عرض المجموعة القصصية الجديدة .. “إضاءات العتمة الأخيرة”

تسنيم الحبيب تضيء العتمة

أضافت القاصة والروائية الكويتية، تسنيم الحبيب، إلى مؤلفاتها مجموعة قصصية جديدة عنوانها “إضاءات العتمة الأخيرة”. تتألف المجموعة الصادرة عن دار الفراشة الكويتية من ثلاثة وعشرين نصا، تتراوح موضوعاتها بين الإنساني والوجداني.

تضم النصوص مشاهد من حياة ومعاناة عبير، وهي شابة كويتية تعالج في المستشفى من السرطان. وثمة مشاهد أخرى من حياة المغترب المصري، محمود، الذي يعمل طبّاعا في جمعية الفحيحيل في الكويت. وتظهر في النصوص أيضا لقطات من تعامل الزوج بقسوة مع زوجته، والخلافات بين الأخوات، وغير ذلك من أمور تحدث بين أفراد العائلة الواحدة.

قسّمت المؤلفة المجموعة إلى أربعة أقسام، أولها يضم متتاليتين قصصيتين، الأولى عنوانها “صلصال الأخيلة” وتتألف من أربعة نصوص مترابطة ومتعلقة بعبير، والثانية عنوانها “جاسوس الطابق الثاني”، وتتألف من ثلاثة نصوص تتعلق بمحمود. القسم الثاني سمته القاصة “مرايا” وفيه عشرة نصوص من بينها النص الذي أعطي المجموعة عنوانها: “إضاءات العتمة الأخيرة”. القسم الثالث عنوانه “حواف من يرسم الأمكنة” وفيه ثلاثة نصوص، والقسم الرابع يتضمن ثلاث قصص قصيرة جدا.

الشخصية الرئيسية في المتتالية الأولى شابة اسمها عبير، وهي الوسطى بين أختيها فاطمة وحسناء. يفشل مشروع زواج عبير من عمّار، وتمر في تجربة طلاق مريرة.

“ذلك اليوم حين انقضى الأمر، وأثناء العودة من المحكمة، شعرت أني أسير في الوحل، كنت أثق أني لست جديرة بتلك الحياة التي رسمتها مرارا في أخيلتي، أسرة حانية وبيت ودود وأطفال” (ص 12).

تصاب عبير بالسرطان فتخضع للعلاج بدواء كيماوي يسقط الشعر ويسبب القيء وغير ذلك من أعراض مؤلمة للمصابة بالمرض القاتل في كثير من الأحيان.

وهي على سرير المرض، يأخذ الخيال عبير حيث تريد، فتتخيل نفسها طلقة في أحد الأيام، وأن أمها ستزورها في يوم ثان، وأن لها طفلة في يوم آخر. وتسترجع عبير أثناء وجودها على سرير المرض ذكريات مع أمها وأختيها. وفي نهاية المطاف، تتصالح مع الحياة أثناء وجودها في المستشفى، خلافا للمتوقع في هذه الحالة، أي أن تصبح نظرتها للحياة سوداوية.

“لقد جزعت في بداية مرضي، وأحسست فجأة أن الدنيا تنطفئ، وأن كل الأشياء حولي أصبحت بلا قيمة، لكن الآن يبدو أن كل وصايا فاطمة قد تفعّلت وصرتُ متصالحة مع كل ما يدور، حتى مع فكرة المكان الآتي: الموت” (ص 33).

في المتتالية القصصية الثانية، نتعرف على محمود وعلاقته مع زملائه في الجمعية والمشكلات التي يواجهها في العمل. يقول محمود:

“أنا طبّاع، أقوم بطباعة ما يقدم لي، وأسترزق اللّه وأطلب العافية، وأرجو أن تُفرج الأمور لتختصر سنوات الشقاء التي تقضم من عمري وتلتهم شبابي لأرتاح وأستقر، وأؤمّن مستقبل العيال، فيصير أحدهم طبيبا أو مهندسا يستطيع مواجهة غول المعيشة، عليّ التركيز في هذه المهام فقط” (ص 45).

أما في نص “إضاءات العتمة الأخيرة” فتصف القاصة علاقة أم مع ابنها، ومن ضمن الوصف:

“بعين ندية تلبسك الثوب الأبيض، تعصب رأسك بقماش أخضر، أنفها محمر من العَبرة، تعد صينية مزينة بالمشموم والشمع، تضع في قلبها أكياسا صغيرة من «الملبّس» والمكسرات والحلوى، تضيف أكياسا من الحنّاء” (ص 80).

أسلوب تسنيم الحبيب في جميع القصص فصيح أدبي، لكنه سلس في الوقت نفسه، ولا توجد كلمات بالعامية حتى على لسان الشخصيات. والأفكار المطروقة في النصوص واقعية ومعاصرة تغرينا بمواصلة القراءة حتى نهاية المجموعة. بعض القصص قد يحتاج القارئ أن يقرأها ثانية لسبر غورها بشكل أفضل.

من الطبيعي أن يتعاطف الإنسان مع إنسان مريض، وخاصة المبتلى بالسرطان بالنظر إلى أنه في كثير من الحالات يفتك بالمصاب/ة، والعلاج الكيماوي يعادل الإصابة بأمراض إضافية لما له من آثار مثل سقوط الشعر وفقدان الوزن والشهية وخلافه.

من المؤكد أن موضوع المرض أو الموت أو الفقد سيظل موضوعا مؤثرا في القصص والروايات، فالعائلة التي يمرض أو يموت أحد أفرادها لن يكون مصابها أقل وطأة من مصاب عائلات عاشت التجربة من قبل.

في الوقت نفسه، أود أن أشير إلى أني قرأت أعمالا أخرى وردت فيها أيضا إصابة شخصية بالسرطان، وبالتالي تضمنت وصفا لحالة المريض الجسدية والنفسية (“كم بدت السماء قريبة!” لبتول الخضيري؛ “في البال” لغصون رحال). ولذا، نحن هنا إزاء وضع مؤلم جدا للمتأثر به ومن حوله، وفي الوقت نفسه أصبح مألوفا لدى من يقرأ الأعمال الأدبية التي يرد فيها هذا الأمر. لذا، يحتاج أي كاتب/ة إلى تفادي الوقوع في رسم صورة تكون شبيهة بما ورد في أعمال أخرى نتيجة تشابه المرض رغم اختلاف المصاب/ة به.

تفادت تسنيم الحبيب الاكتفاء بالتركيز على الألم والمعاناة واختارت أن يكون تصالح عبير مع الحياة ومنغصاتها وهي على سرير المرض، وصارت متصالحة حتى مع فكرة الموت.

رغم الإجادة في سرد حكاية عبير، لم يخدم السرد، في رأيي، جعلها تنسى اسم مؤلف رواية، وفي الوقت نفسه تذكر عنوانها، وقولا ورد فيها أعجب عبير وظل عالقا في ذاكراتها.

“أتذكر أني قرأت عبارة لكاتب مصري في مقدمة رواية، ربما كان اسمها أوطان بلون الفراولة أو سكترما، لا أستطيع التذكر ولا أود أن أجهد نفسي في ذلك، خصوصا وأني قرأت للكاتب أكثر من عمل وكلها كانت أعمالا مميزة، لكن الوهن الكيميائي الذي يكويني يميت رغبتي في شحذ الذاكرة التفصيلية” (ص 30).

تداركت المؤلفة أو الناشر عدم ذكر اسم الروائي المصري، محمد سامي البوهي، فأضيف اسمه في حاشية في أسفل الصفحة. وتكرر ذلك مرتين أخريين في هذه المتتالية القصصية. واضيفت حاشية أخرى في المتتالية القصصية الثانية.

في رأيي كان من الأنسب أن ترد الأسماء ضمن النص، فالقاصة هي التي ترسم شخصية عبير وغيرها من شخصيات النصوص، وكان بوسع القاصة أن تجعل عبير تذكر هذه التفاصيل رغم الوهن. استخدام الهوامش جعل القارئ يشعر أن هناك راويا آخر يسد الثغرات في المعلومات التي ترد في النصوص.

في الختام أود أن أقول ما أجمل أن يقرأ الإنسان في هذه الأيام لكاتب/ة متمكن/ة من اللغة العربية! يضاف إلى ذلك، أسلوب جميل، وافكار متنوعة للقصص الطويلة والقصيرة أيضا.

* رئيس تحرير مجلة “عود الند” الثقافية/ لندن

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى