة للحد من النزوح تجاه العاصمة عمان التي اصبحت تعج بالازمات السكانية والمرورية والنقل العام والتلوث والضوضاء .

ان التنمية المتوازنة للمحافظات لا تتحقق بالتمني وبانصاف التشريعات والقوانين، انما بوجود قوانين حقيقية للادارة المحلية تحقق العدالة في المشاركة الشعبية والمساءلة والشفافية بوضوح تام واسس موضوعية يمكن قياسها والاطمئنان اليها ليصبح المواطن شريكا في اتخاذ القرار وفي تمويل مشاريع التنمية التي تعود عليه وعلى مجتمعه بالخير الوفير وعلى الوطن بشكل عام، وهذا مانتمناه جميعا ويطمح اليه قائد الوطن جلالة الملك عبد الله الثاني لوطننا العزيز .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى