الدم الروسي والقلق الإسرائيلي

لم يكن لسقوط الطائرة الروسية في سوريا أمس، ليُمر بهذه المتابعة الإسرائيلية الحثيثة، لولا الشعور الإسرائيلي الراسخ، أنّ “تل أبيب” تتحمل المسؤولية الأكبر، عن دماء جنود دولة استعمارية كُبرى، تناثرت دماؤهم، فتسببت بقلق إسرائيلي، ربما ليس بالكبير، لكنه بلا شك، وضع السياسي الإسرائيلي، على الأقل في موضع المُفكر بالعواقب، حتى وإن كانت لن تكون في نظرها سوى لحفظ ماء الوجه على الأقل في المرحلة الحالية.

وبدايةً لا بدّ من التذكير، إلى أنّ التنسيق الروسي-الإسرائيلي في الساحة السورية، أمرُ لا يُمكن اخفاؤه، أو حتى أنّ أحد الإطراق لم يُسارع إلى نفيه، فهو تنسيق يُحقق مصالح مشتركة، وترى فيه روسيا، شعرةٌ يُمكن من خلالها الحفاظ على “إسرائيل” كصديق إن لم يكن كحليف، وترى فيه “تل ابيب” المدخل الأهم لاستباحة سوريا، عدى عن كون روسيا من القوى التي من خلالها يُمكن مد عمر المشروع الصهيوني.

العناوين الأبرز، التي أوردتها الصحافة العبرية، كانت حيال اعتبار الحادثة، الأزمة الأكبر بين البلدين، خلال العقد الأخير على الأقل، ورغم النفي الشديد السياسي والإعلامي، عن تحمل مسؤولية “إسرائيل للحدث، فإنّ المدخل الذي يبدو من خلاله، تحمّل “إسرائيل” للموضوع ولو جزئيا، هو خروج تل أبيب عن بروتوكولات التنسيق بين البلدين، حيث أنّ الإشارات الأولية تُشير، إلى أنّ “إسرائيل” لم تبلّغ عن نيتها بالطلعة الجوية الأخيرة، إلّا قبل وقت قليل، الأمر الذي ساهم بإرباك أدى، إلى سقوط الطائرة، وإن كان بنيران صديقة، وضعتها روسيا منذ سنوات، تحت مرمى النيران الإسرائيلية، دون حسيب أو رقيب.

بالعودة إلى الخشية الإسرائيلية، فهي بالتأكيد ليست مرتبطة بوجود مخاوف، قيام روسيا بالرد العسكري، أو حتى التهديد به، وهي التي سارعت وعلى لسان سياسيين كبار فيها، إلى أنّ اسقاط الطائرة لم يكن متعمداً، وأنّ روسيا و”إسرائيل” ستبحثان الأسباب التي أدت إلى ذلك.

هُنا يُطرح السؤال، إذاً ما الذي يُقلق المستوى الإسرائيلي، ويُمكن حصر ذلك في نقاط أبرزها:

1.اتخاذ روسيا خطوات، من شأنها أن تحد من حرية العمل الإسرائيلية في الساحة السورية، وتغيير طبيعة التعاون في هذه القضية، أي المقصود الترتيبات التي تسبقها، وكذلك تقليص مساحة العمل الإسرائيلي، إلى الحد الأدنى الذي قد يكون غير مجدي إلى الحد الذي تطمح إليه “إسرائيل”.

2.تراجع العلاقات الدبلوماسية في بعض الملفات، سواء على مستوى زخم العلاقة الثنائية، أو على مستوى التعاون في الكثير من القضايا، كالتجارية منها، والحد من الزيارات الثنائية، وتحديداً تلك الإسرائيلية إلى موسكو، والتي وصلت على مستور رئاسة الوزراء ورئاسة الدولة، إلى 8 زيارات خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة.

3.أن تقوم روسيا، ردّاً على ذلك، بتمكين بعض الأطراف على الساحة السورية بالرد على تلك العملية، أو بكلمات أخرى، أن تُعطي روسيا قوى معينة مساحة عمل أوسع، بما يؤثر بشكل سلبي أكبر على الأمن الإسرائيلي، ويُمكن أن تكون مساحة العمل ممنوحة لقوى، ليست دولة، كالميليشيات الشيعية، أو حزب الله اللبناني.

4.اتخاذ روسيا مواقف مناهضة ل”إسرائيل” على الساحة الدولية، كالتصويت على بعض القضايا، أو تبنيها لرؤية تتعارض مع المصالح الإسرائيلية على مستوى مجلس الأمن.

5.قيام روسيا، ببيع منظومات سلاح متطورة، لقوى تُصنف على أنّها عدوة ل”إسرائيل”، كإيران وسوريا، أو غيرهما.

قد تكون هذه المخاوف، بعيدة من أن تتحقق كلّها، أو لربما جزء منها، لكن ما تُدركه “إسرائيل” أنّ مساحة التعاون مع روسيا مهمة، ويجب عدم المساس بها، وإن كانت روسيا تريد أمناً في المنطقة يحفظ مصالحها، ولا يمس في نفس الوقت بالمصلحة الإسرائيلية الأمريكية، فإنّ هذه السياسة التي تعض عليها “إسرائيل” بالنواجذ، قابلة رياحها لتغيير بما لا ترتئيه السفن الإسرائيلية.

ختاماً، روسيا تعمل في سوريا، لحفظ مكاسب سياسية واستراتيجية واضحة، وقد ارتكزت سياساتها، على محاولة حفظ الهدوء، حتى بتخليها في كثير من المرات عن حلفاءها ايران وسوريا، بتركهما لقمة سائغة ل”إسرائيل”، وهي ستعمل على استمرار ذات المنهجية، دون اضطرارها لإدخال نفسها في زاوية تحويل هذه القضية، إلى صراع أمريكي- روسي، لكنّها في نفس الوقت لا بدّ، وأن تتخذ خطوات تحفظ لها هيبتها.

 * مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى