أوروبا تتجه لمعاقبة أردوغان لتهريبه غاز السارين للإرهابيين في شمال سوريا

يتوقع مراقبون أتراك ومحللون سياسيون في ألمانيا أن يقوم الاتحاد الأوروبي، بقيادة برلين، بوضع أساس عملية فرض عقوبات على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في المستقبل القريب؛ وبمجرد خسارة الفرصة الأخيرة التي أعطتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب له، فيما يتعلق بالمصالح المشتركة في شمال سوريا.

وأساس فرض العقوبات الأوروبية على أردوغان يأتي مع كشف مسؤول ألماني تورط الرئيس التركي بتهريب غاز السارين المحرم دولياً للجماعات الإرهابية في شمال سوريا، واستخدامه بحق مدنيين عزل، ما يجعل الرئيس التركي حال فرض العقوبات عليه بمثابة “مجرم حرب”.

مستقبل العقوبات

  ولفت محللون سياسيون إلى أن وضع الأساس المستقبلي للعقوبات على أردوغان يأتي بسبب جميع صور دعمه للإرهاب، مرجعين إياها إلى أمرين، الأول فشل الرئيس التركي في استغلال الفرصة الأخيرة للتعاون مع إدارة ترامب في مصالح الشمال السوري، وهي الفرصة التي تضيع بالفعل من يده.

فيما يعود الأمر الثاني إلى تجهيز الأوروبيين حدودهم أمنياً في إطار تكوين جيش أوروبي، يكون قادراً على مواجهة تهديدات أردوغان، وعمليات المقايضة التي يمارسها مع الأوروبيين، بتسريب عناصر إرهابية خفية في أفواج اللاجئين، التي يسهل لها العبور من أراضيه، عندما يرغب في استغلال القارة العجوز.

وكان مستشار بالخارجية الألمانية قد كشف عن أن أردوغان دعم جبهة النصرة الإرهابية بغاز السارين في سوريا، وهو الغاز الذي يخضع مستخدموه لعقوبات دولية.

وجاء الإعلان الألماني بناء على مستندات وتقارير تؤكد منها أجهزة المعلومات ببرلين ما جاء بعلو أصوات أوروبيين بفرض عقوبات أوروبية على أردوغان، وعدم الرضوخ لمقايضته لأوروبا باللاجئين، ما يجعله لا ينجو من عقوبات هذه التهم ضمن مواثيق حقوق الإنسان الأوروبية، لا سيما أن من يتورط في استخدام هذا الغاز أو توريده لتيارات أو دول يتهم كـ”مجرم حرب”.

دعم الإرهابيين بـ”السارين”

المحلل السياسي التركي، جودت كامل، قال إن التصريحات الرسمية الألمانية حول تورط أردوغان بإمداد الإرهابيين في سوريا بغاز السارين، حتى الآن، تأتي إرضاء للشعب الأوروبي، وفي الوقت نفسه تمهيداً ووضع أساس لفرض عقوبات عليه عند رفع واشنطن يديها عن حمايته، في ظل المصالح المشتركة بالشمال السوري.

ويرى كامل في تصريحات صحفية أنه “لن تتخذ أوروبا إجراءات رسمية بفرض عقوبات، إلا في حالة فساد العلاقات التركية- الأمريكية، عندما تيأس واشنطن من تصرفات أردوغان، وهي لحظة قاربت، وهنا يتحرك الأوربيون بهذا التمهيد الحالي، في ظل توجيه واشنطن آخر فرصة له، حيث أصبحت علاقته على المحك مع الأمريكان”.

وأوضح جودت أن “السياسة مصالح، وبعدما توجه أردوغان من الغرب إلى الشرق، وغيّر مسار تركيا إلى روسيا والصين وإيران، عاد إلى الغرب مرة أخرى، عندما وجد أن اقتصاد تركيا المتدهور مرتبط بالمصالح الاقتصادية مع الأوروبيين والأمريكان، فاضطر إلى الرجوع للغرب مرة أخرى، لأن الصين وروسيا لم يفيدا في إنقاذه، والأوروبيون مرتبطون بالأمريكان، في ظل تجدد المصالح بين واشنطن وأنقرة، بعد تسليم القس الأمريكي آندرو برانسون من أنقرة إلى واشنطن”.

وتابع: “لكن هناك فرصة أخيرة لأردوغان عند واشنطن ينتظر الأوروبيون إفسادها حتى يتحركوا في ملفهم بفرض عقوبات عليه”، مشيراً إلى أن علاقات الرئيس التركي مع تنظيم داعش الإرهابي “علنية ووصلت إلى ذروتها في العلن، عند ضبط شاحنات المخابرات التركية المتجهة إلى داعش في سوريا، ولم يتحرك الأوروبيون، ولكن أعد بها ملف ينضم ضمن ملفات يدخل فيها جريمته في تقديم غاز السارين للجماعات الإرهابية، وسيكون لها استخدام في عقوبات بالمستقبل القريب”.

الإرهاب المتخفي

بدوره، قال أستاذ العلاقات الدولية في برلين، الدكتور عبد المسيح الشامي، إن “هذا الكشف يمكن أن يكون مقدمة لعقوبات أو موجة من الضغط من قبل الاتحاد الأوروبي، وألمانيا بالتحديد، على نظام أردوغان، فيما يتعلق بملفات حقوق الإنسان وصناعته للإرهاب وتصديره، لا سيما أن الرئيس التركي متهم في أوروبا، خاصة ألمانيا بدعم وتمويل وتدريب وإرسال مجموعات إرهابية عبر موجات اللجوء بشكل متخفٍ إلى أوروبا، والهدف تفخيخ أوروبا من الداخل، وحدوث بلبلة قد تصل إلى مشارف حروب أهلية أو طائفية”.

ويضيف الشامي قائلاً أن “الكشف الألماني القائم على تقارير مثبتة، يعكس اهتماماً وتخوفاً من قبل دول الاتحاد الأوروبي، وعلى رأسهم برلين؛ لكونها تحوي العدد الأكبر من الأتراك واللاجئين، ذوي الخلفيات الدينية المتعصبة، وهذا تطور خطير عندما تثبت علاقة أردوغان بدعم الجماعات الإرهابية بمواد وغازات كيماوية وسامة محرمة دولياً، فهذا تطور نوعي”.

واستكمل الشامي بأنه “عندما تتحدث ألمانيا بالتحديد عن هذه القضية لا يمكن أن يكون تصريحاً عابراً، بل سيصاحبه تمهيد لمجموعة من الإجراءات والعقوبات، لأن التصريح بمعرفة هذه المعلومات سيجعل برلين مطالبة أمام الشعوب الأوروبية، بما أنها تقود الاتحاد، باتخاذ إجراءات ضد التعدي الصارخ على القانون الدولي وحقوق الإنسان، بتهريب غاز محرم دولياً للإرهابيين، فهذا التصريح مقدمة بأن يكونوا ملتزمين أمام شعوبهم بقرار عقوبات ضد أردوغان”.

فيما قال الباحث السياسي في ميونيخ، إبراهيم كابان، إن “الشارع الألماني يرفض السياسات التركية، وبحسب التقارير التي نتعرض لها في السنوات السبع الأخيرة وحتى هذه اللحظة، تركيا تدعم الحركات المتطرفة، وعلى رأسها داعش، وأوروبا تدرك ذلك، وهناك قنوات أوروبية مناهضة لتركيا تقف على هذا الشيء، ولكن الرأي العام الأوروبي مختلف وله رد فعل ضد السياسات التركية، والجميع يقف على دعم تركيا للإرهاب، ولكن الأوروبيين يتخوفون من فتح تركيا لأبواب أخرى، على رأسها تصدير الجماعات الإرهابية، وفتح طرق أفواج اللاجئين إلى أوروبا، وهو ما يقيد الأوروبيين في اتخاذ عقوبات ضد نظام أردوغان”.

وأشار كابان في تصريحات صحفية إلى أن “الحكومة الألمانية حالياً، لديها طبيعة تدور حول التعامل مع تركيا على أساس المصالح الاستراتيجية، وهي علاقات قديمة لها باع اقتصادي في ظل تواجد شركات تركية- ألمانية متبادلة بين البلدين، لهذا لن يكون هناك قرار مباشر، لا سيما أن ألمانيا تتعامل في أحيان كثيرة بالكيل بمكيالين، ففي الوقت الذي تتحدث فيه عن حقوق الإنسان والحريات، تترك تركيا تحتل عفرين وإدلب، ولكن هناك تحركاً أوروبياً عاماً يتم تجهيزه، فالأوروبيون يحاولون وضع حصار نوعي على تركيا، لمواجهة سياسات حزب العدالة والتنمية التركي، سيكون واضحاً مع بداية العام المقبل”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى