الحرب على سوريا تنسف أطروحة “صراع الحضارات” للمفكر الامريكي هنتنغتون

 

قبل 25 عامًا بالضبط، نشرت مجلة الشؤون الخارجية الأمريكية الصادرة عن مجلس العلاقات الخارجية مقال عالم السياسة الأمريكي صامويل هنتنغتون المعنون تحت اسم “صراع الحضارات” الذي يعتبر واحدًا من اهم المقالات التي ساعدت في تشكيل العالم وإطلاق الحروب الطاحنة في غير مكان.

نبؤات هنتنغتون

يفترض هنتنغتون في أطروحته المُعبَّر عنها بثقة أن المصدر الأساسي للنزاع في العالم الجديد والانقسامات العظيمة بين البشرية لن يكون سياسيًا أو إيديولوجيًا أو اقتصاديًا في المقام الأول، بل سيكون ثقافيًا ودينيًا، وستظل الدول القومية أقوى الجهات الفاعلة في الشؤون العالمية، لكن الصراعات الرئيسية في السياسة العالمية ستحدث بين الدول ومجموعة من الحضارات المختلفة، وسيهيمن صراع الحضارات على السياسة العالمية، وستكون خطوط الصدع بين الحضارات هي خطوط المعركة في المستقبل.

كان هذا ملخص أطروحة هنتنغتون عن “صراع الحضارات”، لكن الجزء الأكثر تأثيرًا في نظرية هنتنغتون يتعلق بالإسلام، إذ جادل أنه مع نهاية الحرب الباردة بين روسيا السوفيتية والغرب سيتم استبدالها بصراع جديد بين اثنين من الأعداء لا يمكن التوفيق بينها: الإسلام والغرب.

أكد هنتنغتون أن الهوية، وليس الإيديولوجية، تكمن في قلب السياسة المعاصرة، فعند السؤال عن الهوية، فإن الإجابة الخاطئة عن هذا السؤال من البوسنة إلى القوقاز ومنها إلى السودان يمكن ينتهي إلى رصاصة في الرأس، حيث يرى هنتنغتون أن “الإسلام له حدود دموية”.

اعتمد هنتنغتون على عمل المؤرخ المستشرق الشهير برنارد لويس الذي صاغ عبارة “صراع الحضارات” عندما كتب عام 1990: “إننا نواجه أسلوبًا وحركة تتجاوز كثيرًا مستوى القضايا والسياسات والحكومات التي تسعى وراءها، ليس هذا أقل من صراع حضارات، ربما رد فعل تاريخي غير منطقي، ولكنه مؤكد من جانب خصم قديم ضد التراث اليهودي والمسيحي والحاضر العلماني والتوسع العالمي في كليهما”.

ومثل هنتنغتون، كان لويس متحزبًا، فقد كتب في أعقاب الثورة الإيرانية وظهور الغضب في شوارع طهران “بأي حال من الأحوال لا مبرر له نظرًا لدعم الولايات المتحدة منذ زمن طويل للقمع الدموي لشاه إيران”، لكن اختزال لويس للأحداث كان مخزيًا، فقد كتب وكأن 1.5 مليار مسلم يفكرون بنفس الطريقة وليس لديهم ما يفكرون فيه إلا العداوة تجاه الغرب.

إذًا، هل تحققت نبؤات هنتنغتون ولويس؟ وهل المسلمون مجتمعون في حرب مع الغرب بالطريقة التي تنبأ بها هذان الحكيمان الأمريكيان؟ وهل هناك بالفعل صراع بين الحضارات، ليس فقط من وجهة نظر هنتنغتون بل كما يعتقد كثيرون؟

دحض أطروحة هنتنغتون

من المؤكد أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول – عندما شن تنظيم القاعدة هجومًا عنيفًا على الولايات المتحدة – أعطت مصداقية هائلة لتحليل هنتنغتون “الكئيب”، كما بدا أن موجة الهجمات الغربية على البلدان الإسلامية في السنوات التي تلت ذلك قد عززت هذه الأطروحة، إلى جانب الهجمات الإرهابية المدمرة على لندن وباريس والمدن الغربية الأخرى.

يتحدث سياسيون بارزون الآن بلغة صدام الحضارات، من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، كما ألهمت أطروحة هنتنغتون صناعة نشر مزدهرة، فثمة كتب لا تُعد ولا تُحصى تحوي بين طياتها دعوات لحمل السلاح في الحرب المفترضة ضد الديانة الإسلامية.

على سبيل المثال، وفي كتابه الأكثر مبيعًا ” 7/7درجة مئوية”، كتب مايكل غوف السياسي البريطاني الذي كان أحد المغالين في تأييد الحرب على العراق أن “الحرب التي جُند فيها المتطرفون تمثل الصراع الحقيقي في عصرنا؛ صراع بين القيم الليبرالية والاستبدادية الشمولية”، وفي كتاب آخر بعنوان “الموت الغريب لأوروبا”، يكتب المؤلف البريطاني دوجلاس موراي عن الهجرة والهوية والإسلام، ويصور في كتابه الأكثر مبيعًا أوروبا المسيحية تغرق تحت أمواج المهاجرين المسلمين.

لكن بينما بدا أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر حققت نبوءة هنتنغتون، إلا أن ذلك لم يتحقق في الواقع، فالصدام الحقيقي هو بين الولايات المتحدة وتنظيم القاعدة أو الدولة الإسلامية “داعش”، وليس بين الولايات المتحدة والإسلام.

لعل ما يؤكد ذلك أننا لم نشهد أي دولة من بين 50 دولة ذات غالبية مسلمة في العالم تعلن الحرب على الولايات المتحدة، كما لم نشهد تشكيل ائتلاف إسلامي، حتى عندما ظهر “التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب” في عام 2017، كان ذلك بقيادة سعودية وبرعاية الولايات المتحدة.

 انهيار نظرية هنتنغتون على أرض سوريا

خلال أكثر من سبع سنوات من الصراع على أرض سوريا تكونت شبكة من التحالفات المعقدة، تحدت هذه التحالفات نموذج هنتنغتون، وأكدت أولوية المصالح الجيوسياسية والاقتصادية وليس الثقافية، فقد شكل الغرب (الولايات المتحدة وأوروبا) ائتلافًا مع القوى الإسلامية ضد حكومة النظام السوري، وزودت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا الجماعات التي يمكن اعتبارها إسلامية بالأسلحة مباشرة، وغضت الطرف عن حلفائها بتسليح الجماعات المتطرفة بشكل واضح، بما في ذلك تنظيم الدولة وتنظيم القاعدة.

وقد وصف نائب الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن هذا الوضع في خطاب ألقاه بجامعة هارفارد عام 2014، قال فيه: “كان حلفاؤنا في المنطقة أكبر مشكلة لنا في سوريا، ماذا كانوا يفعلون؟ لقد كان همهم الوحيد هو إسقاط بشار الأسد، فخاضوا حربًا بالوكالة بين السنة والشيعة، وصبوا مئات الملايين من الدولارات وعشرات الأطنان من الأسلحة على أي شخص يقاتل ضده، لكن الناس الذين حصلوا على المساعدة كانوا مقاتلي جبهة النصرة والقاعدة وعناصر متطرفة قادمة من مناطق أخرى في العالم”.

في هذه الأثناء، وفي جنوب سوريا، ليس سرًا أن تدعم “إسرائيل” المتمردين السوريين عبر خط فك الاشتباك في مرتفعات الجولان، ويؤكد ذلك ما نشرته صحيفة “هآرتس” في فبراير الماضي، عن بدء تل أبيب دعم 7 فصائل مسلحة تقاتل في الحرب الأهلية السورية، في خطوة لمواجهة التمدد الإيراني بالقرب من حدودها، وجزء كبير من هؤلاء المتمردين هم إسلاميون بمن فيهم الجماعة المعروفة سابقًا باسم جبهة النصرة، فرع القاعدة في سوريا.

أيضًا في سوريا، تتعاون الولايات المتحدة بحماس مع مجموعة أخرى مسلمة، وإن كانت علمانية، ألا وهي الأكراد، سواء في العراق أو سوريا، حيث تنسق الولايات المتحدة سياساتها بشأن سوريا عن كثب مع المملكة العربية السعودية والأردن ومصر قبل تفجر وضع الأكراد مع تركيا.

لذلك، فإن الصراع في سوريا ليس صراعًا بين الحضارات، على الرغم من كل الحماسة الدينية التبشيرية لجماعات مثل داعش، وفي الواقع، المسلمون السنّة هم الهدف الرئيسي لتنظيم “داعش” الذي يسمي معظمهم بالارتداد لأنهم لم ينضموا إلى صفوف الخلافة المولودة من جديد.

وعلى الرغم من كل جهود الدعاية التي يبذلها تنظيم “داعش” ما زال وسيبقى دائمًا مجموعة هامشية على الرغم من اجتذاب الآلاف من الشباب المحرومين من حقوقهم، ويتضح ذلك بالمقارنة بالسواد الأعظم من المسلمين، إذ يجب ألا ننسى أن هناك أكثر من 1.5 مليار مسلم في العالم اليوم، والغالبية العظمى منهم يعيشون حياة طبيعية.

صراع من أجل الهيمنة

قد يجادل مؤيدو هنتنغتون بأن حرب سوريا هي حرب داخل الحضارة الإسلامية، غير أن هذا التحليل غير دقيق في أحسن الأحوال، فالعالم الإسلامي يناضل من أجل إعادة تعريف نفسه منذ نهاية الخلافة الرسمية عام 1924، لكن النضال في سوريا هو إلى حد كبير صراع مصالح، رغم أنه قد يبدو خلاف ذلك.

إيران تدعم الميليشيات الشيعية في العراق واليمن، لكنها تدعم أيضًا حركة “حماس” السنّية والجهاد الإسلامي في غزة، وعلى الرغم من أن إيران قوة شيعية، فإننا نرى قادة شيعة كبار في العراق – مثل زعيم التيار الصدري في العراق مقتدى الصدر – يعملون بشكل وثيق مع السعوديين لموازنة النفوذ الإيراني.

ولم يكن لدى المملكة العربية السعودية “الوهابية” أي مشكلة في استقبال هؤلاء القادة الشيعة العراقيين، ودعم القوات اللبنانية المسيحية المتطرفة التي قتلت آلاف المسلمين في السبعينيات والثمانينيات خلال سنوات الحرب الأهلية في لبنان، لمجرد أنها أيدت السياسة السعودية في لبنان؛ لذلك فإن الصدام السعودي الإيراني ليس حربًا حضارية داخلية، بل هو صراع جيوسياسي من أجل الهيمنة في المنطقة.

ويمكن قول الشيء نفسه عن السياسات التركية، فعلى الرغم من خطاب الرئيس رجب طيب أردوغان الناري، فإن تركيا على خلاف مع القوى السنّية الرئيسية في السعودية ومصر، وهي تعمل بشكل وثيق أكثر مع إيران، في الوقت نفسه، هي جزء لا يتجزأ من “حلف الناتو” ولم تتخل عن سعيها للانضمام إلى الغرب.

وهكذا تبدو التحالفات والصراعات المذكورة آنفًا متناقضة تماماً مع نموذج هنتنغتون الحضاري، وبعد مرور ربع قرن على “صراع الحضارات”، لا تزال القوة التفسيرية لأطروحة هنتنغتون مشكوكًا فيها، وقابلة للدحض بسهولة من لدن كل مراقب بدقة للعلاقات الدولية.

الحرب على سوريا تنسف أطروحة “صراع الحضارات” للمفكر الامريكي هنتنغتون

قبل 25 عامًا بالضبط، نشرت مجلة الشؤون الخارجية الأمريكية الصادرة عن مجلس العلاقات الخارجية مقال عالم السياسة الأمريكي صامويل هنتنغتون المعنون تحت اسم “صراع الحضارات” الذي يعتبر واحدًا من اهم المقالات التي ساعدت في تشكيل العالم وإطلاق الحروب الطاحنة في غير مكان.

نبؤات هنتنغتون

يفترض هنتنغتون في أطروحته المُعبَّر عنها بثقة أن المصدر الأساسي للنزاع في العالم الجديد والانقسامات العظيمة بين البشرية لن يكون سياسيًا أو إيديولوجيًا أو اقتصاديًا في المقام الأول، بل سيكون ثقافيًا ودينيًا، وستظل الدول القومية أقوى الجهات الفاعلة في الشؤون العالمية، لكن الصراعات الرئيسية في السياسة العالمية ستحدث بين الدول ومجموعة من الحضارات المختلفة، وسيهيمن صراع الحضارات على السياسة العالمية، وستكون خطوط الصدع بين الحضارات هي خطوط المعركة في المستقبل.

كان هذا ملخص أطروحة هنتنغتون عن “صراع الحضارات”، لكن الجزء الأكثر تأثيرًا في نظرية هنتنغتون يتعلق بالإسلام، إذ جادل أنه مع نهاية الحرب الباردة بين روسيا السوفيتية والغرب سيتم استبدالها بصراع جديد بين اثنين من الأعداء لا يمكن التوفيق بينها: الإسلام والغرب.

أكد هنتنغتون أن الهوية، وليس الإيديولوجية، تكمن في قلب السياسة المعاصرة، فعند السؤال عن الهوية، فإن الإجابة الخاطئة عن هذا السؤال من البوسنة إلى القوقاز ومنها إلى السودان يمكن ينتهي إلى رصاصة في الرأس، حيث يرى هنتنغتون أن “الإسلام له حدود دموية”.

اعتمد هنتنغتون على عمل المؤرخ المستشرق الشهير برنارد لويس الذي صاغ عبارة “صراع الحضارات” عندما كتب عام 1990: “إننا نواجه أسلوبًا وحركة تتجاوز كثيرًا مستوى القضايا والسياسات والحكومات التي تسعى وراءها، ليس هذا أقل من صراع حضارات، ربما رد فعل تاريخي غير منطقي، ولكنه مؤكد من جانب خصم قديم ضد التراث اليهودي والمسيحي والحاضر العلماني والتوسع العالمي في كليهما”.

ومثل هنتنغتون، كان لويس متحزبًا، فقد كتب في أعقاب الثورة الإيرانية وظهور الغضب في شوارع طهران “بأي حال من الأحوال لا مبرر له نظرًا لدعم الولايات المتحدة منذ زمن طويل للقمع الدموي لشاه إيران”، لكن اختزال لويس للأحداث كان مخزيًا، فقد كتب وكأن 1.5 مليار مسلم يفكرون بنفس الطريقة وليس لديهم ما يفكرون فيه إلا العداوة تجاه الغرب.

إذًا، هل تحققت نبؤات هنتنغتون ولويس؟ وهل المسلمون مجتمعون في حرب مع الغرب بالطريقة التي تنبأ بها هذان الحكيمان الأمريكيان؟ وهل هناك بالفعل صراع بين الحضارات، ليس فقط من وجهة نظر هنتنغتون بل كما يعتقد كثيرون؟

دحض أطروحة هنتنغتون

من المؤكد أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول – عندما شن تنظيم القاعدة هجومًا عنيفًا على الولايات المتحدة – أعطت مصداقية هائلة لتحليل هنتنغتون “الكئيب”، كما بدا أن موجة الهجمات الغربية على البلدان الإسلامية في السنوات التي تلت ذلك قد عززت هذه الأطروحة، إلى جانب الهجمات الإرهابية المدمرة على لندن وباريس والمدن الغربية الأخرى.

يتحدث سياسيون بارزون الآن بلغة صدام الحضارات، من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، كما ألهمت أطروحة هنتنغتون صناعة نشر مزدهرة، فثمة كتب لا تُعد ولا تُحصى تحوي بين طياتها دعوات لحمل السلاح في الحرب المفترضة ضد الديانة الإسلامية.

على سبيل المثال، وفي كتابه الأكثر مبيعًا ” 7/7درجة مئوية”، كتب مايكل غوف السياسي البريطاني الذي كان أحد المغالين في تأييد الحرب على العراق أن “الحرب التي جُند فيها المتطرفون تمثل الصراع الحقيقي في عصرنا؛ صراع بين القيم الليبرالية والاستبدادية الشمولية”، وفي كتاب آخر بعنوان “الموت الغريب لأوروبا”، يكتب المؤلف البريطاني دوجلاس موراي عن الهجرة والهوية والإسلام، ويصور في كتابه الأكثر مبيعًا أوروبا المسيحية تغرق تحت أمواج المهاجرين المسلمين.

لكن بينما بدا أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر حققت نبوءة هنتنغتون، إلا أن ذلك لم يتحقق في الواقع، فالصدام الحقيقي هو بين الولايات المتحدة وتنظيم القاعدة أو الدولة الإسلامية “داعش”، وليس بين الولايات المتحدة والإسلام.

لعل ما يؤكد ذلك أننا لم نشهد أي دولة من بين 50 دولة ذات غالبية مسلمة في العالم تعلن الحرب على الولايات المتحدة، كما لم نشهد تشكيل ائتلاف إسلامي، حتى عندما ظهر “التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب” في عام 2017، كان ذلك بقيادة سعودية وبرعاية الولايات المتحدة.

 انهيار نظرية هنتنغتون على أرض سوريا

خلال أكثر من سبع سنوات من الصراع على أرض سوريا تكونت شبكة من التحالفات المعقدة، تحدت هذه التحالفات نموذج هنتنغتون، وأكدت أولوية المصالح الجيوسياسية والاقتصادية وليس الثقافية، فقد شكل الغرب (الولايات المتحدة وأوروبا) ائتلافًا مع القوى الإسلامية ضد حكومة النظام السوري، وزودت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا الجماعات التي يمكن اعتبارها إسلامية بالأسلحة مباشرة، وغضت الطرف عن حلفائها بتسليح الجماعات المتطرفة بشكل واضح، بما في ذلك تنظيم الدولة وتنظيم القاعدة.

وقد وصف نائب الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن هذا الوضع في خطاب ألقاه بجامعة هارفارد عام 2014، قال فيه: “كان حلفاؤنا في المنطقة أكبر مشكلة لنا في سوريا، ماذا كانوا يفعلون؟ لقد كان همهم الوحيد هو إسقاط بشار الأسد، فخاضوا حربًا بالوكالة بين السنة والشيعة، وصبوا مئات الملايين من الدولارات وعشرات الأطنان من الأسلحة على أي شخص يقاتل ضده، لكن الناس الذين حصلوا على المساعدة كانوا مقاتلي جبهة النصرة والقاعدة وعناصر متطرفة قادمة من مناطق أخرى في العالم”.

في هذه الأثناء، وفي جنوب سوريا، ليس سرًا أن تدعم “إسرائيل” المتمردين السوريين عبر خط فك الاشتباك في مرتفعات الجولان، ويؤكد ذلك ما نشرته صحيفة “هآرتس” في فبراير الماضي، عن بدء تل أبيب دعم 7 فصائل مسلحة تقاتل في الحرب الأهلية السورية، في خطوة لمواجهة التمدد الإيراني بالقرب من حدودها، وجزء كبير من هؤلاء المتمردين هم إسلاميون بمن فيهم الجماعة المعروفة سابقًا باسم جبهة النصرة، فرع القاعدة في سوريا.

أيضًا في سوريا، تتعاون الولايات المتحدة بحماس مع مجموعة أخرى مسلمة، وإن كانت علمانية، ألا وهي الأكراد، سواء في العراق أو سوريا، حيث تنسق الولايات المتحدة سياساتها بشأن سوريا عن كثب مع المملكة العربية السعودية والأردن ومصر قبل تفجر وضع الأكراد مع تركيا.

لذلك، فإن الصراع في سوريا ليس صراعًا بين الحضارات، على الرغم من كل الحماسة الدينية التبشيرية لجماعات مثل داعش، وفي الواقع، المسلمون السنّة هم الهدف الرئيسي لتنظيم “داعش” الذي يسمي معظمهم بالارتداد لأنهم لم ينضموا إلى صفوف الخلافة المولودة من جديد.

وعلى الرغم من كل جهود الدعاية التي يبذلها تنظيم “داعش” ما زال وسيبقى دائمًا مجموعة هامشية على الرغم من اجتذاب الآلاف من الشباب المحرومين من حقوقهم، ويتضح ذلك بالمقارنة بالسواد الأعظم من المسلمين، إذ يجب ألا ننسى أن هناك أكثر من 1.5 مليار مسلم في العالم اليوم، والغالبية العظمى منهم يعيشون حياة طبيعية.

صراع من أجل الهيمنة

قد يجادل مؤيدو هنتنغتون بأن حرب سوريا هي حرب داخل الحضارة الإسلامية، غير أن هذا التحليل غير دقيق في أحسن الأحوال، فالعالم الإسلامي يناضل من أجل إعادة تعريف نفسه منذ نهاية الخلافة الرسمية عام 1924، لكن النضال في سوريا هو إلى حد كبير صراع مصالح، رغم أنه قد يبدو خلاف ذلك.

إيران تدعم الميليشيات الشيعية في العراق واليمن، لكنها تدعم أيضًا حركة “حماس” السنّية والجهاد الإسلامي في غزة، وعلى الرغم من أن إيران قوة شيعية، فإننا نرى قادة شيعة كبار في العراق – مثل زعيم التيار الصدري في العراق مقتدى الصدر – يعملون بشكل وثيق مع السعوديين لموازنة النفوذ الإيراني.

ولم يكن لدى المملكة العربية السعودية “الوهابية” أي مشكلة في استقبال هؤلاء القادة الشيعة العراقيين، ودعم القوات اللبنانية المسيحية المتطرفة التي قتلت آلاف المسلمين في السبعينيات والثمانينيات خلال سنوات الحرب الأهلية في لبنان، لمجرد أنها أيدت السياسة السعودية في لبنان؛ لذلك فإن الصدام السعودي الإيراني ليس حربًا حضارية داخلية، بل هو صراع جيوسياسي من أجل الهيمنة في المنطقة.

ويمكن قول الشيء نفسه عن السياسات التركية، فعلى الرغم من خطاب الرئيس رجب طيب أردوغان الناري، فإن تركيا على خلاف مع القوى السنّية الرئيسية في السعودية ومصر، وهي تعمل بشكل وثيق أكثر مع إيران، في الوقت نفسه، هي جزء لا يتجزأ من “حلف الناتو” ولم تتخل عن سعيها للانضمام إلى الغرب.

وهكذا تبدو التحالفات والصراعات المذكورة آنفًا متناقضة تماماً مع نموذج هنتنغتون الحضاري، وبعد مرور ربع قرن على “صراع الحضارات”، لا تزال القوة التفسيرية لأطروحة هنتنغتون مشكوكًا فيها، وقابلة للدحض بسهولة من لدن كل مراقب بدقة للعلاقات الدولية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى