لماذا يكرر السيسي الرواية الاسرائيلية

 

دأب قادة (اسرائيل) منذ عقود طويلة على الدفاع عن حقهم “الباطل” فى التمسك والاصرار على القيود والشروط التى فرضوها على مصر فى اتفاقيات كامب ديفيد مقابل اعادة سيناء، بذريعة ان القوات المسلحة المصرية لم تستطع ان تحرر فى حرب 1973 سوى بضعة كيلومترات قليلة شرق القناة، فاذا اراد المصريون بقية سيناء التى عجزوا عن تحريرها فى الحرب، فعليهم ان يدفعوا ثمن ذلك: “اعتراف بشرعية اسرائيل وصلح وسلام وتطبيع معها وانسحاب من الصراع العربي الصهيونى بالإضافة وهو الاخطر والاهم تقييد للقوات والتسليح المصرى فى سيناء الا باذن (اسرائيل).”

ولطالما يتفاخر الاسرائيليون بكل كذب ووقاحة وعجرفة: “بان العرب تعلموا الدرس جيدا وهو ان اسرائيل تجيد القتال، وانه لا يمكنهم ان يحصلوا منها على شئ الا بالمفاوضات”.

ولكن ان يكرر ذات الرواية، رئيس الدولة المصرية امام العالم أجمع، كما فعل عبد الفتاح السيسى فى كلمته الاخيرة بالندوة التثقيفية المنعقدة صباح الخميس 11 اكتوبر 2018، فان هذا يمثل خطيئة كبرى فى حق مصر وشعبها وتاريخها النضالى وبطولاتها العسكرية وامنها القومى ومصالحها العليا المستقبلية فيما لو ارادت ان تتحرر من قيود وشروط كامب ديفيد.

حتى انور السادات نفسه لم يجرؤ على ترديد هذا الكلام، وكان يقدم رواية أخرى مفادها: “اننا كدنا ان نحقق النصر الكامل لولا تدخل الولايات المتحدة الامريكية ضدنا فى الحرب.”

وفرق السماء والارض بين مقولة ان تدخل الامريكان كان هو العقبة، وبين ان تعلن على الملأ ان امكانياتنا لم تكن تسمح لنا بأكثر مما حققناه.

خاصة وأن موازين القوى مهما اختلت لا يمكن ان تمثل ابدا حائلا دون قدرة الشعوب على تحرير ارضها المحتلة، وتجارب استقلال مصر عام 1956 والجزائر عام 1962 وعديد من الاقطار العربية وبلدان العالم الثالث، رغم الاختلال الرهيب فى موازين القوى هى خير دليل على ذلك.

***

كما ان هذه الرواية التى يكررها كل من الاسرائيليين وعبد الفتاح السيسى، ليس حقيقية، فحرب اكتوبر كان من المفترض فى الاستراتيجية المصرية ان تكون جولة اولى، تستهدف عبور المانع المائى وهدم خط بارليف وتحرير ما تيسر من الارض شرق القنال كمرحلة اولى، لتكون بمثابة قاعدة للانطلاق فى مراحل تالية وجولات اخرى لم تكن لتتوقف قبل تحرير كامل الارض المحتلة.

ولكن كل هذا ذهب ادراج الرياح بعد قرار السادات الكارثى بنقل الفرقتين الاستراتيجيتين من غرب القناة الى شرقها والذى ادى الى حدوث الثغرة، وانكسار ارادة القيادة السياسية، والقبول بشروط (اسرائيل) فى اتفاق فض الاشتباك الاول فى 18 يناير 1974، والذى نص على انسحاب القوات المصرية التى عبرت فى الحرب والتى كان عددها وقتذاك 80 الف مقاتل وعودتها مرة اخرى الى غرب القناة مع ابقاء 7000 جندى فقط وانسحاب الدبابات المصرية كذلك وعددها ما يقرب من 1000 دبابة وابقاء 30 دبابة فقط، مقابل انسحاب القوات الاسرائيلية التى قامت بالثغرة الى شرق القنال، مما كان له بالغ الأثر على اعداد وتسليح القوات التى سمحت بها المعاهدة لمصر فيما بعد عام 1979.

وحتى اذا كانت رواية (اسرائيل) والسيسى صحيحة، وهى ليست كذلك، فلا يصح ان تصدر علانية على لسان اى مسئول مصري، فما بالك حين يكون هو رئيس الدولة.

***

لم يكتفَ عبد الفتاح السيسى للاسف بتبنى وترديد الرواية الاسرائيلية عن حرب 1973، بل بالغ فى واستفاض فى الحديث عن هزيمة 1967، اضعافا مضاعفة عن حديثه واشادته بنصر اكتوبر، فأسهب فى الحديث عن فرق القوة الهائل بيننا وبين اسرائيل حينذاك وشبهه بالفرق بين السيارة السيات والسيارة المرسيدس، وقال ان قرار الحرب فى ظل تلك الموازين كان بمثابة قرارا بالانتحار، فى تشبيه مجازى اراد منه ان يشيد بالمعجزة التى قام بها الجيش المصرى.

وكان من الممكن ان يكون سياق الكلام مقبولا، لو انه أكد فى نهاية هذا الكلام المستفيض عن ضعفنا العسكرى مقارنة باسرائيل عام 1973، ان الوضع اليوم اختلف وإننا اليوم اقوياء نتساوى ان لم نكن نتفوق فى الميزان العسكرى على اسرائيل، وان لا أحد يجرؤ اليوم على تكرار عدوان 1967…الخ.

ولكنه لم يفعل الا فى اشارة عابرة وخجولة، بل انه تحدث عن (اسرائيل) 1967 و1973 بصيغة “الخصم والطرف الآخر” اللذان كررهما أكثر من مرة، متجنبا تكرار كلمة “العدو” التى لم يذكرها الا مرة واحدة على استحياء.

***

ليست هذه هى المرة الاولى التى يردد فيها عبد الفتاح السيسى هذا الكلام الذى يكسر الشعوب ويضعف ثقتها بنفسها ويضرب روحها المعنوية ويضخم من قوة (اسرائيل) وينتقد ويهاجم التوجه والسياسة والسنوات التى كنا نعاديها فيها ونرفض الاعتراف بها او السلام معها ونصر على قتالها حتى النهاية، بل انه سبق ان قاله فى مناسبات عديدة؛ قاله فى مؤتمر الشباب الثالث بالاسماعيلية فى 26 ابريل 2017:

((الدولة دى انتدبحت سنة 1967… وتوقف تقدمها لسنوات

تصوروا لو كان السادات معملش السلام ..

وقت ما كان بيقول الكلام ده .. كانت الناس كلها بتقول الراجل ده خان القضية .. لكن الراجل ده كان قاعد مكانى هنا الله يرحمه وبيفكر فيها وفى مستقبلها وعرف ان الحل لا يمكن انه يكون الا بان احنا نفك نفسنا من الحروب والضياع وندور على مستقبل بلدنا))

وقالها ايضا فى الندوة التثقيفية للقوات المسلحة المنعقدة يوم السبت 28/4/2018 حيث قال بالنص:

(( بعد 1967 .. الوجدان اتشكل على عداوة شديدة (لاسرائيل) واستعداد للقتال للآخر (حتى آخر مدى) ..

مكانش فيه حد فى المنطقة وفى مصر يقبل بمبادرة السلام ال الرئيس السادات طرحها…

احنا بنتكلم (النهارده) بعد 50 سنة عندما تشكل وجدان جديد ووعى اخر وحالة جديدة فى نفوس الناس هى حالة السلام والتشبث به))

ناهيك عن تعليقه على قرار نقل السفارة الامريكية الى القدس الذى قال فيه:

((قرار نقل السفارة سيؤدى الى شئ من عدم الرضا والاستقرار..

بنتحرك فى حدود قدرتنا ..

وحطوا خط تحت حدود قدرتنا..

وعلى الفلسطينيين ان يحتجوا بطرق لا تؤدى الى سقوط ضحايا..

وعلى الإسرائيليين ان يكونوا اكثر حرصا فى عدم اسقاط ضحايا..

ولا يمكن لمصر ان تفعل شيئا .. علينا ان نعمل ونكبر لكى يكون لنا تأثير فى المستقبل ..))

وكذلك ما قاله فى المؤتمر الصحفى مع الرئيس الفرنسى ماكرون فى اكتوبر 2017 ردا عن سؤال حول حقوق الانسان فى مصر حين قال ((نحن لسنا فى اوروربا بتقدمها الفكرى والثقافى والحضارى))

هذا بالاضافة الى “التقطيم” الدائم للمصريين على غرار: احنا فقرا اوى .. واحنا شبه دولة ..الخ

***

لقد رفعت ثورة يوليو شعار: ارفع راسك يا أخى

ورفعت ثورة يناير شعار: ارفع راسك فوق انت مصرى

اما السيد عبد الفتاح السيسى فمن الواضح انه ليس من أنصار أن ترفع الشعوب رؤوسها أو تعتز بكرامتها”.

القاهرة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى