مرور عام على قرار ترامب المشؤوم باعتبار القدس عاصمة للكيان الاسرائيلي

في مثل هذا اليوم من العام الماضي وفي خطوة تمثل استخفافا بالقانون الدولي أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قراره المشؤوم اعتبار القدس المحتلة عاصمة لكيان الاحتلال الإسرائيلي وقرر نقل سفارة بلاده إليها ضمن مخططه لتصفية القضية الفلسطينية.

إعلان ترامب جاء في سياق تطبيق ما تسمى “صفقة القرن” التي يمولها النظام السعودي ومشيخات الخليج وتهدف إلى إسكات صوت الشعب الفلسطيني المقاوم للاحتلال وإخضاعه لأوامر الكيان الصهيوني والتنازل عما تبقى من أراضيه سواء بالتهديد أو بالترغيب بينما أخذ النظام السعودي على عاتقه عملية الترويج للصفقة ومحاولة فرضها على الفلسطينيين.

القرار الأمريكي جاء ليؤكد انحياز واشنطن الكامل إلى جانب كيان الاحتلال الإسرائيلي على حساب الحقوق الفلسطينية وذلك على خطا الإدارات الأمريكية السابقة التي حاولت منذ أكثر من عشرين عاما تنفيذ هذا المخطط العدواني حيث كان الكونغرس أقر عام 1995 قانونا ينص على الاعتراف بالقدس عاصمة لكيان الاحتلال ونقل السفارة الأمريكية إليها.

قرار ترامب جوبه بصمود ورفض فلسطيني وانطلقت مسيرات حاشدة في مختلف المدن والبلدات الفلسطينية المحتلة رفضاً للقرار قمعها الاحتلال بالرصاص ما أسفر عن استشهاد وإصابة مئات الفلسطينيين كما أثار القرار ردود فعل دولية واسعة أكدت في مجملها أنه انتهاك للقانون الدولي والقرارات الدولية محذرة من عواقبه الخطيرة.

ومع مرور عام على هذا القرار التعسفي المشؤوم، صرح عدنان الحسيني، وزير شؤون القدس، أن التغيير الذي حدث، كان “كبيرا وهائلا على الصعيد السياسي الدولي والميداني في المدينة”.

وقال الحسيني، الذي يشغل أيضا منصب، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، إن الخطوة الأمريكية، شككت في “وجود شرعية دولية ومجتمع دولي وعدالة وحقوق إنسان”.

وأضاف: “ترامب غيّر كل هذه الملامح، ودمّر كل الموازين التي كانت تسير عليها الأمور قبل هذا القرار”.

وكان ترامب قد اعترف في السادس من ديسمبر/كانون أول 2017 بالقدس عاصمة لإسرائيل. وبعد 5 أشهر من هذا القرار، نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس.

وفد رد الفلسطينيون، الذين شعروا بالغضب من القرار، بوقف الاتصالات السياسية مع الإدارة الأمريكية.

واضاف الحسيني يقول: “من ناحيتنا، فإن العالم كله يتعاطف مع قضيتنا ويحاول المساعدة في إنجاح خيار حل الدولتين، لأنه في هذه اللحظة لا يوجد حل آخر، ومع عدا ذلك فإنه لن تكون هناك حلول سعيدة لأحد، وإنما سيعني تعليق الأمور وهو ما يحمل في طياته مخاطر كبيرة”.

وقال الحسيني: “ترامب وعد بالحل من خلال صفقة القرن، وسادت توقعات بأنه يريد فعلا الحل، ولكن في نهاية الأمر فإنها لم تكن صفقة وإنما صفعة ولم نرَ الصفقة حتى الآن”.

وأضاف: “هذه الصفعة أنهت كل شيء، فلم يعد بالإمكان انتظار أي صفقة، فهو لم يقل شيئا عن الاستيطان، رغم أن الإدارات الأمريكية السابقة كانت تقول إن الاستيطان غير قانوني”.

ولكن الحسيني استدرك: “الفلسطينيون لن يستسلموا وأعلنوا أنهم لا يعترفون بكل هذه الصفعات، وتقريبا تم قطع العلاقة مع أمريكا بشكل كامل، فأمريكا كانت تقدم دعما كبيرا، حوالي 840 مليون دولار سنويا، للفلسطينيين والآن لا تقدم شيئا ولا أحد حزين على ذلك، لأنه لا يمكن مقايضة حقوقنا ومبادئنا وثوابتنا بالمال”.

ورأى الحسيني أن التغيرات لم تقتصر على الساحة السياسية والدولية، وإنما أيضا على صعيد العلاقة السياسية ما بين الفلسطينيين والإسرائيليين بما في ذلك التصعيد الإسرائيلي في القدس.

وقال: “بموازاة التغييرات الكبيرة للقرار على مستوى العالم، هناك أيضا وبما لا يقل خطورة تغوّل حكومة اسرائيل اليمينية ضد الفلسطينيين، فهي ألغت كل شيء ولا تذكر الدولة الفلسطينية على الإطلاق ولا تشير نهائيا إلى قضية الشعب الفلسطيني”.

وأضاف: “هناك إجراءات واضحة في القدس تحديدا تنكر حقوق الجميع بما فيها اعتقالات وهدم ومشاريع تهويدية، وقد تغوّلت اسرائيل ضدنا استنادا إلى المواقف الأمريكية”.

وتابع: “هناك تغييرات كثيرة وأمور كثيرة أوصلتنا كفلسطينيين إلى قرار بأنه من أجل الحفاظ على ثوابتنا، علينا أن نعيد النظر في علاقتنا مع اسرائيل كما أعدناها مع أمريكا، وأن نقوم أيضا بتقوية أوضاعنا سواء في الداخل أو الخارج، من أجل أن نقاوم هذه السياسات الجائرة حتى نتمكن من الحفاظ على وجودنا وأعتقد أن لدينا القدرة في مواجهة كل هذه الأمور”.

ولكن الحسيني تابع: “موقفنا واضح، وهو دولة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وإذا لم يحصل ذلك فنرى أننا نسير باتجاه ما هو سيء للجميع بما في ذلك الاسرائيليين، ولن يخرج أحد من هذا الوضع الذي سيكون معقدا جدا”.

واعتبر الحسيني أن القرار الأمريكي زاد من خطورة الأوضاع في المسجد الأقصى.

وقال: “بدأت اسرائيل بمحاولة التدخل بعمق في المكان وبدأت بوضع قوانين من طرفها لصالح المستوطنين”.

وأضاف: “أصبحوا يطلبون بالحق بالصلاة، والبعض الآخر يقول إن المكان لهم وأنه ليس للمسلمين، وبالتالي فإن اللهجة تغيرت وهذا ينم عن أن هناك سياسة جديدة، لأن من يقول هذا الكلام ليس رجل الشارع اليهودي وإنما المسؤولين والوزراء”.

وأكمل: “الأمور واضحة، هناك استهداف للمكان (المسجد الأقصى) ويحاولون الوصول لهدفهم دون أن تكون هناك ردة فعل قوية”.

وتابع الحسيني: “الوضع خطير وهناك استهداف للمسجد واستهدافات لمواقع جغرافية محددة وخاصة المنطقة الشرقية للمسجد الأقصى ومقبرة الرحمة”.

وردا على سؤال حول ما إذا كانت إسرائيل تريد السيطرة على المسجد الأقصى بشكل كامل، قال الحسيني: “بالتأكيد هذا هو تخطيطهم، وهذه هي محاولاتهم الواضحة من تصرفاتهم ولكن هل هذا الشيء سيحصل؟ أنا أقول إنه لن يحصل لأن الناس لن تقبل بهذا الشيء فهذا المسجد يمثل عقيدة”.

وأضاف: “كل الانتفاضات التي حصلت في فلسطين منذ عشرينات القرن الماضي حصلت بسبب هذا المكان وبالتالي ليس من السهل أن يصلوا إلى ما يريدون رغم أنهم الآن في وضع قوي، وبالرغم من دعم أمريكا لهم، وبالرغم من نفاق العالم بشأن قضيتنا الفلسطينية ومع وضعنا العربي والإسلامي المنهار”.

وتقول دائرة الأوقاف الاسلامية في القدس، إن جماعات المستوطنين الاسرائيليين صعدوا من اقتحاماتهم للمسجد الأقصى منذ بداية العام الجاري.

ورأى الحسيني أن من الأهمية بمكان، دعم صمود الفلسطينيين في مدينة القدس ليتمكنوا من البقاء.

وقال وزير شؤون القدس: “نحن شعب عنده انتماء وحب لبلده، وهو متعلق بالقدس بشكل يفوق التصور، هناك أناس يعيشون تحت الأرض في القدس في منازل لا تصلح للسكن، لأنهم يريدون أن يعيشوا في بلدهم وأن يحافظوا عليها”.

وأضاف: “الناس عندما يحدث اعتداء على المسجد الأقصى يتحركون فورا، وبالتالي هناك تماسك مع الأرض وحب وانتماء”.

ولكنه تابع: “هناك 20 ألف وحدة سكنية في المدينة مهددة بالهدم بداعي البناء غير المرخص، وهو ما يسبب مشكلة كبيرة”.

وأشار الحسيني إلى الحاجة لدعم مشاريع إسكان الفلسطينيين في المدينة، ومشاريع اقتصادية وسياحية لإيجاد فرص عمل.

وقال: “هذا يتطلب بعضا من المليارات التي يتم إنفاقها عربيا وإسلاميا هنا وهناك، فليعطونا جزء صغير منها حتى نتمكن من البقاء، ليعتبرونا حراس الأرض حتى نحافظ عليها، نحن لا نطالب بالشيء الكثير، وإنما الحد الأدنى ومطالبتنا لهذه الأمور ليس لأننا كسالى فنحن نشطين ولكن الأمور صعبة ومكلفة”.

ورفض الحسيني الطرح الداعي لأن تكون بلدة أبو ديس، عاصمة للدولة الفلسطينية المستقبلية، مشددا على أن العاصمة هي القدس القديمة ومحيطها.

وقال الحسيني: “يجب أن يكون المسجد الأقصى وكنيسة القيامة في مركز العاصمة وإلا فإنها لن تكون عاصمة، وبالتالي بالنسبة لنا فإن حدودنا معروفة، أما أبو ديس فهي بلدة فلسطينية نعتز بها ونحبها ولكن كل شيء له ترتيباته، فالقدس هي البلدة القديمة بأسوارها والقدس ليست فقط حجارة، وإنما تاريخ وتراث وعقيدة ووطن وبوابة الأرض للسماء”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى