سُرّ الشعب العربي الأردني خلال هذا العام مرتين ، أولاهما بتمكن الجيش العربي السوري من تحرير جنوب سورية من عصابات الإرهاب على اختلاف مسمياتها بعد نحو 42 شهراً من الإفساد في الأرض ونشر الخراب .
والمرة الثانية بفتح معبر نصيب جابر ، نتيجة تحريره ، والذي يعتبر بمثابة الشريان التاجي للشعب الأردني إقتصادياً وسياحيا ومعنوياً واجتماعيا ، حيث يصدر منتجاته منه وبخاصة الزراعية الى سورية ولبنان وأوروبا وروسيا وغيرها .. ومن سورية يتسوق الأردنيون يوميا احتياجاتهم المميزة بجودتها واعتدال اسعارها وقربها جغرافياً ويقضون بعض وقت استجماما وراحة ، ومنهم من يزور أقرباء وانسباء وأصدقاء وزملاء دراسة .
وبهذا المعنى ، أتوجه بالتهنئة للشعب العربي الأردني بفتح المعبر – كما سبق وهنأته بتحرير الجنوب من على فضائية ANB والإذاعة الأردنية – فتحرير الجنوب السوري حقق أمرين فمن جهة أبعد خطر تمدد العصابات الإرهابية الى الأردن وغيره ، وقد سبق أن نفذت هذه اعصابات عدة عمليات تخريب وقتل وممارسات تمس الأمن الوطني في الأردن ، ومن جهة أخرى أفسح التحرير المجال أمام فتح المعبر كما رأينا.
فسورية تعتبرالسوق شبه الرئيسة للمنتج الزراعي الأردني ( يأتي بعدها العراق ) وفي ظل إغلاق المعبرين تضرر المزارع الأردني الى حد كبير ، ووقع نحو 20 الف مزارع تحت وطأة قضايا تنفيذ قضائي .
إن لتحرير جنوب سورية وفتح المعبر معان كثيرة ، لعل منها إسقاط الأوكار التي انطلقت منها المؤامرة على الدولة الوطنية السورية.. والتي تبدت في حرق المحكمة والأحوال المدنية ، ما يعني أن هناك أياد خارجية أرادت أن تعبث بالمواطنة السورية وتزوير الجنسية لإدخال غير سوريين الى الجنوب .. لكن تحرير الجنوب لم يكن كله قتالا ، فحواضن الإرهاب لم تعد كذلك ، والعديد من السوريين تصالحوا مع الدولة وعادوا إلى حضن الوطن، ما سهل تحرير الجنوب،وبقي المتطرفون وغير السوريين فتم نقلهم إلى الشمال ، تمهيداً للتصفية الكبرى .
لقد حال صمود وانتصار سورية في وجه المؤامرة الكونية والحصار الإقتصادي والسياسي والديبلوماسي ، بدعم من القوى الحليفة والصديقة والرديفة ، من تمدد الإرهاب إلى خارج حدودها ، بل وأسهمت في تحقيق معادلة توازن عالمية جديدة ، وعرّى الإدارات الأمريكية وكشف الحبل السري الذي يربط بين الإرهاب والرجعية العربية والصهيونية وعواصم الإستعمار القديمة بخاصة منها لندن وباريس وبون .
وبدا العالم أكثر تمحوراً ، وإن لم ينته الفرز بعد ، لكنه في طريقه للتشكل على غير صعيد .
كان الميزان التجاري بين الأردن وسورية في التسعينات والعقد الأول من الألفية الثالثة يميل لصالح سورية ، لكن كانت نسبة ازدياد الصادرات الأردنية إلى سورية سنوياً ؛ أكبر منها من ازدياد الصادرات السورية الى الأردن ، .. وكانت الصناعات القطنية والأعمال اليدوية والفواكة المجففة والأقماح السورية في الأردن ذات سمعة طيبة .. وكان الآلاف من الأردنيين يتوجهون إلى سورية بشكل يومي فيما عرف بعضهم بـ ” البحارة ” من منطقة شمالي الأردن للتبضع لغايات التجارة ، فيما البعض الآخر من المواطنين الأردنيين كانوا يتوجهون بشكل منتظم للسياحة والإستجمام والتبضع حيث قرب المسافة وجودة المنتج واعتدال الأسعار وحسن المعاملة .
وكانت السياحة في الأردن تعتمد على فتح المعبر ، فالسائح الخليجي كان يزور الأردن لليلتين أو 3 ليال ثم يتوجه الى سورية ليقضي أسبوعاً على الأقل ثم يتوجه للبنان ليقضي عدة ايام ثم يقفل راجعاً .. وباغلاق المعبر أغلق هذا النوع من السياحة .
بهذه المعني ففتح المعبر الناتج عن تحرير جنوب سورية سيكون له نتائج ايجابية على الأردن .. وعلى سورية ، وعلى لبنان ، وعلى المنطقة بعامة.
ولا بد أن سورية الآمنة المستقرة الممتلكة لقرارها السيادي المستقل كما كانت قبل الحرب العدوانية عليها والحصار ، مدخل المنطقة إلى الإستقرار ، الذي لا يمكن تحققه دونها ، بل والذي سيهيء المنطقة إلى معادلات سياسية جديدة لصالح شعوبها ، بعد الحاق هزيمة منكرة بالإرهاب ومن يقف خلفه ، بل والحاق الهزيمة بالمراهنات على اسقاط الدولة الوطنية السورية وما يعنيه هذا الإسقاط لو نجح من صعود شرائح أكثر تبعية وعمالة للأجنبي وتسخير ثقافات ومقدرات المنطقة وشعوبها له .
ولن يقتصر فتح الحدود مع سورية ( ومع العراق قريباً ) على الجوانب الإقتصادية بل على نتائجها حول السياسات الأمنية والداخلية ، حيث ستتكرس مصلحة الأردن مع سورية والعراق بدلاً من الخليج المرتهنة مصالحه في أغلبه بالغرب ، ما يخدم الشعب الأردني ، بخاصة عندما تتبدى ان سورية الممسكة بقرارها المستقل السيادي غير المرتهن للغرب ولمؤسسات راس المال العالمية من بنك وصندوق دوليين استطاع الخروج من نتائج وتداعيات الحرب ، فيما دول تعاني من أزماتها دون حرب بحكم ارتباطاتها المقيدة لحركتها وقرارها المستقل السيادي وتحكم شرائح الفساد فيها التابعة للخارج بها .
إن إنجاز تحرير الجنوب السوري الذي اختار المتآمرون أن تبدأ منه المؤامرة ، يحمل معان ومغاز مهمة ، وسيمكن من إنجاز معركة الشمال وبعدها شرق الفرات، رغم كل المناورات الأمريكية التركية ، وبالتالي فتح كل المعابر العراقية السورية ، ما سيعزز التيار الوطني في العراق بعيداً عن الضغوط الأمريكية والسعودية ، كما سيعزز الإرادة الشعبية في الأردن ، ويؤكد أن أكلاف الصمود مهما تعاظمت تبقى أقل من الإستسلام للأجنبي .
يبقى التنويه بأن تحرير الجنوب وفتح المعبر أسقط موضوعيا فعالية غرفة الموك في الأردن ، لكن استمرار وجودها يسيء لوجه الأردن الرسمي ويعرقل استعادة ألق العلاقات الأردنية السورية ومسح صفحات سوداء من الذاكرة ورفع التمثيل الديبلوماسي وعودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم وهو كما نعلم مطلب معظمهم. علماً أن الشارع الشعبي الأردني.. أحزاباً قومية ويسارية ونقابات وقوى مجتمع مدني وشخصيات وطنية ، قد عبّر مرارا بكل اشكال التعبير عن رفضه المطلق لوجود غرفة الموك ولأي تدخل اردني رسمي ضد سورية .
في ذكرى رحيله الـ ٥٣ .. قراءة في حيثيات “العروة الوثقى” بين عبد الناصر وجماهير الشعب العربي
بعض الناس يشبهون الوطن، إن غابوا عنا شعرنا بالغربة (نجيب مح... إقرأ المقال