العلاقة بين استقبال “الخوذ السوداء” ومد خط الغاز وكشف قضية الفساد

 

ثلاثة أحداث غاصة عاشها الأردن وما يزال بالتزامن إلى حدٍ بعيد ، لعل أولها استقبال 422 إرهابيا من منظمة الخوذ البيضاء الإستخبارية الدولية ذات المهام الخاصة المساندة للعصايات الإرهابية وبخاصة عصابة النصرة الإرهابية المنحدرة من القاعدة ، والتي  فبركت هجمات كيميائية اتهمت بها الجيش السوري واعتمادا عليها وجهت ضربات لسورية .

وتطرح الإستضافة أسئلة كثيرة ، فالكيان الصهيوني اعلن أنه تمكن بعملية خاصة “إنقاذ” 800 عنصر من ( فريق الدفاع المدني السوري ) من بطش الأسد على حد تعبير مسؤولين صهاينة في ضوء التقدم الذي حققه الجيش السوري في الجنوب، وأن هؤلاء سينقلون إلى الأردن ، ومن ثم ستستضيفهم الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا والمانيا وغيرها ، وهي الدول ذاتها التي طلبت من ( إسرائيل) والأردن القيام بما طلب منهما .

وتبين أن ألـ 800 أو أل 422 عنصرا ـ ليسوا كل من ضمتهم هذه العصابة في سورية، فقد أكد الرئيس دكتور بشار الأسد بعد أيام من العملية الإسرائيلية ، ان أعضاء الخوذ البيضاء في سورية ستتم محاسبتهم .

تبقى جملة أسئلة تحتاج إلى إجابات ، لم كُلفت (إسرائيل) بالقيام بهذه العملية ولم تقم بها الولايات المتحدة أو فرنسا أو سواهما ممن لها وجود عسكري في سورية وما حولها.

ولماذا على الأردن استقبال هؤلاء ، ولِمَ لَمْ يتم إستقبال او تسفيرهؤلاء مباشرة من الكيان الصهيوني إلى حيث مقرراً استقبالهم ، أو حتى لِمَ سيبقوا هنا لفترة 3 أشهر أو أكثر او أقل.  ولماذا كل هذا الإهتمام بأعضاء هذه العصابة دون غيرها ، من عصابات الإرهاب الكثيرة العاملة في سورية وفي العالم ، لقد سبق للولايات المتحدة أن قامت بإتاحة انتقال داعش مثلا من الموصل إلى عين العرب ، وقامت  بدفع العصابات الإرهابية للإنتقال  من موقع إلى آخر بحسب ما تقتضي مقتضيات الحرب على سورية من الوجهة الأمريكية ، كما قامت بحملهم إلى التنف او حتى إلى أفغانستان، لكن لِمَ هذه المرة ، يتم تهريبهم على هذا النحو الحميم من الإهتمام والتدخل الدولي الواسع .

ولِمَ يتم ذلك على شكلٍ معلن إحتفالي ؟ هل لإستفزاز الشارع الوطني الأردني، وخلق فجوة بينه وبين النظام السياسي ، ولضرب صدقية الأردن في المصالحة مع سورية التي أصابها منه أذى ؛ وإن يكن ليس كمثل ما صنع الخليج ، كما لضرب اتفاقه مع روسيا بخفض التوتر في الجنوب ، وبالتالي العودة للمربع الأول ، وهو ما يجعل الأردن في حالة حاجة مستدامة للمحور الأمريكي الغربي الرجعي العربي الإسرائيلي ، وهو أمر مطلوب امريكيا .

هل هدف إبقائهم في الأردن وفي الكيان الصهيوني ،  تنفيذ مهام أخرى لم ينفذوها بعد ، كـ إعداد استخباريين بدلاء ـ مثلاً ـ  لم يستكمل إعدادهم ..أو للقيام بهمام إرهابية في الإقليم لم تستكمل ، تكون سورية على رأسها ، أو للقيام بعمليات (ثأرية) عاجلة ، كمذبحة السويداء التي  أتت  بقصد إرهاب مواطني قائد الطائرة التي أُُسقطت باعتبار أنه  من أهل جبل العرب .

أما لماذا أختير الأردن ، أفلأن في الأردن غرفة موك وقواعد تدريب عسكري أمريكية.. باعترافات أمريكية وغير أمريكية.

والحادث الثاني، يتمثل في مشروعين ؛ بدايات أولاهما ليست حديثة ويتمثل في مشروع الخط الناقل للمياه الأحمر ـ الميت وينفذ على أرض أردنية وهو يخدم (إسرائيل) اكثر مما يخدم الأردن ويتيح للكيان الصهيوني إقامة مشاريع سياحية وغير سياحية على الجانب الآخر واستخدام المياه المنقولة في التوسع الإستيطاني الصهيوني في النقب على حساب مواطنيه العرب الفلسطينيين ، فضلاً عن أضراره البيئية الكبيرة .

والمشروع الثاني بدء تنفيذ الخط الناقل للغاز المسروق من الشواطيء الفلسطينية واللبنانية الى الاردن ، وهو المشروع الذي يكبّل الأردن بما لا يقل عن 10مليارات دولار فضلاً عن أنه يضع صنبور تدفق نحو 40% من احتياجات الأردن من الغاز في يد الكيان الصهيوني متى أرادت أغلقته وفرضت إرادة إضافية عليه ، رغم أن لدى الأردن بدائل أخرى منها استثمار هذا المبلغ في الطاقة البديلة النظيفة المستدامة حيث يتوفر الأردن على ضوء الشمس معظم أيام السنة ولساعات طويلة .. كما يمكن استثماره في البحث عن الغاز ، وفي استثمار الصخر الزيتي وفي استيراده من بلدان شقيقة وصديقة ،فضلا عن ميناء الغاز المسال الذي يؤمن للأردن إحتياجاته وزيادة ويبيع الأردن الفائض منه ، ما يعني أن لا مصلحة للأردن البتة في إستيراد الغاز من إسرائيل فضلاً عما يعنيه ذلك من دعم مالي ومعنوي لسياسات الكيان الصهيوني العدائية ضدنا وضد امتنا وإهانة للشعور الوطني والشعبي الأردني .

هذان المشروعان الناقلان للمياه والغاز بمثابة الأنشوطتين في رقبة الأردن الرسمي والشعبي ومستقبل أجياله المقبلة ، واستقبال استخباريي الخوذ البيضاء يكرّس تبعية الأردن وتنفيذ المزيد من هذه المشاريع المكبّلة لحريته وسيادته وقراره المستقل واستقراره السياسي.

الحادث الثالث فيتمثل في الفساد الذي أصبح مؤسسة محمية تصول وتجول والذي تكشّفت في واحدة من أخطرها ، والذي يبدو أن رؤوسا كبيرة متورطة فيه ولا يتعلق فحسب في دخان مهرب وتصنيع ماركات أجنبية مزورة ،  وقضية الفساد هذه قد تكون بداية كشف طوابق فساد أخرى حيث تكشفت عن مزارع حشيش و تزويرعملة وحيازة اسلحة غير مرخصة.

ويبدو أن ضبضبة هذا الملف لم يعد ممكنا، فقد أحيل إلى محكمة امن الدولة ، كما لم يعد ممكنا إيجاد تخريجات  أوحماية المتورطين ، ولا حتى تحميله لفاسدين صغار أو بدلاء .. بل قد يفتح هذا الملف ملفات أخرى واتهامات مراكز .. لبعضها ، ما يزيد الشقة بين شرائح الطبقة الحاكمة ، وسط أجواء من الإشاعات الضاغطة ، في وقت يتصاعد جو من الحنق والضنك المادي بين المواطنين والشعور في آن  بالمهانة أنه رغم كل هذا الضيق يجري تنفيذ مشاريع جارحة للكرامة الوطنية كالمشروعين الناقلين للمياه والغاز و استقبال استخباريي أمريكا ” الخوذ البضاء ” الذين عاثوا في سورية فساداً وقدموا للعصابات الإرهابية خدمات جلى .

بل وعندما كان الكيان الصهيوني يقصف مواقع سورية كنا لا نقدر حتى على استنكار هذا القصف بل وصرّح مسؤول كبير أن قصف مطار تيفور كان ضروريا ، مما يجرح الكرامة الوطنية .

أقول أن كرة الثلج المتدحرجة الناجمة عن قضية الفساد الكبيرة  تتم بالتزامن مع استقبال مجرمي القبعات (السوداء) ومع تنفيذ الخط الناقل للغاز من الكيان الصهيوني في ذروة إعلانه (يهودية الدولة) وتصعيد اقتحامات الأقصى ونقل السفارة الأمريكية للقدس الفلسطينية المحتلة وافتضاح علاقاته العضوية مع العصابات الإرهابية في سورية ، كل ذلك  قد يتفاعل رغم بعض التقييم الإيجابي لـ د. عمرالرزاز، ما قد يجعل منه ضحية أكثر منه صانعا للأحداث أو مسؤولا عنها .

 

هذه التفاعلات تتم في جو من عدم الوضوح لما سيلي ، وصراع شرائح الطبقة الحاكمة والنظام السياسي ، سيخلق حالة فراغ ، سيحاول الكيان الصهيوني بمساندة أمريكية غربية تعبئته في ضوء عدم جاهزية بدائل محلية ولا إقليمية لتعبئته ، وهو هدف الغرب المخفي من استقبال الخوذ البيضاء الإستراتيجي وتصعيد الضغوط  الإقتصادية على الأردن ، وربما حنى كشف فضيحة الفساد هذه ، ففي الأردن قضايا فساد محمية يغرّم من ينطق بها دون امتلاكه أدلة كاملة ، ومن أين يترك الفاسدون ثغرات تشي بفسادهم ، إلا عندما تأتي ساعة الحساب العسير ليس بقصد محاسبة الفساد والفاسدين ولكن لتمرير امور جلل تأتي على أشياء كثيرة ولا يستبعد أبداً  أنها خطوة مهمة باتجاه تمرير صفقة القرن .. من خلال خلق فراغ تتداخل في صنعه عوامل عديدة، فكم هناك من كلامٍ باطل يراد به باطل وكلمات حق يراد بها باطل ، وفي الحالة الأردنية  كما يبدو سيختلط الباطل والحق لتمرير باطل مربع ومريع .

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى