على مدار الأشهر الأخيرة خرج ولى العهد السعودي محمد بن سلمان في سلسلة مقابلات إعلامية مع وسائل إعلام أجنبية، محاولًا تحسين صورته بعد الانتقادات الواسعة التى طالبت بعزله ومحاكمته، عقب كشف معلومات تُفيد بتورطه في مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، داخل القنصلية السعودية في تركيا.
ومن بين محاولات تحسين صورته؛ حاول محمد بن سلمان رسم صورة لنفسه باعتباره مُنظّرًا سياسيًا مُخضرمًا ينتقد سياسات رؤساء سابقين، ويُفند أسباب النقد والكراهية لهما. وكان من بين هؤلاء الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر والرئيس الأمريكي السابق أوباما والامام الايراني الراحل اية الله الخميني ، وارتدى ولي العهد السعودي رداء المُنظِّر السياسي الذي يستاء من سياساتهم، ويرى فيها خطرًا على المنطقة العربية.
ففي مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، ووسط حملة تطالب بعزل ولى العهد السعودي محمد بن سلمان على خلفية تورطه فى مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، أذاعت الوكالة السعودية الرسمية صور لقاء جمع بين الأمير الشاب ورئيس الوفد المسيحي الصهيوني، جويل روزينبرج، الذي زار السعودية على رأس وفد من الإنجيليين المسيحيين الأمريكيين، وذلك للمرة الأولى في تاريخ المملكة.
الزيارة التي امتدت لثلاثة أيام متتالية من جانب روزينبرج، المواطن الأمريكي أمريكي – الإسرائيلي المقيم في إسرائيل، ويخدم أبناؤه في جيش الاحتلال، جاءت بترتيب مُشترك من جانب يوسف العتيبة، سفير الإمارات لدى واشنطن، بالتنسيق مع خالد بن سلمان شقيق ولي العهد وسفير السعودية في واشنطن.
وخلال اللقاء الذى نقلت تفاصيله الصحف الإسرائيلية؛ سعى محمد بن سلمان إلى رسم صورة لنفسه باعتباره قائدًا مُصلحًا يحارب الإرهاب والتطرف من جانب التنظيمات الدينية، باستعراض رأيه فى شخصيتين تاريخيتين، هما: الرئيس المصري جمال عبد الناصر وقائد الثورة الإيرانية آية الله الخميني؛ إذ وصفهما بالقول: «لقد دمر كلاهما المنطقة، وسبّبا مشاكل ضخمة للسعودية».
وكراهية ابن سلمان لعبد الناصر لا تبدو مرتبطة بسياسته الإقصائية تجاه جماعة الإخوان المسلمين؛ خصوصًا في ظل تبني الأمير الشاب منهج انتقامي تجاه أي منتمِ للفكر الإخواني، وتطبيق سياسات جديدة تعزلهم من مناصبهم على خلاف أعمامه في فترة الخمسينات والستينات، والذين استقبلوا قادة الإخوان المسلمين الفارين من نظام عبد الناصر، وقاموا بتعيينهم داخل مناصب عليا بالسعودية في قطاعات هامة مثل: التعليم والقضاء.
ويمكن القول إن الاحتمال الأرجح من وراء إطلاق هذه الرسالة في حضور هذه الشخصيات، هي محاولة ولي العهد السعودي التقرّب من اللوبي اليهودي في واشنطن، ومحو صورة الزعيم العربي القومي الذي تعتبره إسرائيل عدوًا، خصوصًا في ظل تخوف بعض أعضاء اللوبي اليهودي بأمريكا في بداية ظهور ولي العهد على الحياة السياسية من أن يتحول إلى زعيم يسير على خُطا جمال عبد الناصر وصدام حسين، وتأجيج مشاعر المواطنين العرب ضد إسرائيل.
هذا القلق ظهر بالفعل آنذاك في مقال منشور بجريدة «هآرتس» الإسرائيلية تحت عنوان: «ولي العهد وإسرائيل: هناك أخبار جيدة وهناك أخبار مزعجة»، إذ ذكر كاتب المقال أنشيل بفيفير أن «الأمير الشاب لديه هدف واحد يريد أن يحققه، وهو أن يكون الشخصية الأقوى في الشرق الأوسط في العقود المقبلة».
رغبة ولى العهد من نقل هذه الرسالة عبر هؤلاء الوسطاء القريبين من إسرائيل كانت من أجل نيل مزيد من الدعم من هذه المجموعات في ظل الموقف الضعيف الذي يمر به في الخارج، وكذلك نفي أية صورة عنه ترسمه زعيمًا يؤجج الشعوب العربية ضد إسرائيل، بل ويُشكل أيضًا قناة اتصال بين هذه المنظمات والسعودية التى كانت تعادي إسرائيل على اختلاف حُكامها.
وتظل قضية كسر المملكة لطابع الجفاء الذى اتسمت به العلاقة مع إسرائيل هي الشغل الشاغل لولي العهد السعودي؛ وهو ما ينعكس في إطلاق تصريحات عدائية تجاه أي رئيس عربي شكلت سياساته نوعًا من المقاومة لإسرائيل مثل جمال عبد الناصر.
وتتضح أهداف سياسة المملكة الدائمة خلال مرحلة ولي العهد السعودي في الجهر بالكراهية لعبد الناصر من واقع قراءة مقال منشور للكاتب السعودي والمدير العام لـ«مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية والقانونية» في جدة، عبد الحميد حكيم، وأحد المحسوبين على تيار ولي العهد السعودي، حين أشار إلى أن عبد الناصر وأيديولوجية العروبة التي انتهجها لعبا دورًا مهمًا في تأجيج الكراهية ضد إسرائيل.
ويسير الكاتب السعودي مع نفس ما يذهب إليه ولي العهد السعودي من غسل يديْ بلاده من التاريخ الطويل من الكراهية لإسرائيل عبر الجهر بسياسته الجديدة المناهضة للرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، بالقول: ” عبد الناصر وجد ضالته في استثمار الصراع العربي الإسرائيلي وعمل على تكريس العداء لدولة إسرائيل، وغرس ثقافة الكراهية لليهود وإنكار حقهم التاريخي في المنطقة مستخدماً جميع الوسائل المتاحة له حتى أصبح هذا العداء جزءًا أصيلًا من ثقافة المواطن العربي”.