هل العراق ” آخر ”  آلام الأمة ؟ .. على أبواب مخاض جديد

مثلما كانت معاهدة كامب ديفيد بداية كسر ( تابو ) التحريم المعلن والرفض المطلق واستحالة التعامل وطنيا وقوميا وإيمانيا مع الكيان الصهيوني ، كان توريط العراق وإيران في حرب ضروس لا مبرر لها ؛ ثم توريط العراق في دخول الكويت في عملية لم يكن مستعداً لها ، فكانت المدخل لحصاره بذريعة انه يهدد أمن جيرانه ، ثم ذريعة إمتلاكه لأسلحة دمار شامل؛ ما كانت لتتوفر له القدرة على إمتلاكها في أعقاب حربين وحصار دولي خانق.

وكان مطلوبا في ظل مناخ سياسي مناسب ـ تمثل باختلال ميزان القوى العالمي جراء إنهيار الكتلة الإشتراكية والإتحاد السوفييتي وخروج مصر من معادلة الصراع مع  الكيان الصهيوني – إبتلاع المنطقة العربية ابتداء بالعراق باحتلاله سنة 2003 ـ وكان ذلك مقدمة الاختلاف العربي الشامل وضياع التضامن العربي ولو بحده الأدنى ، متجلياً بقبول سلطة برايمر المندوب السامي الأمريكي على العراق ، والتخلي عنه ( أي عن العراق  .)

وحيث أن السياسة والمجتمعات كما الطبيعة لا تقبل الفراغ، كان لا بد من أن يكون هناك من يغطيه ،فكانت إيران جاهزة للقيام بهذا الدور الذي لم يكن مخططا له .

تبع ذلك شن اكثر من حرب ( إسرائيلية ) على المقاومتين اللبنانية والفلسطينية وبناء الجدار العازل وتكثيف الإستيطان الصهيوني وتمكين حماس من الإنقلاب على سلطة قبلت أن تكون جزءاً منها ؛ لتتدثر بها فيبدو إنقلابها شرعياً ، ثم لتنقلب فيما بعد على محتضنتها سورية ، فيبدو خروجها كانما هو خروج الشرعية الفسطينية “مرغمة” من سورية ، ولتبدو مشاركة بعض إرهابيها في القتال ،إلى جاتب العصابات الإرهابية ضد سورية بمثابة نزع للصفة اللصيقة بدمشق بأنها الحامية والداعمة والمحتضنة للمقاومة ، واستبدالها  ظلماً بتهمة ( النظام الذي يقتل شعبه(

وبالتزامن مع احتلال العراق وقيام سلطة برايمر المعترف بها من جامعة عربية أشبه بـ ” الجائحة ” ، بدأ التحرش الأمريكي بسورية ، فقدم كولن باول شروط بلاده ألـ 8 ( والتي رفضتها دمشق جملة وتفصيلاً ) وكان من بينها  طرد الفصائل الفلسطينية المتواجدة على الأرض السورية ، ووقف أي مساندة للمقاومة العراقية في وجه الإحتلال الأمريكي البريطاني للعراق، وعملت واشنطن على جعل الخطة السورية الممنهجة للخروج من لبنان ، كانها مرغمة على ذلك .

بعد كل ذلك ، جاء دور الفوضى الخلاقة ومشروع الشرق أوسط الجديد وما أسمي ، الربيع العربي .. تجازاً ، فكان الاتفاق الامريكي الإخوني على أن يركبوا ويشعلوا ثورات مبرمجة لا تتجاوز قضايا مطلبية وحريات شكلية لا ترتقي إلى معانٍ استراتيجية كـ الوحدة والتحرير والإشتراكية، ولا ترفض النفوذ الغربي الأمريكي في المنطقة العربية ولا تتطرق للإحتلال الصهيوني الإحلالي الاستعماري لفلسطين، بل وتحولت بالصراع العربي الصهيوني إلى صراع أسموه عربي فارسي وسني شيعي ، وجرى استغلال ذلك أبشع استغلال في المشرق العربي بخاصة .

الآن وقد فشلت الثورة المضادة في البلدان العربية التي أشعلت فيها، وتتوجه هذه البلدان للتعافي ، فإنهم يحاولون مجدداً فتح جبهة إيران باعتبارها صاحبة النفوذ القوي في العراق  ، والظهير القوي لسورية ( مع روسيا ) وظهير المقاومة اللبنانية وبعض الفلسطينية ، حيث بدأت أمريكا بفرض حصارٍ جديد وتحشيد سياسي وعسكري ضدها ومحاولات إنشاء ( نيتو عربي يحمل بذور فشل ذريع ) وهو الأمر الذي يتسبب الان بأزمة إقتصادية خانقة في إيران والعراق معاً .

الطبقة الحاكمة في العراق باتت عبئا على إيران وعلى الشعب العراقي بما هي عليه من فساد ظاهر وتذبذب سياسي وغيره ،ولا يبدو انها مؤهلة لإصلاح ذاتها او انها تتوفر على قدرة لتجاوز أزمتها لضخامة العفن والفساد المتورطة فيه ولإستهدافها من تركيا الطامعة في الشمال ومن مطامع الأكراد المتنامية  والسعودية في الجنوب ومن يقيم هناك من بقايا العهد السابق ، فضلا عن الخلايا النائمة من بقايا داعش، وما تدبر واشنطن من دواعي العودة مجددا للعراق ، وربما لإنشغال إيران في ملفات أخرى،وهي الملفات التي تحاول أمريكا وحلفائها من الغربيين والرجعيين إدامتها أطول فترة ممكنة، بحيث تنشغل إيران بها عن دورها في العراق، جراء الحصارولإضعاف دورها فيه وللحيلولة دون المساهمة في إصلاح اختلالاته البنيوية، او وقف التعامل مع عهد سابق على أسس ثأرية انتقامية ومحاولة الإستفادة من ذاك العهد والمصالحة معه بدلاً من تركه فريسة استثمار رجعي مذهبي بشع، وربما تحول الزمن ما لم تتم المصالحات إلى أعمال إنقام مقابلة تعيد أمجاد حرب داحس والغبراء  .

ومن هنا يبدوا أن العراق ليس مقبلاً على التهدئة السريعة موضوعياً ، ويرجح انه سيدخل في إنتفاضة وربما فوضى ممتدة زمنيا .. قد تعصف بالتركيبة الحاكمة كليا وبالفساد المعشعش فيه وبالنفوذ الخارجي بخاصة الأمريكي ، وقد تكون روسيا وسورية مؤهلتين أكثر من غيرهما لدور مهم في العراق بحكم اعتبارات كثيرة (بعد أن تكون دمشق قد خرجت من أزمتها ) وستلحق بهما الصين، وقد تلعب روسيا دورا واسعا في تحقيق مصالحات محلية واسعة ، ومن المستبعد انهاء الوجود الإيراني ولا ينبغي ذلك موضوعيا لاعتبارات مفهومة  على أن يتصاحب ذلك مع المصالحات .

السؤال هل سيكون العراق بعد سنوات أخرى من المخاض الأليم ، نهاية آلام الأمة بعد ان كان البداية ، وهي البداية التي تخللتها عقد اتفاقيتي وادي عربة واوسلو، بالتزامن من تجريده من عناصر قوته وحصار سورية المتمثل بقرار معاقبتها ؛ الذي اتخذه الكونغرس الأمريكي ؛ عندما رفضت تلبية الإشتراطات الأمريكية .

سيتعافى العراق بعد مخاضات عسيرة وسيسانده بعض أمته كالجزائر وتونس ولبنان وعُمان .  إضافة لسورية..واليمن وليبيا بعد تعافيهما..اضاقة لمن ذكرنا من دول صديقة ك إيران وروسيا والصين   .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى