هل من الممكن إصلاح الثقافة العربيّة وبناء الإنسان قبل القضاء على أنظمة الفساد والظلم والطغيان؟

منذ بداية القرن العشرين والوطن العربي يتخبّط وتتردّى أحواله، وتتراكم مشاكله السياسيّة والاجتماعيّة والثقافيّة ويفشل في حلّها، ويرحّلها من جيل لآخر في انتظار الحلول التي لم ولن تأتي ما دامت الأنظمة الفرديّة التسلطيّة الديكتاتوريّة التي أوجدت هذا الوضع تحكمه.
الأنظمة الديموقراطيّة التداوليّة تحكمها دساتير دائمة، وقوانين وضعيّة واضحة تعدّل لتلائم احتياجات المواطنين ومتطلّبات حياتهم العصريّة المتغيّرة، وتعمل على بناء وطن قويّ بجيشه واقتصاده وثقافته ومؤسّساته، وتحترم إرادة الشعب والتداول السلميّ للسلطة، وتصون الحرّيات العامّة، وتطبّق القوانين على الجميع، وتساوي بين المواطنين وتحكم بينهم بالعدل والإنصاف، وتعمل من أجل مستقبل الوطن والمواطن.
والأنظمة الدكتاتوريّة التسلطيّة الفرديّة .. ومنها معظم الأنظمة العربيّة .. يحكم كل منها طاغية مستبدا يملك كل السلطات، ويمارس هو وبطانته الفاسدة الانتهازية الرعب والكذب والنفاق وكتم الأنفاس لإرغام المواطنين على الإذعان لإرادته وقبول التسلّط والفوضى الإدارية والفساد كجزء من حياتهم، ويتصرّف وكأن الوطن مزرعته الخاصة والمواطنين عبيده، ويجلس على أكتاف الشعب حتى يهلكه الله، أو يقتل ويدخل مزبلة التاريخ غير مأسوف عليه!
وإذا كانت الثقافة بتعريفها البسيط هي .. أسلوب حياة .. يشمل عاداتنا وتقاليدنا ومعتقداتنا وقيمنا ونمط حياتنا وتعاملنا مع الآخرين، فما هو المطلوب أولا إصلاح النظام العربي أو إصلاح الإنسان العربي وثقافته؟ وهل المشكلة هي في الشعب وثقافته أو في النظام المستبد؟ وهل من الممكن إصلاح الإنسان والثقافة في غياب القانون والحريّة والديموقراطيّة والعدالة؟
يختلف الناس في وطننا العربي على الأولوّية في الإصلاح، فمنهم من ينادون بإصلاح الثقافة والمواطنين أوّلا، أو ” إصلاح الإنسان قبل الأوطان ” ويتجاهلون استحالة ذلك، ومنهم من يطالبون بتغيير النظام أو إصلاحه قبل إصلاح الإنسان والثقافة.
الذين يؤمنون بإصلاح المواطن وثقافته أولا هم الساسة والعسكر ورجال الدين والمال الموالين الداعمين للأنظمة العربية وتلتقي مصالحهم وامتيازاتهم ومنافعهم مع استمرارها؛ إنّهم يستخدمون السياسة والدين وشعارات المحافظة على أمن الوطن والمواطن كذريعة لدعم تلك الأنظمة والمحافظة عليها، وينكرون أنها قائمة على الفساد والطغيان، وفشلت في توفير الأمن والأمان، وعجزت عن حماية حدودها ومواطنيها!
أما الذين يطالبون بإصلاح الأنظمة العربية أوّلا، فإنهم يعتقدون أنه لا يمكن إصلاح الإنسان والثقافة في ظل الأنظمة الاستبداديّة الفاسدة الحاليّة التي تبذل قصارى جهدها للمحافظة على التخلف الثقافي بمحاصرة الإنسان وتجهيله وإخضاعه لإرادتها، وترفض أن تعطيه الفرصة ليتعلّم ويفكّر بحريّة لأنها تدرك جيدا أن بناء الإنسان وتطوير وسائل وأطر الثقافة تتعارض مع ممارساتها القمعيّة وتشكّل خطرا حقيقيّا على وجودها.
أنظمة الفساد والاستبداد والطغيان العربيّة الحاليّة لا يمكن أن تبني الإنسان وتعيد له كرامته وتحميه هو ووطنه؛ ولهذا لا بدّ من استبدالها بدول قانون ومؤسسات ديموقراطية تحمي الحريات السياسية والدينية، وتوفر العوامل الاقتصادية والتربوية والعلمية التي تمكّن الإنسان من إصلاح نفسه وثقافته وتغيير واقعه.

* كاتب فلسطيني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى