سقوط الرهان التركي على تغيير الموقف الامريكي من أكراد سوريا

 

تقول أوساط سياسية كردية إن مسحة التفاؤل التي ظهرت خلال الأيام الماضية بشأن عودة تدريجية للعلاقات التركية الأميركية التي ترجمت في اتخاذ خطوات باتجاه تنفيذ اتفاق منبج، وقبلها إطلاق سراح القس الأميركي أندرو برونسون وما نتج عنه من رفع متبادل للعقوبات بين البلدين، بدأت في الانحسار مجددا بعد أن أظهر الجانب الأميركي تمسكا بدعم شركائه الأكراد في سوريا.

وتوقفت في الأيام الأخيرة التحرشات العسكرية التركية بمناطق وحدات حماية الشعب الكردي في شرق الفرات ربطها متابعون بقيام الولايات المتحدة بتسيير دوريات على الحدود التركية السورية، فيما بدا تأكيد أميركي على أن المساس بالمنطقة والتنظيم المسيطر عليها خط أحمر.

وكان الجيش التركي قد استهدف الأسبوع الماضي مواقع لوحدات حماية الشعب العمود الفقري لتحالف قوات سوريا الديمقراطية في محيط عين العرب وتل الأبيض، ما أدى إلى سقوط عدد من القتلى في صفوف المقاتلين الأكراد.

وترافق القصف مع حملة إعلامية قادها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي أعلن أن بلاده تستعد لعملية عسكرية واسعة لطرد الوحدات الكردية التي يصنفها “إرهابية” من شرق الفرات.

وعقب القصف التركي قامت قوات ترفع العلم الأميركي بتسيير دوريات على الحدود بين الجانبين وأكد المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) روب مانينغ، في مؤتمر صحافي الاثنين أن “القوات الأميركية بدأت الجمعة الماضي بتسيير دوريات تأمينية بطول الحدود الشمالية الشرقية لسوريا، وذلك مع شركائنا في قوات سوريا الديمقراطية“.

ووصلت الرسالة الأميركية لتركيا التي سارع رئيسها رجب طيب أردوغان إلى الرد عليها الثلاثاء، معتبرا أن تسيير دوريات مشتركة بين الولايات المتحدة والوحدات الكردية على الحدود التركية السورية غير مقبول.

وحذر الرئيس التركي خلال تصريحات صحافية عقب كلمة له أمام الكتلة النيابية لحزب “العدالة والتنمية” في البرلمان، مما أسماها بالتداعيات السلبية الخطيرة لتلك الدوريات على الحدود السورية التركية.

وقال أردوغان للصحافيين إنه سيتطرق إلى الدوريات التي تنفذها الولايات المتحدة وقوات سوريا الديمقراطية المتحالفة معها، خلال اللقاء المرتقب بينهما على هامش المشاركة في إحياء ذكرى نهاية الحرب العالمية الأولى التي تقام في العاصمة الفرنسية باريس. وأضاف “أظن أننا عندما نتحدث مع دونالد ترامب، فإنهم سيوقفون هذه العملية على الأرجح”.

وترى الأوساط السياسية الكردية أن الخطوة الأميركية تعكس تمسك واشنطن بدعم حلفائها الأكراد في سوريا، لافتة إلى أن مجاراة الولايات المتحدة لتركيا بتنفيذ خارطة الطريق المتفق عليها بشأن منبج ليست سوى محاولة لتحسين العلاقات بين الجانبين، لكنه لا يمكن بالمرة الاستناد عليها في الحديث عن تغير في الموقف الأميركي تجاه حلفائهم وحدات حماية الشعب الكردي.

وأكد تقرير لوزارة الدفاع الأميركية صدر مؤخرا بأن الدوريات المسيرة للجيشين التركي والأميركي، في إطار خارطة الطريق المتعلقة بمنطقة منبج السورية، عملت على خفض التوتر في المنطقة.

وأقر تقرير هيئة التفتيش في البنتاغون حول عملية التحالف الدولي ضد داعش، للفترة الممتدة بين يوليو وسبتمبر، بوجود صعوبات أمام تطبيق خارطة طريق منبج، التي تم الاتفاق عليها بين أنقرة وواشنطن في يونيو الماضي. وكشف أن هدف خارطة الطريق، يتمثل في إيجاد حل لمخاوف تركيا المتعلقة بوجود تنظيم وحدات حماية الشعب في منبج.

ولفت تقرير البنتاغون إلى أن “خارطة الطريق لم تستكمل حتى الآن، ولكن يبدو أنه تم تطوير العلاقات الثنائية مع تركيا، وفي نفس الوقت تحقيق هدف الاستمرار بالعمل مع الوحدات الكردية القوة المقاتلة الرئيسية ضمن قوات سوريا الديمقراطية”.

وأشار إلى أن “هدف الولايات المتحدة الأول في سوريا محدد بالقضاء على داعش”، لافتا إلى 3 أهداف أخرى للإدارة الأميركية في سوريا من بينها إخراج إيران، وتحقيق الاستقرار في مناطق شمال شرقي سوريا التي تم استردادها من داعش.

ويرى مراقبون أن تحقيق الأهداف الثلاثة يتطلب الإبقاء على دعم الأكراد، هذه القوة التي تسيطر اليوم عن أزيد من ثلث المساحة السورية في شمال شرق سوريا.

وتعتبر تركيا أكراد سوريا تهديدا مباشرا لأمنها القومي، حيث تتهمهم بأنهم امتداد لحزب العمال الكردستاني الذي تخوض معه معركة في جنوب شرقي البلاد.

وشكّل الدعم الأميركي للأكراد في شمال سوريا وشرقها أحد الأسباب الرئيسية في حالة الفتور في العلاقات الأميركية التركية، ولئن شهدت انفراجة بسبب تفاعلات قضية الصحافي السعودي جمال خاشقجي، إلا أنه من الصعب التكهن باستمرارية هذه الانفراجة. ويرى مراقبون أن الموقف التركي المعلن امس الثلاثاء بشأن نية أنقرة عدم الالتزام بالعقوبات الأميركية على إيران، قد يؤدي بالعلاقة مع إدارة ترامب إلى نقطة الصفر، لافتين إلى أن هذا الموقف قد يندرج في سياق سياسة الابتزاز التي يبرع الرئيس رجب طيب أردوغان في ممارستها.

ويقول مراقبون إنه على ضوء الموقف الأميركي الواضح لجهة دعم الأكراد، فإن تركيا لا تملك رفاهية مهاجمة شرق الفرات وإن ما ستقدم عليه لاحقا لن يتعدى الجانب الاستعراضي، في محاولة لعدم الظهور بأنها الطرف الأضعف.

وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان الأحد بأن تركيا تنقل 1200 من المقاتلين السوريين المعارضين الموالين لها من ريف حلب إلى أراضيها المقابلة للمناطق السورية الخاضعة لقوات سوريا الديمقراطية شرق الفرات.

وقال المرصد إن أنقرة تعمل حاليا على نقل 500 من هؤلاء العناصر، بعد أن كانت قد استقدمت 700 آخرين الأسبوع الماضي حاملين سلاحهم الخفيف، تم نقلهم على متن حافلات تركية “بإشراف من المخابرات التركية”.

وأوضح المصدر أن عملية النقل “تمت من عفرين عبر لواء اسكندرون والأراضي التركية إلى مناطق تقابل منطقة قسد في شرق الفرات أو الضفاف الغربية ضمن مناطق درع الفرات”.

وبحسب المرصد الحقوقي، أبلغت أنقرة فصائل (درع الفرات وغصن الزيتون؛ حملتان مدعومتان من أنقرة تضمان مقاتلين سوريين) في عفرين مؤخرا بالتأهب من أجل عملية عسكرية جديدة ضد وحدات حماية الشعب (نواة قسد) في مناطق شرق الفرات، “وخصت توجيه الكلام لفصائل دير الزور والرقة والحسكة لخلق فتنة بين العرب والأكراد”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى