نتائج الإنتخابات الامريكية لا تعني تغييراً في السياسات الخارجية

أمريكا تتخبط، ليس ترامب من يتخبط،أمريكا التاريخية “المنحدرة”  من أصول أوروبية بيضاء ، تتجه للتشدد والعنصرية كما البدايات ، وهو التشدد الذي بني على جلب الأفارقة واستعبادهم وعلى إستئصال المواطنين الأصليين وحشرهم في مناطق محددة .

هذا الإتجاه الأشد عنصرية وتمييزاً يجد تعبيره داخليا بشكل واضح في الحزب الجمهوري، ومن هنا رأينا تقدم تيار الدولة العميقة الأكثر عنصرية وعدوانية يتقدم في إنتخابات الشيوخ ..

ومن هنا أيضاً رأينا معظم الأقليات اللاتينية والإفريقية والاسيوية (بما في ذلك العربية والإسلامية) تجد تعبيرها غالباً في الحزب الديمقراطي بما هو عليه من لمسات ليبرالية أقل عنصرية ،كما وجد الحزب في هذه الأقليات رصيده للمنافسة.. ولكن داخليا ، وفق الثوابت الأمريكية الرئيسة . أما خارجيا فسياسة كلا التيارين في الدولة العميقة تكاد تكون متطايقة عدوانية ، إلا في التفاصيل والطرق والوسائل والأساليب.

وتتمثل ثوابت النظام الأمريكي في:

1 ـ الرأسمالية ، وسيادة الدولار كعملة عاامية وحيدة للتبادل.

2ـ إنتهاج سياسات عدوانية احتلالية فتنوية تقسيمية تدخلية في شؤون الدول.

3ـ تمييز عنصري تكرسه قواعد ديمقراطية شكلانية ؛ تُخترق بحسابات دقيقة تخدمه وتغطيه .

4ـ سياسة خارجية  تخدم في كل الأحوال الإنحباز المطلق للصهيونية. .

5 ـ استخدام سياسة ذرائعية لمعاقبة دول ومجتمعات أخرى لا تتوافق مع النهج الأمريكي في مفاهيم حقوق الإنسان والمرأة والطفل، أو في رغبتها تطوير قدراتها الدفاعية أو التصنيعية او التجارية أو الثقافية .

6 ـ فرض العقوبات الإقتصادية والسياسية ودفع دول أخرى بالتهديد للإلتزام بفرض تلك العقوبات على الدول والشركات والأفراد المعنيين بها .

7ـ  ضمان رفاه الأمريكان الأوروبيين البيض وتحقيق تقدم صناعي وعلمي  على حساب إستقطاب مهاجرين وعمالة وكفاءأت علمية من مختلف أنحاء العالم ، وعرقلة عودة المبدعين منهم إلى بلدانهم الأصلية .

وبعامة لم يخرج الحزبان أو النظام السياسي الأمريكي والدولة العميقة عن هذه الثوابت الرئيسة على مدى التاريخ ، (بل كان يضاف إليها المزيد وفق الضرورات مع بقاء سابقاتها) وذلك للإعتبارات التالية  :

1 ـ الحرص حد التقديس للثوابت الرئيسة آنفة الذكر .

2ـ احتكار 4 جهات رئيسة للقرار والإستراتيجيات الأمريكية وهي :

أ ـ  المجمع الصناعي وضمنه المجمع العسكري ..

ب ـ النظام النقدي المصرفي الذي يتحكم بالبورصة و النفط والذهب وسعر صرف العملات الوطنية ، في العالم ، وتقوده اسر يهودية محددة.

ت ـ  اللوبي اليهودي الأمريكي ..

ث ـ الماسونية العالمية (وتتقاطع في نفوذها مع كل من المجمع الصناعي والنظام النقدي واللوبي اليهودي  ومع غيرها )

3 ـ ابتعاد أمريكا جغرافيا عن بؤر الإستنزاف ، ما أتاح لها البناء في الداخل والتدخل الإنقاذي عندما يكون الآخرين قد استنزفوا وقطاف ذلك ، وعدم ظهور منظومات مستدامة منافسة .

من هنا فإن تأثير التغييرات الداخلية الأمريكية إيجابيا على الخارج كان محدوداً ، أو معدوماً ، بل قد يكون أثر التغييرات الإيجابية في أمريكا سلبيا على الخارج ، حيث ستستشعر أمريكا قوتها وتتعامل بصلافة أشد مع الشعوب والدول والأمم الضعيفة .

لا بد ان تقدم الديمقراطيين في ” النواب ” جيد للشعب الأمريكي ، وللأقليات بخاصة ، لكن هذا الفوز لن يخدم منطقتنا وإن كان لن يضرنا ، غالباً ، وقد يخدم أمريكا جزئيا، بوضع حدٍ لما يجرها متطرفوها اليه من عزلة بتعظيم نهج الحصارات والعقوبات لتي تتخذها ضد عدد متزايد من الدول ، حتى باتت هي المحاصرة والمعزولة ..

إن تغيير سياسات أمريكا الخارجية مرهون حصراً بمدى ما تحدثه تلك السياسات من أضرار بالغة بها ، لا بمزاج رئيس وسعة او ضيق مداركه ، كدولة وكمؤسسات، ولذا فوضع حدٍ للسياسات العدوانية الأمريكية، لا يعتمد على كرم وحسن أخلاق حكامها وأصحاب القرار فيها ولكن بما تفرض نضالات المنتهكة أوطانهم وحرياتهم والمسروقة ثرواتهم من قبلها .

بكلمات : ليس عاقلا من يراهن على تحولات إيجابية في السياسات الأمريكية الخارجية تجاه قضايانا العرية أوفي نتائج الإنتخابات فيها ، فقادتها مجرد موظفين كبار لدى الممسكين بخناق القرار الأمريكي ، فاستراتيجياتها ثابتة ومؤسسات اتخاذ القرار راسخة ، وعليه فالمراهنة العاقلة لا تكون إلا على الذات وقدراتها وشعبها ونزاهة شرائح الحكم فيها وتحالفاتها وكينونة المقاومة ثقافة راسخة مندمجة في تكوينها الوطني .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى