هل ستقود “الهرولة” الرسميّة العربيّة إلى اسرائيل لمزيد من الخراب سفك الدماء ؟

تشير تحرّكات معظم الحكّام العرب السريّة والعلنيّة إلى أن قضية فلسطين لم تعد قضيتم الأولى، وإنّهم يسيرون بخطوات متسارعة في اتجاه الاعتراف رسميّا بإسرائيل، وإقامة علاقات دبلوماسيّة واقتصاديّة وعسكريّة معها قبل التوصّل إلى حلّ سلمي للنزاع العربي الإسرائيلي.

هذا بالضبط ما تخطّط له الدولة الصهيونية … استسلام واعتراف عربي باحتلالها لفلسطين من البحر إلى النهر، وتطبيع سياسي واقتصادي معها مقابل مساعدتها في حماية بعض الحكّام العرب وأنظمتهم من شعوبهم، والتصدي ” لعدوّتهم الجديدة ” إيران…!

” الهرولة ” العربية المذلة لأداء قسم الولاء لتل أبيب لم تأتي من فراغ؛ بل إنها كانت النتيجة الحتمية للخلافات البينيّة والحروب العربية – العربية، والانقسام الفلسطيني، وضعف الجيوش العربية، وتردّي الأوضاع الاقتصادية، والغباء السياسي الرسمي العربي في التعامل مع إسرائيل.

إسرائيل لا تشعر بوجود تهديد يدفعها لتقديم تنازلات للعرب والقبول بحلّ سلمي؛ ولهذا فإن نتنياهو وحكومته يعتقدون أن هذا التطبيع العربي المجّاني ” تحصيل حاصل “، وسيمكّنهم من تحقيق أهدافهم البعيدة المدى وفي مقدّمتها السيطرة الكاملة على فلسطين من البحر إلى النهر، وزعزعة الاستقرار في دول عربية مجاورة أو بعيدة نسبيا عندما يحين الوقت، ويكون تدميرها واغراقها بالدماء وتغيير أنظمتها مفيدا لإسرائيل ومتلائما مع مخطّطاتها التوسعية.

الحكام العرب المتبارون في التطبيع مع إسرائيل لم يتعلّموا من تجارب غيرهم؛ لقد وقّع بعضهم اتفاقيّات سلام معها، ووقّع الفلسطينيون اتفاق “أوسلو “؛ فماذا كانت النتيجة؟ وما هي المكاسب الاقتصاديّة والسياسيّة والثقافيّة التي حقّقتها تلك الأنظمة بعد توقيع تلك الاتفاقيّات؟ وأين السلام الذي حلم به الفلسطينيون بعد ربع قرن من المفاوضات العبثيّة؟

إسرائيل ” ضحكت علينا ” ولم تقدم شيئا ذو فائدة اقتصاديّة أو علميّة للدول التي وقّعت معها اتفاقيّات سلام، وخدعت الفلسطينيين وتنصّلت من اتفاق “أوسلو “، وسخّرت حروبنا وخلافاتنا وانقساماتنا لمصلحتها، واستغلّت الوقت لبناء مئات المستوطنات وزرع مئات آلاف المستوطنين في الضفة الغربيّة، وزاد تآمرها على الوطن العربي ولم تتنازل عن مخططاتها للسيطرة عليه.

المنطقة العربية تمر بمرحلة مخاض خطيرة، ووصلت أوضاعها إلى حالة من السوء غير المسبوقة؛ الشعب العربي من المحيط إلى الخليج يشعر بالذل والضياع، ويدرك ان هذه الأنظمة هي المسؤولة عن جميع المآسي التي حلّت به، وأنه لا أمل بتحسن أوضاع البلاد والعباد ما دامت موجودة.

الهرولة والتطبيع واستجداء السلام من … عدو السلام … لم ولن يأدي إلى نتائج جيّدة وسيزيد مشاكل الوطن العربي تعقيدا ويقوده إلى المزيد من الانقسامات والتفكّك والقتل والدمار؛ وضعنا المأساوي الحالي يجب أن لا يستمر وعلينا جميعا أن نعمل على تغييره؛ لكن تغييره بحاجة إلى تمرّد المثقفين والإعلاميين والمهنيين وكل القوى المؤثرة في المجتمع على هذه الأنظمة، والعمل على كشف مفاسدها ومؤامراتها وحثّ الشعوب على التحرّك لمواجهتها والتخلّص منها.

* كاتب فلسطيني

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى