ابرزهم جمال عبد الناصر.. رؤساء مصريون وقعوا فى غرام التدخين

تحتفظ الذاكرة المصرية البصرية بالعديد من المشاهد للرؤساء ورموز السياسة، وتعلقهم بشراهة التدخين، الذى يرافقهم أينما ذهبوا، كالحارس الشخصى، الذى قلما يظهر فى أحاديثهم مثلما تظهر «السيجارة» فى أيديهم.

فإذا ما سألت أحدًا عن رؤساء مصر، أو أشهر رموز السياسة المدخنين، فلن يجد صعوبة فى سرد أسمائهم، ليقول لك: «الملك فاروق، جمال عبدالناصر، محمد نجيب، أنور السادات»، لكن إذا ما سألته: هل كان الرئيس السابق محمد حسنى مبارك من المدخنين أم لا؟ فربما لا تجد جوابًا لديه. الرئيس جمال عبدالناصر، الذى عرف بأنه مدخن شره، ظل يدخن يوميًا أكثر من 60 سيجارة بحسب عبدالمجيد فريد، أمين عام رئاسة الجمهورية، وكان له موقف مع التدخين، فالزعيم الراحل الذى كان يدخن سجائر ماركة «كنت» ثم «فيليب موريس»، حدث أثناء لقائه بوكيل وزارة الخارجية الأمريكية، مستر «تالبوت»، أنه أبلغ الزعيم بأن «فيليب موريس» أنتجت نوعًا جديدًا من السجائر به «فلتر» يحتوى على طبقة من الكربون لتقليل نسبة النيكوتين، فما كان من الزعيم إلا أن قال له: «فلقتونا.. كل شوية تطلعوا سجاير شكل، وتقولوا لنا نسبة النيكوتين كام، وكل الحكاية إن ده كله غاز بيطلع فى الصدر ويبهدله».

ومن مواقفه الشهيرة أيضًا مع التدخين، حينما قرر جمال عبدالناصر الإقلاع تمامًا عن التدخين فى عام 1968، بعدما عاد من رحلة علاج فى موسكو، وأوصاه الأطباء بالإقلاع نهائيًا عن التدخين، فقال للطبيب: «لم يخبرنى أحد بذلك، وعلى العموم هذه ستكون آخر سيجارة أشربها»، وبالفعل امتنع عبدالناصر عن التدخين حتى وفاته.

أما عن الرئيس محمد أنور السادات، فعشق «الغليون»، وكان دائمًا ما يظهر بها فى المناسبات الرسمية، أو خلال جلساته العملية والعائلية، وكان جيهان السادات أرملة أنور السادات قد ذكرت أن زوجها كان يعشق التدخين عبر «البايب»، حيث كان يعتبره المتعة الوحيدة فى الحياة، رغم نصائح الكثيرين له بالامتناع عنه فى الحياة العامة، والاكتفاء بالظهور به داخل منزله، وذلك لأنها كانت تقود حملة موسعة ضد التدخين.

ومن مواقف رؤساء مصر مع التدخين التى لا يعلم عنها أحد شيئًا، إلا من كان قريبًا منهم، يخبرنا الكاتب الصحفى الكبير الراحل محمد حسنين هيكل فى كتابه «مبارك وزمانه»، عن المرة الأولى التى عرف فيها أن مبارك يدخن السيجار، وكان ذلك فى أول لقاء بين «هيكل» و«مبارك» فى سنوات حكمه الأولى.

يقول «هيكل»: «سألنى مبارك: ألا تريد أن تدخن سيجارًا؟، أنا أعرف أنك من مدخنى السيجار، وأنا مثلك، وأبديت الدهشة، فقال إنه لا يظهر فى الصور بالسيجار لكى يتجنب القرشنة! لكنه يدخن سيجارًا واحدًا كل يوم، ثم ضغط على جرس يطلب صندوق السيجار». ويروى «هيكل» أنه حينما جاء صندوق السيجار مع أحد الضباط «طلب مبارك تقديمه إلىّ بالإشارة، وأخذت منه سيجارًا، وأخذ هو سيجارًا، ثم سألنى وهو يرانى أشعل عود كبريت: سيجار كويس؟!». يقول «هيكل»: «قلت بكل احترام، الحقيقة إنه مقبول، فقال مبارك باستنكار: إيه؟، هذا روميو وجوليت، فقلت إن الشركة التى تنتج سيجار روميو وجوليت تنتج أكثر من 75 نوعًا بعلامتها، وكل نوع منها مختلف عن الآخر، وسأل مبارك باهتمام: أمال إيه بقى السيجار الكويس؟».

ويشير «هيكل» إلى أنه طلب بعد استئذان مبارك أن يأتى سائقه بعلبة السيجار التى تركها فى سيارته لاعتقاده بأن مبارك لا يدخن، ويضيف: «وجاءت العلبة وعرضت على الرئيس مبارك أن يتفضل، فأخذ واحدًا منها أشعله، وكانت ملاحظته: والله أحسن فعلًا، غريبة جدًا!».

ويقول «هيكل» أن «مبارك» طلب منه أن يقوم بإملاء أحد الضباط «كل أنواع السيجار الكويس»، وحين أخبره «هيكل» بأن لكل نوع من السيجار مذاقه الخاص، قال مبارك: «معلش مليه كل الأنواع الأبهة»، وبالفعل جاء أحد الضباط بورقة وقلم، وكتب وراءه ما يمليه عليه، وحينها قال له «مبارك» ضاحكًا: «يا أخى عاوزين نتعلم العز».

ويروي «هيكل» أن «مبارك» قال له: «عندما كنا نتدرب فى الاتحاد السوفيتى كطيارين، كنا نشترى هذا السيجار الذى لم يعجبك، ونبعث به إلى قادة السلاح، وكانوا يعتبرون ذلك فخفخة».

 خلاف أم كلثوم ويوسف إدريس..

 «من فضلك ممنوع التدخين»، ربما يلاحظ الكثير من الناس تلك اللافتة فى بعض الأماكن العامة، وداخل بعض المؤسسات والأماكن الأثرية والسياحية، تماشيًا مع القوانين التى تحظر التدخين داخل الأماكن، والموجودة فى عدد كبير من بلاد العالم، أولها المكسيك التى كانت أول دولة تسن قانونًا يمنع التدخين عام 1575، وانتشر بعدها فى مناطق واسعة من العالم، وأقرته مصر رسميًا سنة 1981.

لكن ربما ذلك القانون، وبالطبع المقولة السالفة الذكر، عرفتهما مصر بشكل غير رسمى قبل 1981، وبالتحديد من خلال حفلات كوكب الشرق أم كلثوم، التى كانت تحظر التدخين فى حفلاتها، الأمر الذى كان يجعل عددًا كبيرًا من جمهور «ثومة» يغيب عن الحفل، وكانت تلك الواقعة حلقة ضمن حلقات واسعة من علاقة التدخين بأهل الفن، والتى جاءت متناقضة، بين الرفض والقبول، فالبعض حظرها على جمهوره فى حفلاته كـ«ثومة» وحليم، والبعض روّج لها فى إعلانات تجارية، والبعض ظهر يدخن فى أعماله الفنية باعتباره «رمزًا للرجولة»، وهناك وقائع وقصص طريفة كان التدخين بطلها فى حياة أهل الفن.

الأديب الكبير يوسف إدريس كان معروفًا بتدخينه السجائر بشراهة، وعلى الرغم من حبه الشديد لكوكب الشرق أم كلثوم، فإنه كان يرفض قرارها بمنع التدخين، وهو ما صرح به فى إذاعة الشرق الأوسط عام 1956، بأنه لا يقبل أن يمتنع عن التدخين من أجل حضور حفل لأم كلثوم.

ويبدو أن هذا التصريح أثار غضب أم كلثوم، واعتبرت أن ذلك إهانة لها شخصيًا، فكان أول قرار تتخده هو منع إذاعة أغانيها على إذاعة الشرق الأوسط، ويبدو أن «إدريس» أراد الخروج من مأزق غضب «الست» وتراجع عما قاله للإذاعة، وذهب لـ«ثومة» يوضح موقفه: «أنا لم أقل ذلك، لكننى قلت لا أحضر فى المسرح حتى أستمتع بها وحدى فى البيت، لكن المحطة حذفت هذه الجملة».

الطريف فى موقف كوكب الشرق أنه على الرغم من قرارها وموقفها من يوسف إدريس، فإنها شخصيًا كانت من المدخنات، والتقطت لها العديد من المجلات الفنية صورًا وهى تدخن السجائر فى العديد من المناسبات، حتى نشرت إحدى المجلات الفنية صورة لها فى حوار يبدو أنه حاد مع الشاعر أحمد رامى، وهى تشير بيدها تحمل سيجارة، تحت عنوان «وصلة خناق لأم كلثوم».

سار العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ على نفس الطريق الذى سلكته قبله كوكب الشرق أم كلثوم، بعدما طالب فى خلال إحدى حلقات البرنامج الإذاعى الشهير «منتهى الصراحة» فى 26 يوليو عام 1976 من جمهوره الإقلاع عن التدخين فى حفلاته الفنية، لأنه يؤثر على صحة الجمهور، وعلى صحته هو شخصيًا، ويجعله يتوقف عن الغناء.

فى فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى، استغلت الشركات التجارية الأزواج المشاهير من أجل الترويج لمنتجاتها التجارية، فظهر إعلان عبارة عن «بوستر» لفاتن حمامة ترتدى فيه الأصفر، وأمامها صورة لعبوة سجائر من ماركة «فرجينيا» من إنتاج شركة «وتكس»، كما قدمت إعلانًا مشتركًا مع زوجها السابق المخرج عزالدين ذوالفقار، وهى تضع سجارة فى فمها بينما هو يشعلها.

بجانب فاتن حمامة ظهرت النجمتان هدى سلطان وكاميليا فى إعلانات الترويج  لشركات السجائر، وظهرتا وهما تدخنان سجائر «أطلس كوتاريللى»، ونشرت هذه الإعلانات فى العديد من المجلات والصفحات الفنية، كما حرص النجم أنور وجدى على الظهور مع زوجته فى الأربعينيات ليلى مراد من أجل الترويج لإعلانات سجائر «واسب»، فظهر الثنائى وهما فى لحظة رومانسية، ويقوم أنور وجدى بوضع السيجارة فى فمه وبجواره ليلى مراد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى