هل صحيح أن سورية ليست عربية ؟!!

  • منذ عدة سنوات خلال هذه الحرب الشعواء على سورية ، وحتى اليوم ، تصاعدت الحرب على عروبة سورية ، ليس فقط من أعدائها ، بل من بعض أصدقائها ومُحِبّيها ..
  • وفي هذه المعمعة الفكرية والثقافية والإعلامية ، جرى نشر مقال عنوانه (سوريا ليست عربية ) في موقع يسمى :(سلسلة الوعي) (سوريون حول العالم)

ثم نقلته عنه عشرات المواقع ومئات الصفحات..

  • و لذلك كان لا بُدّ لنا ، انطلاقاً من الواجب القومي والوطني والأخلاقي ، وفي إطار تفنيد بعض جوانب تلك الحملة الظالمة على سورية ، بذريعة الحرص عليها ، من خلال التشكيك بعروبتها..
  • و هنا نقوم ، بنشر ردّنا على ذلك المقال المسموم ، وأشباهه ، في هذا الحديث ( حديث الثلاثاء ” 26 ” ) .

 في عروبة سورية

《 العروبة التّاريخيّة العريقة ، كانت دائماً هي الحوض الحضاريّ الذي استوعب جميع حضارات ” بابل ” و ” آشور ” و ” سومر ” و ” أكاد ” ، بما في ذلك أولئك المتأخّرون من ” الأنباط ” و ” الفينيقيين ” – ” الكنعانيين ” الذين جالوا بحضارتهم على جميع أصقاع الأرض المعروفة في العالم القديم ، ”الإغريقيّة” و”الرّومانيّة”. 》

1▪في ”مهرجان تحقير العروبة المعاصر” شراكة واضحة جليّة الرّوابط بين طمس حكّام جزيرة العرب ، الضّيّقة ، المُعاصرين ، و محوهم الأصول التّاريخيّة ، للثّوابت المتواترة و اليانعة لعروبة المكان ، و بين من يجتهد في مناسبة هذه الحرب ، لما فيه من خلط للأوراق المرّتبة و المبوّبة في تاريخ ثابت و صلب يمتنع على العبث بحقائقه ، من أجل تزوير التّاريخ السّائر الحيّ لمجموعة حقائق عروبة المكان منذ الآلاف الكثيرة للأعوام و الّسنين ..

و لهذا ننظر ، كمقدّمة خاصّة لحديثنا ، إلى الحرب السّعوديّة على اليمن ، اليوم ، كجزء من سلسلة للانتقام من أصالة العروبة التّاريخيّة التي يعتبر اليمن واحدا من شواهدها الآبدة ، و الّثأر من صلابة الّدليل الدّامغ على عراقة العروبة في هذه المنطقة من العالم ، على رغم أراجيف جلاوزة المرتزقة المعاصرين الذين لم يرفّعهم تاريخ الصّهيونيّة العالميّة من مراتبهم الوضيعة و الدّونيّة إلى ما يتناسب مع مهمّاتهم بالغة الصّعوبة و المستحيلة في تشويه ماضي و حاضر و مستقبل عروبة هذا المكان .

2▪ و إذا كنّا قد استبقنا مناسبة حديثنا ب عبارات ثابتةٍ ، الاتّفاقُ على بداهة حقيقتها أوسع من الخلاف عليها ، فلأنّ هذه المناسبة أصبحت في غضون الحرب ، بخاصّة ، تقليداً يهدف إلى تشويه النّضال القوميّ العربيّ ، الذي تضطلع سورية وحيدة من بين جميع العرب بخوض تضحياته التّاريخيّة ، نيابة عن العرب و عن العالم المعاصر طرّاً ، و من دون تزييف الواقع بعبارات التّواضع الكاذب المجترّ و المكرور .

3▪ نحن بصدد نقد و تفنيد أحد النّصوص الحماسيّة ”النّموذجيّة” القليلة ، من حيث تنظيمها في خطبة لاهبة تستجدي مشاعر الجهلة و غرائز الأّميين من أصحاب شعار ”سوريا أوّلاً” ..

و لذلك فإنّ علينا رسم صورة هذا النّصّ المَسخ بأمانة علميّة و ذلك بتثبيته كاملاً ، أوّلاً ، ثم بالعودة إلى مفرداته التي ستكون محلّ اهتمامنا في إظهار تفاهته و إنشائيّته التي لم يعتمد فيها مؤلّفوه على أيّة حقيقة تاريخيّة ، بل اعتمدوا على تجاهل التّاريخ ، تماماً ، في تهييج تهويشيّ لأعداء العروبة و التّاريخ ، و كأنّ الحقائق الثّابتة الماضية و الحاضرة يمكن أن تسكن خارج التّاريخ الذي اتّفق عليه الغريب و القريب من مؤرّخي العالم و مستشرقيه و مستغربيه .

4▪ النّصّ المقصود صادر عن ”موقع سلسلة الوعي” [ المزعوم ] بعنوان ” سوريّون حول العالم – سوريا ليست عربيّة ” .. ، و يقول هذا النّصّ بِحَرْفِيَّتِهِ :

[ “عزيزنا العروبي السوري، لا تعجب، بل تواضع لسوريتك وتعلَّم..

[ “ مشروع الإحتلال_العربي_القرشي الذي أسَّسته الإمبراطوريات الحاكمة قبل 1400 سنة في سوريا، وبقي وتمدَّد حتى تبدَّد، لا يعني أن سوريا_عربية، فجميعنا نعلم أن سوريا حضارة قبل أن تكون دولة، وأنها كانت قبل أن يكون فيها شيءٌ إسمه عرب بآلاف السنين.. كوننا نتحدث العربية اليوم مع سوريين عرَّبهم الإحتلال العربي القرشي، وصاروا لا يجيدون التحدُّث إلا بلغته العربية، فذلك لا يعني أن سوريا عربية.. سوريا كلمة ليست عربية، دمشق كلمة ليست عربية، حلب و حمص و حماة و تدمر و اللاذقية و طرطوس و درعا، إلى آخر أسماء الحواضر_السورية، جميعها كلمات تشهد صارخة أن سوريا ليست عربية.. عزيزنا العروبي السوري، سوريا تشهد بكل ما فيها أنها ليست عربية..

[ “ العروبة مشروع سياسي عسكري، حاكم بالقوة والقهر والقتل والإغتصاب، مع شعاراتٍ إلهية وثقافية وأخلاقية مزيَّفة، أسَّسته روما وفارس في سوريا قبل 1400 سنة، بقي وتمدَّد حتى تبدَّد، ثم أعادت إنتاجه بريطانيا في جزيرة العرب قبل حوالي مائة سنة، وتمدَّد، ثم حمله جمال_عبد_الناصر في مصر، وتمدَّد، ثم تنازع عليه حافظ_الأسد في سوريا، و صدام_حسين في العراق، حتى تبدَّد.. فشل المشروع العروبي وتبدَّد، لأنه ببساطة مزيَّف، حمله المستعربون لصالح إمبراطوريات، وحاربه العرب لصالح إمبراطوريات مضادَّة.. لا يجوز للسوريين الإستمرار في مشروعٍ مزيَّف، وهدر مقدَّراتهم الوجدانية والحضارية والإقتصادية في محاولاتٍ عبثية خاسرة لإحيائه وهو رميم.

[ “ العرب قومية من القوميات التي إستوطنت سوريا، لا مانع لدى سوريا أن يحملوا هويتها السورية، فيكونون عرب سوريين،طالما كانوا يحملون قيم حضارتها، ويشاركون بقية القوميات السورية في بنيانها،ولكن لا يجوز للعرب إغتصاب هوية_سوريا وجعلها زوراً عربية، كما لا يجوز لغيرهم من القوميات التي إستوطنت سوريا إغتصاب هويتها لصالح أيِّ قوميةٍ من قومياتهم..

[ “ بالمناسبة، أمريكا تتحدث الإنكليزية ولا تحمل الهوية الإنكليزية ولا القومية الإنكليزية، كذلك سويسرا تتحدث الفرنسية ولا تحمل الهوية الفرنسية ولا القومية الفرنسية.. وإذا كان في سوريا من هو مصِرٌّ على تعريب سوريا فهو ببساطة مزيِّف وطائفي قومي، وهو بذلك لا يختلف عن زيف وطائفية داعش الإجرامية..

[ “ عزيزنا العروبي السوري، ما دمت ضد الطائفية فآمن بالهوية السورية، ولا تروِّج لعروبة سوريا، يمكنك أن تكون عربياً تحت مظلة الهوية_السورية، ولا يمكنك أن تجعل سوريا عربية، فسوريا أكبر منك ومن كل العرب.. كلمة العربية في إسم الجمهورية هي كلمة تزييف وتمزيق لهوية سوريا ونسيجها الوطني والإجتماعي والحضاري، وهي جهر وقح بالطائفية، هي خطيئة منتنة لا يكفِّرها إلا نزعها.. إنها سوريا أيها السوري، فخامة إسمها وحضارتها تكفيك شرفاً وفخراً وتزيد، وهويتها السورية وحدها لا شريك لها هي المظلَّة الجامعة لقوميتك ولكلِّ القوميات التي إستوطنت أرضها منذ آلاف السنين” ] .

[ “السوريون حول العالم” ] .

( انتهى ” النّصّ” ) .

5▪ يدلّنا عادة سَقْمُ البحث و الإبداع و عدم الّصبر على بذل الجهود الاستثنائّية و نَدرةُ الرّوّاد و المُجلّين في كتابة تاريخنا ، تاريخ العرب ، بوضوح و ثقة و أمانة علميّة و منهجيّة بحثيّة .. على هذا النّقص الهائل في تدوين الرّواية الأكثر واقعّية و ثباتاً ، لتاريخنا القديم ، ممّا يَطمَئنُّ إليها العقل الدّارس للتّاريخ بعدالة و نزاهة علميّتين ، فإذا بثقافات الشّعوب تغزوها مشاريع ”السّياسة” غير البريئة ..

إذ ليس ثمّة سياسة بريئة .. لتقوم على قصد الحشو التّاريخيّ المُضِلّ الذي يتّبعه الكثيرون من أصحاب الرّوايات السّخيفة حول التّاريخ ، كلّ تاريخ ، و بخاصّة ذلك التّاريخ الذي يكون فيه التّدبيج العابر و البدعة و التّزوير بديلاً للحقائق الثّابتة الأخرى القليلة و النّادرة ، التي قام على ضبطها و اكتشافها و تثبيتها عقول فذّة و غايات علميّة نبيلة و قيم أخلاقّية عظيمة ، و التي لولاها لانعدمت الّرؤية الواضحة للماضي و الحاضر ، و لاستخفّ الكثيرون من الجهلة ، السّياسيين و المؤرّخين و أصحاب المشاريع المدمّرة للأمم و المجتمعات و الّشعوب ، و لاستهتروا بالعقول – و هم يفعلون !- و لأصبح الفرد التّاريخيّ ، قبل الدّول و الكيانات الاعتبارّية العملاقة ، ظاهرة أو مجموعة من الظّواهر الخليعة التي لا أصول لها واضحة ، هذا مع أنّها أفراد و أمم تاريخيّة ضاربة الجذور في جسم تاريخ العالم ، في المكان و الزّمان ..

و في هذا المناخ القلق ، المرتبك و المربك ، و السّالب للحقائق ، تنشط الأدمغة و الأقلام المرتَزِقة و الموتورة و المأجورة لتدبيج وفبركة الرّوايات التّاريخيّة الإنشائّية حول ماضي الشّعوب ، و بخاصّة حول ماضي ”العرب” ذي الجذور العميقة و البعيدة و الأصيلة في التّاريخ، مستغلّة فوضى الإعلام المعاصر و انتشار الصّور الخادعة و ”المُمَنْتَجَة” في سُعار الانتقام من الشّخصيّة القوميّة للأّمة ، و تفتيت هويّة الأفراد و المجتمعات ، إسهاماً في إذلال و هزيمة الشّعوب العربيّة ، فوق كلّ ما تنوء تحته من أوزار و أحمال و أعباء ..

وذلك لتنفيذ ”الخطّة” التّقليديّة في محو ثقافة و حضارة العرب التي عانقت آلاف السّنين من معاركة إثبات و تثبيت الهُويّة القوميّة العربيّة ، و التي تُعَدُّ اليومَ ، في الاستهداف ، أكبر أهداف المشروع العالميّ الذي يعمل على جعل حاضرنا من جحيم خالص و ماضينا من ضياع و ضلال .

6▪ في هذا الإطار ، فقط ، يمكننا أن نقرأ ”النّصّ” ، أعلاه ، الذي ُيعَدُّ أُنمُوذجاً مثاليّاً للإنشائّية الأدبّية السّياسيّة التي انتشرت مؤخّراً في أزقّة الثّقافة و بازار الفكر السّياسيّ الذي ليست هي الوحيدة التي تعمل فيه و عبره ، فقط ، على تشويه الصّورة النّفسيّة الذّاتيّة بين المرء و ذاته ، و كذلك في تحطيم جسور الانتقال إلى المستقبل ، و إنّما تضيف إليه منعنا من إنقاذنا لما تبقّى من مقوّمات و قيم من دونها سوف تفنى شعوبنا و مجتمعاتنا ، بدون أدنى شكّ ، كما سوف لن نكون قادرين على الانتماء إلى مستقبلنا و مستقبل الحضارة البشريّة ، و ذلك مهما تكن المسافات التي تقطعنا عن تاريخ الإنسانّية و تُبعدنا عن غايات البشريّة في التّقدّم و تفصلنا عن الآخرين .

و ليس غريباً ، على كلّ حال ، ما تضمّنه هذا الإنشاء السّياسيّ و هذا التّقرير الكيفيّ الذي نحن بصدد اتّهامه و إثبات ضحالته ، و تفنيده و نفيه ، و المتعلّق صراحة بالتّشكيك الحاقد و الّلئيم في انتماء السّوريين إلى تاريخهم العربيّ العريق ، و الذي يشكّل هذا الانتماء الموضوعيّ ، اليومَ ، كما شكّل في السّابق ، أهمّ روابط المجتمع ، المجتمعات العربيّة ، و جعل منها واقعاً أسهم كثيراً في مواجهتنا تحدّيّات العالم القراصنيّ الحربيّ المتوحّش و العابث و البربريّ، و هذا على رغم كلّ مساوئ و مآسي هذا الواقع العربيّ القاهر و المقهور .

7▪ تنشط أفراد و أدمغة و مؤسّسات و مراكز بحثيّة و معاهد استراتيجيّة و رؤوس أموال طائلة ، و من ورائها قوى غادرة ، محلّيّة و عالميّة ، من أجل تحطيم ما تبقّى لنا ، نحن السّوريين ، اليومَ ، من قيم و ثوابت عربيّة تقينا شرور الزّوال و الانقراض من المشهد العالميّ ، بذرائع مكشوفة و مفضوحة هدفها محو الهُويّة التّاريخيّة العربيّة للشّعب و المكان ، عن طريق تكذيب الحقائق التّاريخيّة تكذيباً غرائزيّاً و استفزازيّاً ، منه ما هو معروف و تقليديّ كان أن نشطَ نشاطاً ملتوياً أثناء الحرب ، و منه ما هو مستحدث و مُطَوّرٌ عن طريق تناول بديهيّات بواسطة مصادرات أدبيّة سياسيّة ، يدعمها جملة من الخرافات التي يتقبّلها الوعي المرهق و الجريح ، في محيط ”عربي” رسميّ مساعد على تمرير مختلف الصّفقات الثّقافيّة الجديدة ، التي تتناول المناعة السّياسيّة للأفراد و المجتمع ، بواسطة استحداث وسائل و أدوات بأصداء متوفّرة من شأنها فصل الفرد عن مجتمعه ، من جهة ..

ثمّ فصل المجتمع عن الأّمة ، بواسطة تحطيم متلازمة الأّمة – القوميّة ، بفصل هذه القاطرة عن مسارها في التّاريخ ، و كلّ ذلك من أجل انتزاع ”الهويّة” الحضاريّة بوصفها روح الشّعب المتأصّل في الماضي السّحيق في التّاريخ .

إنّ المعالجة الفكريّة التّاريخيّة لمشاريع التّقويض الانتمائيّ إلى العروبة كحقيقة مزيّفة سوف نعمل على إزالتها ، تباعاً، هو السّبيل الوحيد لمواجهة تحدّيات التّشرذم و االشّرذمة السّياسيّة الوطنيّة ، بما في ذلك قطع دابر هذه الموجة العاتية التي تعمل على خنق أصول الأّمة و الحقيقة القوميّة العربيّة ، بواسطة هذه الدّعوات المفضوحة و التي تحاكي نماذج معروفة حولنا من الانهزامّية و الالتحاق بركب المشروع السّياسيّ الصّهيونيّ – ” العربيّ ” الإسلاميّ الرّجعيّ في منطقتنا العربيّة الإقليمّية ، ناهيك عن أنّ هذا الواقع المزري ، إنّما يكاد يكون واقعاً شاملاً و عمليّاً للنّظام العربيّ الرّسميّ برمّته .

8▪ لقد تحدّثنا ، هنا ، مراراً على التّاريخ العربيّ إثباتاً لحقيقة العروبة التّاريخيّة كواقع انتمائيّ ثقافيّ و سياسيّ في حدّه الأدنى ، مع أنّنا لم نغفل الخصوصيّة السّوريّة لصفاتنا الوطنيّة ، حيث هناك من الثّوابت ما يوازيها من المتغيّرات ، و ذلك من دون الوقوع في شَرَكِ الخلاعة و الانخلاع من التّاريخ ، بوصفه مأوًى حقيقيّاً للرّوح الذي يدخل في تجربة القلق الوجوديّ ، هذه التّجربة التي أملتها علينا ويلات هذه الحرب و مآسيها الجسام ..

و عندما يكون الاختبار التّاريخيّ الوجوديّ على هذه الدّرجة من التّحدّي الاجتماعيّ و السّياسيّ ، فإنّ أيّة دعوة من قبيل التّشكيك بتاريخ الهويّة العربيّة ، في شكلها الغرائزيّ الاستفزازيّ للعقول الضّحلة ، إنّما ترتقي ، ببساطة ، إلى مستوى الخيانة العظمى التي يُعاقب عليها التّاريخ السّياسيّ للأفراد و الشّعب و المجتمع و الوطن و الدّولة بالامّحاء الحضاريّ من خارطة المنطقة و العالَم .

هكذا بالضّبط تأتي العقوبات التّاريخيّة مترتّبة على أوهام و على مقاصدَ إنشائيّةٍ مفضوحةِ المؤامرة و الخيانة و التّقزيم .

9▪ في الاختزال الِخطابيّ للنّصّ الذي نعالجه ، فإنّ المؤدّى المباشر و غير المباشر له ، إنّما هو في محاولته مخاطبة الغرائز السّوريّة الجريحة ، مخاطبة سياسيّة فظّة و عاطفيّة و استجدائيّة ، مضمونها الجوهريّ هو التّحريض الشّعائريّ ”الكرنفاليّ” ( بالحفاوة الجماهيريّة ) للسّوريين ضدّ الانتماء القوميّ العربيّ الذي جاء وصفه ( النّصّ ، أعلاه ) ” بمشروع الاحتلال العربيّ القرشيّ لسوريا قبل 1400عاماً ” ، و بأنّ ”سوريا كانت حضارة قبل أن تكون دولة، وأنها كانت قبل أن يكون فيها شيءٌ إسمه عرب بآلاف السنين..” ، و بأنّ ” السّوريين قد عرّبهم الإحتلال العربي القرشي” .. ، و بأنّ ” سوريا كلمة ليست عربية، دمشق كلمة ليست عربية، حلب و حمص و حماة و تدمر و اللاذقية و طرطوس و درعا، إلى آخر أسماء الحواضر_السورية، جميعها كلمات تشهد صارخة أن سوريا ليست عربية.. عزيزنا العروبي السوري، سوريا تشهد بكل ما فيها أنها ليست عربية..” [ النّصّ ] .

10▪ و أمام هذه النّزعة التّوليفيّة الثّأريّة السّائبة التي لا يدعمها وثيقة أو تاريخ أو فكر معروف أو غير معروف ، نظراً لبعدها السّياسيّ – الأيديولوجيّ التّدميريّ البحت ، و الغريب بجفاء كبير عن منطق المؤرّخين و التّاريخ ؛ لا نجد أهمّ من دحض هذه التّآليف بالحجّة التّاريخيّة الثّابتة في أسفار مؤرّخين عالميين ، عرباً و مستشرقين ، استقرّ علمهم و تأصّلت ثوابتهم و صمدت وثائقهم أمام مختلف محاولات الّنقد و التّمحيص ، حتّى صاروا حجة و مرجعيّة للغير في التّاريخ الثّابت استعمالاً و استخداماً و اعتماداً على التّأكيد .

يقول المفكّر و المؤرّخ العربيّ العراقيّ المعاصر (جواد علي ) ( 1978 – 1907 ) في حديث له على عَدّ “السّاميين”عرباً ، إنّه لم يثبت له بالدّليل الثّابت القاطع و لا باتّفاق العلماء على أنّ ”السّاميين” قد نسبوا أنفسهم إلى جزيرة العرب ، كما فعل باقي العرب في هجرة القبائل العربيّة من جزيرة العرب إلى العراق و بادية الشّام و بلاد الشّام . و هذا تأكيد مباشر على هجرة القبائل العربيّة الأولى من الجزيرة العربّية و اليمن إلى المنطقة العربيّة المعروفة اليومَ بالمشرق العربيّ .

[ المفصّل في تاريخ العرب قبل الإسلام – د. جواد علي – الجزء الأّول – الفصول من (١- ٤٠) – ص(٢) ] .

و يقول إنّ سكان ( اليمن ) قبل الإسلام كانوا ينطقون بلهجة عربّية غير لهجة ”القرآن” ، و على رغم ذلك استطاعوا التّعرّف على لهجة ”القرآن” و قراءته . [ ص(٤) ] ؛ و هو ما يؤكّد أنّ للعرب أرومة واحدة في الّلسان العربيّ ، و لو أنّ ذلك كان على لهجات متعدّدة ، و هذا ما يثبت وحدة الأصل العربيّ لقبائل الجزيرة العربيّة التي هاجرت إلى بلاد النّهرين و بلاد الشّام و صنعت لها هذه الحضارة منذ فجر التّاريخ القديم .

إنّ الأصل السّاميّ – العربيّ في التّاريخ هو أصل واحدٌ على ما يؤكّده تقاطع تحقيقات المؤرّخين ؛ فبينما يتحدّث المؤرّخ ( جواد علي ) على اختلاطِ وَحدةٍ [ (و لو أنّه يتحفّظ عليها ، و في رأينا لأسباب قومّية معاصرة و مشكلة (“إسرائيل”) ] تاريخيّة بين السّاميين كعرب أو العرب كساميين ، مع إهمالنا و تجاوزنا ، الآن ، للخرافات ”الإسرائيليّة” السّياسيّة و الأيديولوجيّة حول ”السّاميّة” و”مُعاداة السّاميّة” ..

فإنّنا نجد مؤرّخاً موثوقاً و ذا ميول سياسيّة ”سوريّة قوميّة” ، هو ( كمال ديب ) يؤرّخ للحقبة السّوريّة الأولى التي تمتدّ في التّاريخ القديم إلى (٤٠٠٠ سنة ق.م. إلى ٣٣٣ ق.م) بالفترة السّوريّة الكنعانيّة – العمّوريّة الفينيقيّة الآرامّية ، من تاريخ سورية الأصليّ السّاميّ ، التي تنتهي بالحملة الهلّينيّة التي قادها الإسكندر المقدونيّ عام (٣٣٣ ق.م) .

[ كمال ديب – سورية في التّاريخ – المكتبة الشّرقيّة – ص.ص(١٨- ١٩) ] .

و عندما نقاطع الرّوايتين السّابقتين للمؤرّخَين المعروفَين ، نستنتج ببساطة و مباشرة أنّ المرحلة ”السّاميّة” (الكنعانيّة – العمّوريّة الفينيقيّة الآرامّية) في سورية القديمة و بلاد الشّام ، هي فترة تاريخيّة لاحقة على الفترة ”السّاميّة” الأصلّية السّابقة التي بدأت في الجزيرة العربيّة و اليمن القديم ، و هي فترة عربيّة – ساميّة أصيلة و أصليّة ، و هو الأمر الذي يعود بنا إلى عروبة مستقبل سورية ، من حيث الأصل ، على سبق التّاريخ النّوعيّ العربيّ نفسه على التّاريخ السّوريّ .

و من البيّن الخطأ الذي دعا المؤرّخ (كمال ديب) إلى الخلط في ”الحقبة الثّالثة” التي حدّدها بسورية العربيّة (من ٦٣٥- ١٢٥٠م) ، بين ”سورية الإسلامّية” [ من الفتح الإسلاميّ لبلاد الشّام و حتّى سقوط الدّولة العبّاسيّة ] و ”سورية العربيّة” ، إذ ما من سبب تاريخيّ يؤيّد هذا الموقف ، الأيديولوجيّ – السّياسيّ ، هو الآخر ، من المطابقة بين العروبة و الإسلام ..

فشتّان ما بين تاريخ العرب القديم الذي يسطّر تاريخ القبائل العربيّة – السّاميّة بلهجاتها المختلفة ، و بين تاريخ الإسلام الذي يُعدّ تاريخاً حديثاً جدّاً بالنّسبة إلى التّاريخ العربيّ ، و ذلك بدليل بسيط لا يمكن إنكاره ، و هو احتواء لغة ”القرآن” نفسه على مفردات عربيّة – ساميّة – كنعانيّة و سريانيّة ( آراميّة ) ، كانت تستخدم من قبل قبائل و شعوب مختلطة في حضارة واحدة، بدليل توجّه ”القرآن” بنصّه و خطابه إلى جميع مكوّنات تلك ”الحضارة” ، و بدليل آخر ، أيضاً ، ألا و هو تقبل تلك ”الشّعوب” و ”القبائل” و تفهّمها و فهمها المباشر للغة ”القرآن” .

11▪ هنالك ، في الأدبيّات التّاريخيّة ، خلط و نقص و تردّد و سوء دراية و عبث تخصّصيّ ، و جهل ، أيضاً ، بما يُقصد بالتّاريخ الحيّ بمصطلح ”جزيرة العرب” .

يقول المؤرّخ الّلبنانيّ – المصريّ (جرجي زيدان)(١٨٦١- ١٩١٤م) ، شيخ روّاد المؤرّخين المصريين و العرب ،

” إذا أريد ببلاد العرب جزيرتهم فقط ، فحدودها الطّبيعيّة أربعة : شرقيّ شماليّ يبدأ في الجنوب بخليج فارس من شواطئ عُمان فالبحرين إلى مصبّ الفرات و دجلة ثمّ على طول الفرات إلى أعالي سوريا ، و غربيّ شماليّ يمتد من الفرات شرقيّ سوريا و فلسطين إلى خليج العقبة ، و شرقيّ جنوبيّ على طول البحر الأحمر إلى باب المندب ، و جنوبيّ غربيّ هو بحر العرب على شواطئ اليمن و حضرموت و الشّحر [ الشحر هي مدينة تقع في ساحل محافظة حضرموت ] ، إلى شواطئ عُمان .

“ أمّا العرب فكانوا يُدخِلون في جزيرتهم برّيّة سيناء و فلسطين و سوريا ” .

[ جرجي زيدان – العرب قبل الإسلام – دار الهلال – ص(٣٧) ] .

12▪ و ينقل ( جرجي زيدان ) عن ( هيرودوتس ) الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد ، ما يلي :

[ هيرودوت أو هيرودوتس ( باليونانية ): Ἡρόδοτος؛ باللاتينية : Herodotus ) كان مؤرخاً إغريقيا يونانياً آسيوياً عاش في القرن الخامس قبل الميلاد(حوالي 484 ق.م – 425 ق.م). اشتهر بالأوصاف التي كتبها لأماكن عدّة زارها حول العالم ، و قد عرف بأبو التّاريخ…] :

“ أمّا في التّاريخ القديم – على عهد الفراعنة و الآشوريين و الفينيقيين – فكانوا يريدون بالعرب أهل البادية في القسم الشّماليّ من جزيرة العرب و شرقيّ وادي النّيل، في البقعة الممتدّة بين الفرات في الشّرق و النّيل في الغرب ، و يدخل فيها بادية العراق و الشّام و شبه جزيرة سيناء و ما يتّصل بها من شرقيّ الدّلتا و البادية الشّرقيّة بمصر بين النّيل و البحر الأحمر” .

[ ص.ص(٣٩- ٤٠) ] .

فالعرب ، وفق ( هيرودوتس ) أبو التّاريخ ، ليسوا ” قومية من القوميات التي استوطنت سوريا” كما يهذي أولئك ”السّوريّون” المزيّفون ”حول العالم”(!) ، أصحاب ”النّص” الهيستسريّ ، الذي ثبّتناه أعلاه ..

و إنّما العروبة التّاريخيّة العريقة التي يضيع عن أصولها التّاريخ ، كانت دائماً هي الحوض الحضاريّ الذي استوعب جميع حضارات ”بابل” و ”آشور” و ”سومر” و ”أكاد” ، بما في ذلك أولئك المتأخّرون من ”الأنباط” و ”الفينيقيين” – ”الكنعانيين” الذين جالوا بحضارتهم على جميع أصقاع الأرض المعروفة في العالم القديم، ”الإغريقيّة” و”الرّومانيّة” ( و ذلك باستثناء الفراعنة و الّليبيين ، فقط ) و حتّى مشارف ( أوربّا ) القديمة في الجزيرة ” الإيبيريّة ” ، بوابة ( أوربّا ) و كلّ العالم القديم في الثّقافة و التّجارة و الاقتصاد و السّياسة و أديان الأسطورة المبكّرة التي عمّت الكرة الأرضيّة ، في ما بعد ، بشهاداتٍ لعلماء راسخين في تاريخ الأنثروبولوجيا العالمّية مثل ( ستراوس ) و غيره .

13▪ هكذا نكون قد حذفنا الكثير من أوهام الجهل و الجَهَلة و الجُهّال و القاصدين المُزَوِّرين و الحاقدين ، عندما ظنّوا أنفسهم أنّهم قد فتنوا العالم و الثّقافات و المعارف بسوريّةِ سوريةَ و بلا عروبتها ، في الوقت الذي هم فيه عاجزون عن قراءة كتاب واحد في التّاريخ المعتبر ، ليقفوا عند أبسط بديهيّات التّاريخ العالميّ الذي قاله كثير من المستشرقين قبل أن يقواه أبناء جلدتنا ، مؤكّدين هذا من أجل مثقّفينا المزيّفين الذين لا يُطربهم مزمار الحيّ ؛ و إذن ليعودوا إلى المصادر و المراجع و المؤلّفات الطّائلة الغربيّة منها و العربيّة التي كانت معتمداً لبحوث مؤرّخينا الذين أتينا على ذكرهم و ذكر علمهم أعلاه .

14▪ فسورية ليست محتلّةً من العرب القرشيين ، كما يتخرّص أصحاب النّصّ الغثّ الذي ثبّتناه أعلاه ، و إنّما العكس هو الحقيقة و لو في صيغة أخرى أكثر حضاريّة ..

و أعني أنّ السّوريّة هي إحدى اشتقاقات العروبة في التّاريخ بصبغة محلّيّة في بلاد الشّام ذات الهواء و الماء و التّضاريس و الحضارة الخاصّة التي اشتقّتها تلك الخصائص و ميّزتْها عن الأرومة العربيّة الأمّ بفعل الجغرافيا ، أوّلاً ، ثمّ بفعل ما كان لاحقاً من التّاريخ .

15▪ و تأسيساً على ما سقناه من حقائق تاريخيّة دامغة ، فلقد تبيّنتْ خطورة فحيح أفاعي و أفعوانات أولئك الذين ينسبون لأنفسهم إسم ”السّوريين حول العالم” ، في قولهم :

“ العروبة مشروع سياسي عسكري، حاكم بالقوة والقهر والقتل والإغتصاب، مع شعاراتٍ إلهية وثقافية وأخلاقية مزيَّفة، أسَّسته روما وفارس في سوريا قبل 1400 سنة“ ..

و ذلك كما بيّنّا بالوقائع التّاريخيّة الثّابتة أنّ ”العروبة ليست مشروعاً سياسيّاً عسكريّاً ، حاكماً بالقوة والقهر والقتل والإغتصاب ، مع شعاراتٍ إلهية وثقافية وأخلاقية مزيَّفة ، أسَّسته روما وفارس في سوريا قبل 1400 سنة” ..

و إنّما ”العروبة” مشروع حضارة كونيّة كانت ، في الغالب ، موضوعاً لتكالب “الغرب” على ظاهرة أذهلت المعمورة بفكرها و دياناتها الأرضّية و السّماويّة ، و إيمانها بالإخاء البشريّ في وجه عتاة الإمبراطوريّات البربريّة السّابقة عليها ..

و نحن هنا لا نقارع الأيديولوجيا بالأيديولوجيا ، لأنّ كلّ مقاتلة في ذلك إنّما محصّلتها ، في كثير من الأحيان ، صِفرٌ و خواء ، و لكنّنا نواجه الأيديولوجيا بثوابت و حقائق التّاريخ الذي اجتمع عليه العالَم .

16▪ في جدليّة العامّ و الخاصّ ، لم يسقط مؤرّخو العالَم و مفكّروه العادلون في التّناقض الذي يفتعله مثقّفو الخراعة و الخيانة أصحاب المؤامرة على تاريخنا العربيّ – السّوريّ ، و لم يُسهموا كثيراً لاختراع النّفاق الذي ينطلي على غير المثقّفين من الشّعوب العربيّة الطّيّبة التي تتعلّق اليومَ بعصر الزّلزال العالميّ الذي ضرب جذور انتماءاتنا التّاريخيّة ، ليقلبها و يشوّهها تحطيماً لثوابت النّجاة من هجمة مومياءات السّياسة و الإعلام العالميّ الفاجر ..

الذي يعمل على نخر أسس الثّقة بالنّفس و الصّمود ، أمام تفكيك و زعزعة الإيمان بالقدرة الأبدّية للشّعوب ، على التّحمّل و الصّبر في وجه الرّياح العالميّة المسمومة ، التي تغزو العقول الثّابتة و المؤمنة بعدالة قضاياها المصيريّة ..

و لكنّهم وقفوا في التّاريخ الماضي و يقفون ، اليومَ ، إلى جانب وجه العدالة التّاريخيّة التي لا تغيب على مرّ التّاريخ من رواية البشر المحكومة ، أخيراً ، بانتصار الوضوح ، على رغم التّضليل المنظّم الذي تمارسه قوى التّخريب العالمي التي تستهدف حقائق التّاريخ .

يقول مؤرّخ و مفكّر حرّ عالميّ معاصر هو (غوستاف لوبون ) ( ١٨٤١- ١٩٣١ ) ، ما يلي :

” ويجب احترام أعاظم مؤسسي الأديان والدول ، و إنْ وصفهم العلم الحديث بذوي الهوس ، و ُحقَّ له ذلك ، ففيهم تتجلى روح الزمن وعبقرية القوم ، وبلسانهم تنطق أجيالٌ من الأجداد راقدٌة في ثنايا العصور ، والخيالات، و إن كانت كلّما يأتي به هؤلاء المبدعون لِمُثُلٍ عالية ، هي التي أوجدت كياننا الحاضر و لا تقوم بغيرها حضارة ، و لم يكن التاريخ سوى قصص للحوادث التي أقام بها الإنسان خيالاً فعبده ثم هدمه . و الحضارة العربية من صنع قومٍ من أشباه البرابرة ، فلما خرج هؤلاء القوم من صحارى جزيرة العرب صرعوا الفرس واليونان والرومان ، وأقاموا دولة عظيمة امتدّ سلطانها من الهند إلى إسبانية ، وأبدعوا تلك الآثار التي هي آية في الإعجاز والتي توِرثُ بقاياها العجب العجاب” .

[ حضارة العرب – غوستاف لوبون – ترجمة عادل زعيتر – مؤسّسة هنداوي للتّعليم و الثّقافة – ص(٣١) ] .

17▪ يجدر أخيراً بهذا الحديث المكثّف أن يحمل على عاتقه تصحيح خطأ تاريخيّ ”ثابت” حول العرب و ”جزيرة العرب” ، كان أن عالجه ( جورجي زيدان ) نقلاً عن ( هيرودوتس ) الإغريقيّ ( أبو التّاريخ ) ، و هاهو ( غوستاف لوبون ) يُعيد تأكيد تصحيحه ، سواءٌ بالتّقاطع أو بالتّناصّ مع عقول الحقائق التّاريخيّة العزيزة و النّادرة ..

و إنّي أعني به ذلك الخطأ الجسيم الذي نعزوه ، غالباً ، إلى الجهل المحض بالتّاريخ و حدوده و قضاياه التي لا يُجيدها الهُواة ، و هو المتعلّق بالجهل في دلالة و مغزى الحقل الجغرافيّ الواسع لما يُسمّى ”جزيرة العرب” ، و عدم اقتصارها على ”نجد” و ”الحجاز” ، كما يتوهّم هواة التّاريخ من غير العلماء و المتخصّصين ؛ و ذلك كما سطّرها ”أبو التّاريخ” ( هيرودوتس ) ، كما رأينا ، أعلاه ، بحيث تدخل ما تُسمّى ( سورية ) أو ( سوريا ) في قلبها ، و ليس على جوانبها الأجنبّية عنها ، كما يودّ الجاهلون و المتجاهلون بالسّياسة و الجغرافيا و التّاريخ .

يكرّر ( غوستاف لوبون ) : “ جزيرة العرب هي مهد الإسلام ، وهي منبت الدولة الواسعة التي أنشأها خلفاء ُمحمد ، و يتألف القسم الأكبر من جزيرة العرب من صحاٍر ، ويحيط بها البحرالأحمر من الغرب ، وبحرُعُمان و الخليج الفارسيّ من الشرق ، و المُحيط الهنديُّ من الجنوب ، و تتصل من أقصى غربها و شرقها بإفريقية و آسية . و يحيط بجزيرة العرب من ثلاث جهات ، أي من الغرب و الشرق و الجنوب ، ثلاثة أبحر كما ذكرنا ، و أمّا حدُّها الشّماليّ فغير واضح ..

[ على أنّه عند ( هيرودوتس ) كما قرأنا أعلاه يتاخم ”آسيا الصّغرى” ( أو تركيا ، اليوم ][!]

و هو يمتدّ تقريبًا باتجاه الخط الذي يبدأ من مدينة غزة الفلسطينية الواقعة على ساحل البحرالمتوسط مارّاً بجنوب البحر الميت فدمشق فالفرات ، و ينتهي بخليج فارس ، و يبلغ طول جزيرة العرب من أقصى شمالها إلى أقصى جنوبها نحَو ( ٢٣ ) درجةً أو ( ٢٥٠٠ ) كيلومتر ، و يبلغ عرضها من البحر الأحمر إلى الخليج الفارسيّ نحو ألف كيلو متر . و تزيد مساحة جزيرة العرب على (٣٠٠٠٠٠٠) ثلاثة مليون كيلومترمربع ، أي على مساحة تعِدل فرنسة ست مرات” .

[ المصدر – غوستاف لوبون – ص(٤٣) ] .

18▪ بمقاطعة أو مطابقة نصّيّ ( هيرودوتس ) و ( غوستاف لوبون ) – و غيرها كثر – نصل إلى نتيجة بسيطة و هي أنّ ما تّسمّى ( سوريا الطّبيعيّة ) أو ( بلاد الشّام ) ، إنّما هي جزء لا يتجزّأ من ”جزيرة العرب” التّاريخيّة ، و إنّ ”جزيرة العرب” في التّاريخ تمتدّ شمالاً حتّى ما سمّي بآسيا الصّغرى و التي تقع اليومَ ضمن الاختلاسات التّركيّة – العثمانيّة على الأراضي العربّية المسمّاة تاريخيّاً بالجزيرة العربيّة ، بما فيها ( سوريا ) الطّبيعيّة أو ( سورية ) الدّولة السّياسيّة ، و هو ما يطحن جميع أوهام و تخرّصات بعض ” السّوريين القوميين أو الطّبيعيين” الذين انضموا عن جهل و غباء أو عن تخطيط و قصد إلى الجزء المتصهين من أتباع فكرة ”الحضارة السّوريّة” المنفصلة عن الحضارة العربية ، أو القوميّة السّوريّة الحالمة .

19▪ و هكذا “ ليس العرب قومية من القوميات التي استوطنت سوريا” .. كما تخرّص أصحاب المقال أعلاه ، و إنّما ( سوريا ) هي التي تقع في قلب ”جزيرة العرب” التّاريخيّة ، و من هنا ، من حقنا أن ننادي بحقوقنا التّاريخيّة الثّابتة بأرض و نفط ( نجد) و ( الحجاز ) ، و بحقوقنا الإلهّية الثّابتة على إدارة شعائر ”الحج” و ” الكعبة” و ”المدينة” و حرمة قدس أقداس النّبيّ العربي الأعظم محمّد لن عبدالله ، التي سرقتها و اغتصبتْها و احتكرتْها ”عائلة عبد العزيز آل سعود” الوهّابيّة – الصّهيونيّة في أرض الحجاز منذ أقلّ من مائة عام .

20▪ و إذا كان لنا الإحاطة الشّاملة و غير الضّروريّة بالتّفاهات التي أشبعها ذلك ”النّصّ” السّخيف تخريفاً و إساءة و تهويشاً على ”العروبة” ، و لو من أضيق و أتفه مداخله التي أنكر فيها عروبة أسماء المدن السّوريّة ، فلعلّه يُدرك ، أوّلاً ، البعد الدّلاليّ التّاريخيّ لكلّ من ”السّوريّة” ( أو السّورويّة ) و ”العروبة” ..

من حيث أنّ الّلهجة السّوريّة نفسها هي ليست أكثر من لهجة عربيّة واحدة من مجموعة لهجات عربيّة في لسان عرب ”الجزيرة العربيّة” على ما حدّدناها تاريخيّاً ضمن خطوط الطّول و العرض ، في تاريخها الثّابت المديد ..

و الأسماء ”الّسوريّة” المزعومة للمدن و البلدات الواقعة في ما نسمّيها اليومَ ”الجمهوريّة العربيّة السّوريّة” ، إنْ هي إلّا أسماءٌ عربيّة تتجاوز في عراقتها استيعاب الأغبياء المحدودين من أصحاب شعار ( سوريا أوّلاً ) ، من حيث هي أسماءٌ عربيّة قديمة في حضارة ”الجزيرة العربيّة” ، تواضعت عليها ، في ما بعد ، الّلهجات العربيّة المختلفة و المتعدّدة للّسان العربيّ ، و منها الّلهجة السّوريّة المستقرّة أخيراً في الحضن العربيّ الواسع للّسان الذي جاءت الكتب السّماويّة العديدة بلهجاته العربيّة المختلفة ، و التي كانت آخرها أن استقرّت في لسان ”القرآن الكريم” على ما ضمّه من العديد من الّلهجات العربيّة الثّابتة و المتعدّدة و التي تشكّل لساناً واحداً ..

و التي ما كان لولا حقيقتها هذه أن يكون ”القرآن الكريم” قادراً على مخاطبة جميع شعوب لهجات حضارة العرب العديدة في ”الجزيرة العربيّة” بمفهومها الواسع و حدودها المتحرّرة ، بواسطة لسان واحد عربيّ هو لسان ”القرآن الكريم” ، و ذلك من وثنيين و يهود و نصَارى و صابئة ، و أقوام متعدّدة كالقرشيين و التّميميين و النّجديين و التّهاميين .. و الآشوريين و الكلدان و السّريان و البابليين و السّبئيين و الحميريين و الثموديين و قوم عاد و صالح و لوط و المآربة و البلاقسة و السّليمانيين ، و شتّى صنوف الإبراهيميين و الإسماعيليين و الأنباط و التّدمريين و السّامرّيين … إلخ ..

و هو – أي القرآن الكريم – ” الكتاب ” الإمام الذي ينصَّ بكل وضوح وصراحة ، على أنّه جاء ”رحمة للعالمين” .. ولم يأت جزافا ولا لغوا.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى