حرب أكتوبر والحقيقة الغائبة

تمر السنين وتتدفق أحداث كثيرة في نهر الحياة المتجدد والسريع الحركة، وتمر علينا الذكرى الــ45 لحرب السادس من أكتوبر المجيدة التي لا زال يحيطها الغموض والكتمان وخزان من الأسرار المخفية والحقيقة التي لم ترو بعد .

وفي الوقت الذي ينظر إليها العرب بأنها ملحمة تاريخية وهي كذلك في البدايات، ولكن هناك الكثير من الأسرار المخفية، ولسوء الحظ ما يقوله الآخر غير العرب فيه الكثير من الحقائق الصادمة وأقصد الغرب وأمريكا وحتى الكيان الصهيوني اللقيط .

ولا شك أن من يقرأ ما يقوله هؤلاء يصدم ، وفي الوقت الذي أهمل الإعلام العربي والمصري بشكل خاص تضحيات الجنود العرب ولا سيما المصريين والسوريين  ، وتقف الصورة عند قرار العبور ولمدة إحدى عشر عاما حيث اختصرت كل الحرب والتضحيات بقرار العبور .

وبعد هلاك السادات على يد نخبة من الجنود المصريين واستمرار نظامه من خلال المخلوع حسني مبارك، اختلف عنوان الاحتفال فبدلاً من قرار العبور اقتصرت ذكرى أكتوبر وتضحيات الجنود والضباط على عنوان الضربة الجوية الذي ظل سائداً حتى اندلاعثورة 25 يناير وإسقاط مبارك .

واستبشر الجميع خيرا عندما رفعت أجيال من الشباب المغيب والمهمش طيلة أربعين عاما  صور الزعيم جمال عبد الناصر وهم لم يعاصروه، بل وفتحت عيونهم على اغتيال الحلم الناصري بمصر قوية عزيزة ورائدة وقائدة لأمتها العربية ، ومؤثرة في منطقتها بمصر أبناء الكامب الخاضعة اللاهثة وراء أمريكا .

وهذا يعني أن كل الحرب القذرة الممنهجة بالإعلام بمختلف وسائله والسينما والمسرح على سيرة الزعيم جمال عبد الناصر ومحاولة تشويه تاريخه المشرف لم تنجح ، وان وعي شعبنا أكبر من كيد الكائدين والخونة .

وهذا هو الشعب في أول تحرك لم يجد أصدق وأنبل من الناصرية وعصرها الذهبي ، لذلك ارتفعت صور الزعيم جمال عبد الناصر دون غيره ، واختفت كل الأكاذيب ولو مؤقتا .

حرب أكتوبر والنصر المحدود الذي تحقق لايزال خلفه الكثير من الأسرار، وكيف استغل ذلك النصر ليصبح هزيمة سياسية ندفع ثمنها كل يوم ،والقضاء على ذلك الأمل أو إفراغه من مضمونه الذي تمثل بقدرة الجندي العربي والمصري والسوري بشكل خاص على الحرب  وفضح أكذوبة الجيش الذي لا يقهر .

وحتى لا نضيع الوقت مع الصورة التي لم تتغير في الإعلام المصري بشكل خاص برفع العلم المصري على 10 كيلومتر داخل سيناء المحتلة،  ومنع تحرك أو تقدم أي عسكري مصري حتى21 من أكتوبر، وعندما تحرك  كانت الخسائر فادحة في الأرواح والمعدات حيث حدث خلال التوقف المصري على التقدم ثغرة الدفرسوار وعزل الجيش الثالث ومحاصرته بلواء صهيوني كامل وكذب السادات وهو لم يصدق في حياته ، عندما قال بمذكراته أو المهزلة التي أسماها البحث عن الذات أنها سبع دبابات ، واختلف هنا مع قائد الجيش المصري وأحد أبرز المخططين لتلك الملحمة الفريق سعد الدين الشاذلي الذي تم عزله ، وتولى السادات المهمة وسلم أمره لكل ما يطلبه الصهيوني هنري كيسنجر  الذي لم ينقطع الخط الساخن بينهم منذ اليوم الأول للحرب وتبدل الحال وأصبح التفوق للعدو واضحا وتواجده غرب القناة وحتى محاصرة السويس .

وعلى الجانب السوري أدى عدم التقدم الجيش المصري لما كان متفقا عليه من أيام الزعيم جمال عبد الناصر إلى جعل العدو ومن ورائه أمريكا تضع كل ثقلها على الجيش السوري الذي أجبر على التراجع بعد اجتياحه الجولان وتهديده لقلب فلسطين المحتلة .

وهكذا جاءت النهاية المؤلمة لتلك الملحمة بعكس البداية العظيمة لها، لأن هناك طرف وهو السادات وليس مصر وجيشها العظيم  كان له مخططا آخر ويهدف لحرب تحريك ، وأصبحت مصر وجيشها ضحية لخائن رهن وطنه وأمته لأعدائها .

ولتنطلق بعد ذلك مفاوضات 101 بين الكيان الصهيوني والسادات حيث تم الاتفاق على نقطتين هما سبب كل ما نعاني منه اليوم .. الأولى ان حرب أكتوبر هي آخر الحروب ، وثانيا الحل بالتفاوض ولو استمر ألف عام ، وللأسف حتى العدو اعترف بخيانة السادات لأمته وشعبه ، بينما لا يزال البعض يعتبره بطلا  وشهيدا ، فهذا كيسنجر الذي قيل أن الحرب بدأت بموافقته بحجة تسخين الأوضاع يتحدث بمذكراته أنه كان يستغرب لماذا لم يستخدم السادات كل الأوراق التي كانت بيده  ، وقد سئل كيسنجر بعد ذلك لماذا لم تقدموا شيئا للسادات مقابل كل ما قدمه لأمريكا وللسلام ، أجاب بمنتهى الصراحة هل نحن مجبرين أن نقدم شيئا مقابل ما حصلنا عليه مجانا .

وبعد ذلك يأتي إعلام العهر السياسي وكتبة البترودولار ليزعموا أن السادات كان سابقا لعصره ، نعم انه سابق لعصره ولكن بجعل الخيانة والعمالة تصبح وجهة نظر  .

وتبقى أكتوبر وتضحياتها أكبر من السادات وأسياد السادات ومشغلي السيادات ، وهي تحسب للجندي العربي المصري والسوري بشكل خاص .

وتحية تقدير واحترام لمن أعد وحضر وجهز لتلك الملحمة التي تبقى عظيمة رغم كل شيء  .. الزعيم جمال عبد الناصر ورفاقه من القادة العسكريين، والرئيس حافظ الأسد ورفاقه من القادة العسكريين .

تحية لأرواح شهداء الأمة في تلك الملحمة من الجيش المصري والسوري وكل من شارك بشرفها العظيم ، ولعنة الله والتاريخ والأجيال على الخائن أنور السادات ومن سار على طريق خيانته وحساب الشعب قادم مهما طال الزمن ، وتاريخ الأمم لا يكتب بالأحقاد والأهواء الشخصية .

عاشت أمتنا العربية.. كل الاحترام والتقدير لمصر جيشا وشعبا ، ولسوريا جيشا وشعبا وقيادة ، ولا نامت أعين الجبناء .

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى