الجبهة الشمالية هادئة والتهديد الحقيقي في الجنوب

تتكرر التهديدات ذاتها بمعانيها اللفظية وعباراتها الكلامية، ومن ذات الشخوص والمسميات التي لن تخرج الى دائرة الأفعال وتراوح مكانها في مربع الأقوال الا قليلاً، وبذلك بات تلك التصريحات معهودة ومألوفة ايضاً على اسماع العامة قبل المتابع والمختص في الشأن الاسرائيلي.

ويبرز هنا السؤال الذي من ضرب الصعوبة الاجابة عليه في هذا التوقيت على وجه الخصوص، في ظل تزايد التقارير التي تتحدث عن عدم جاهزية جيش الاحتلال في خوض اي حرب، وكان ابرز تلك التقارير هي التي أوردها الجنرال ” يتسحاق بريك ” والذي تحدث فيه عن عدم جاهزية الجيش لأيّ حرب قادمة، وخرج بنتيجة سلبية، ما أثار عليه الكثير من الانتقادات والهجوم، الأمر الذي أشغل الصحافة الإسرائيلية بالجدل الدائر داخل الجيش الإسرائيلي حول التقرير.

وفي هذا المقال احاول ان اقدم للقارئ بعضاً من المعطيات التي تشير الى ان احتمالية وقوع حرب سواءً على الجبهة الجنوبية مع قطاع غزة أو الشمالية مع حزب الله ضئيلة جداً في الفترة الحالية ان صح لنا قول، ومن هذه المعطيات والمؤشرات:

أولاً: رداءَة الوضع السياسي الاسرائيلي، وبلوغه مرحلة متقدمة من الترهل الذي يدور في فلك صراع المصالح الحزبية والشخصية، بالاضافة الى تهم الفساد التي تلاحق الشخصية الاقوى حالياً على الساحة الاسرائيلية نتنياهو، وانشغاله بموطئ قدم متين في الانتخابات القادمة، مما يعني بأن الكبينيت والذي اصبح مثل روضة الاطفال كما وصفه وزير الجيش الاسبق “موشيه يعلون” غير قادر على اتخاذ قرار حرب لن تكون مثل سابقاتها بل ان قرار الحرب هو ملك السلك الامني لا السياسية بشكل عام، وتحمل النتائج المترتبة على هكذا قرار، أضف الى ذلك عدم وجود الحافزية عند الجنود والضباط لخوض اي قتال، لكن من الممكن ان تكون هنالك بعض المظاهر اتي يراد من خلالها ابراز وتضخيم الجهود الامنية في مواجهة حزب الله وحماس.

ثانياً: سخونة الجبهة الجنوبية مع قطاع غزة، والتي بات تشكل مصدر قلقٍ حقيقي غير مسبوق لـ ” اسرائيل “، ولاسيما في اعقاب مسيرات العودة المستمرة حتى اللحظة وما تلاها من احداث وجولات مواجهة فرضت خلالها قواعد على ارض الميدان عملت على تكبيل ” اسرائيل ” في تنفيذ ما تشاء حتى على حدود القطاع، مضافاً اليه حادثة فشل الوحدة الخاصة من ” السيرت متكال ” في خانيونس وما تبعها من عملية كشف غير مسبوقة قامت بها المقاومة هزت اركان المؤسسة الاسرائيلية برمتها لهيئات وصور الوحدة التي تسللت، ذلك كله واكثر منه لا نعلمه بل تعلمه المقاومة و” اسرائيل ” يشير الى ان المواجهة القادمة ستكون حرباً ضروس تدفع ” اسرائيل ” ثمناً باهظاً هي بغنى عنه في هذه المرحلة.

ثالثاً: تزايد قدرات حزب الله العسكرية والقدرات التي باتت تمتلكها في ظل تواجد ايراني المدعوم روسياً في سوريا، في ظل انعدام العمق الاستراتيجي الاسرائيلي، وضعف الجبهة الداخلية، لذلك لا تتوانى ” اسرائيل ” في شن اي غارة تستهدف شحنات الاسحلة المرسلة من ايران – حسب الادعاء الاسرائيلي – في ظل علم ” اسرائيل ” العلم اليقين بأن حزب الله الغارق لرأسه في سوريا ولبنان المنهك بخلافه السياسي الداخلي غير مستعد لحرب جديدة، الا انه في حال اي اعتداء سوف يرد بشكل مباشر حسب طبيعة الاعتداء.

رابعاً: التحدي القائم في الميدان المتقلب على ساحة الضفة الغربية، في الآونة الأخيرة ازدادت الدعوات التي تحذر من انفجار الوضع الميداني في الضفة ودخول ” اسرائيل ” مواجهة أشبه بالحرب الباردة فيها، فهي التي لا زالت تتألم من عملية البركان الأخيرة، حيث ان منفذ العملية اشرف نعالوة لا زال مطارداً، مما يزيد معادلة الفشل الأمني للمؤسسة العسكرية تعقيداً، وبالتالي فإن اندلاع حرب على أي الجبهتين تكن فتيل مواجهة متعددة النقاط في ارجاء الضفة المحتلة.

خامساً: الاشارات الخطيرة الكامنة على الحدود الاردنية والمصرية، ولاسيما بعد حادثتي الطعن في مدينة ” ايلات ” على يد عامل اردني، وحادثة اطلاق النارعلى سيارة عسكرية اسرئيلية من قبل جندي مصري على الحدود، بالاضافة الى التخوف المستمر من الجماعات المسلحة في صحراء سيناء المصرية.

ختاماً، من الصعوبة بمكان حسم جواب السؤال الابرز على الساحة اليوم بصورة قاطعة، هل هنالك حرب قادمة ، فيمكن لنا القول بأن هنالك حرباً، وبصورة أدق هنالك مواجهة قادمة لا محالة؛ لأن مفهوم الحرب قد اختلف جذرياً بالنسبة لـ ” اسرائيل “، وأصبح يعبر عن عملية محدودة المكان مقيدة التوقيت محددة الأهداف، قد يكون الاحتمال الأكثر وقوعاً على الجبهة الجنوب مع قطاع غزة، بالتزامن مع استمرار الغارات والاستهداف على الاراضي السورية، لكن الجدير ذكره بأنه ومن الممكن أن تحدث تطورات ليست بالحسبان تخالف الوقعات تقلب الأمور رأساً على عقب.

* مركز القدس لدرسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى