في السادس والعشرين من أكتوبر من كل عام تصادف الذكرى المؤلمة لصفقة وادي عربة التي أبرمتها حكومة عبد السلام المجالي في ذلك الوقت مع الكيان الصهيوني المجرم .
والحقيقة أن تاريخ الأردن السياسي أصبح يكتب ويؤرخ ما قبل وما بعد تلك الجريمة بحق الوطن .
ومنذ تلك المعاهدة المشؤومة والوطن يغوص في أزمات متلاحقة.. صحيح أن بعض تلك الأزمات ولدت مع ولادة الأردن السياسي نظرا لشح الموارد، ناهيك أن الأردن قبل هذا وذاك كان غصنا ضمن اربعة أغصان تشكل في مجملها سوريا الطبيعية .
ولكن بعد جريمة وادي عربة ضاقت الأرض بما رحبت على الأردن، حيث توقف دعم ما كنا نسميهم بالأشقاء باعتبار ان الأردن كان حينذاك دولة مواجهة مع العدو .
اليوم بعد جريمة وادي عربة تسابق الأشقاء لطلب رضا الكيان الصهيوني وإقامة العلاقات السرية والعلنية معه، لغرض نيل رضا البيت الأسود في واشنطن ، ومجموعة الضغط إياها.
قبل توقيع الأردن تلك الجريمة وقف الملك الراحل الحسين وقال انه مجبر أن يضع يده بيد الشيطان- ويقصد اسحق رابين- من أجل وطنه وسداد المديونية التي وصلت في ذلك الوقت (خمسة مليارات دولار) حيث رأى صاحب القرار ذلك الرقم مهولا وضخما نظرا لموارد الأردن الشحيحة .
وهكذا جاءت صفقة وادي عربة لتشكل تحولا جذريا في تاريخ الأردن السياسي حيث استفاد العدو وحصل على كل ما يريد ، وخسر الأردن ولم يستفد شيئا، إلا أنه أصبح جسرا لعبور العدو نحو الدول الخليجية في بعض العلاقات السرية التي ما لبث أن أصبحت علنية، واستغنت عن الدور الاردني المعتاد .
جريمة وادي عربة تمر هذه الأيام ذكراها الرابعة والعشرون وقد صنعت شرخا بين الشعب وحكامه، فمنذ تلك الصفقة اصبحت الحكومات الأردنية بعيدة عن شعبها، خاصة بعد عام 1999م ، حيث بدأ ارتفاع المديونية إلى أرقام فلكية ، كما جرى بعد ذلك بيع مؤسسات الوطن وأراضيه لما قيل انه لأجل سداد المديونية التي زادت ولم تنقص، ناهيك عن الأزمة السياسية المركبة التي يعيشها الوطن، والتي تفاقمت بعد تلك المعاهدة المشؤومة، وأصبح الجميع يتساءل و يفكر بصوت عال عن تلك الاتفاقية، وماذا استفاد منها الأردن ما دام الثمن هو هذا الشرخ الكبير بين القمة الرسمية والقاعدة الشعبية التي تبقى هي الاساس وهي صاحب هذا البلد الخالد وما كل دون ذلك زائل.
اليوم وبعد أكثر من عقدين على تلك الجريمة نتساءل ماذا جنى منها الأردن غير الفقر والبطالة والمديونية والتخريب الزراعي لأراضينا، حيث لم يعد لشيء قيمة ولا لون ولا طعم .
وفي المقابل حصل العدو على كل ما يريده، ويكفي أن نذكر أن وكره المسمى سفارة أصبح لا يقل أهمية عن الوكر الأمريكي بالنسبة للنظام لدرجة قيام حارس صهيوني بالوكر بقتل مواطنين أردنيين مع تهريب القاتل، الذي استقبله الكيان الصهيوني استقبال الأبطال.. فهل هناك اهانة لنا أكثر من ذلك؟
انني اتحدى ان يكون اي مسؤول أردني قد تجرأ وسأل عما جاء في حق الأردن ونظامه السياسي من قبل نتنياهو في كتابه المعروف “مكان تحت الشمس “.
أخيراً، نؤكد ان كل اتفاقيات غير العادلة والتي لا يقبلها الشعب لن تعيش طويلاً، وجريمة وادي عربة لن تكون أقوى من الاتفاقية مع بريطانيا العظمى سابقاً التي أسقطتها حكومة الزعيم الوطني الناصري سليمان النابلسي .
ان التاريخ مليء بالدروس والعبر، وكل صفقة من خلف ظهر الشعب مصيرها السقوط، وما جريمة وادي عربة إلا إفراز لخلل سياسي واقتصادي في موازين القوة لن يستمر طويلاً ، بل سيأتي اليوم الذي سيلغي الشعب فيه هذه المعاهدة، كما ألغيت في السابق الاتفاقية مع بريطانيا .
وان غداً لناظره قريب .